تخرج فتاة من مخيم برج البراجنة الى طريق المطار لانتظار سيارة أجرة على رصيف الشارع المحاذي لمدخل المخيم، فيمر شاب مسرعاً على دراجته النارية ويقترب من الفتاة متلفظاً كلمات غزل فجة بلغة الشوارع. لا تحرك الفتاة ساكناً، وكأن شيئاً لم يحدث، فيتكرر المشهد مرة أخرى الى أن تستقل سيارة. بعدها تظهر ملامح انزعاج الفتاة لما تعرضت له، فهي لم تكن تريد أن تبدي انزعاجها أمامه لئلا يهنأ بفعله، او تريه عكس ذلك فلا يعاود فعله. يحدث هذا المشهد مرات عدة يومياً بفعل شبان كثيرين، وتعمد الفتيات جاهدات إلى عدم الاستجابة للأذى اللفظي الذي يسمعنه باستمرار، ويُعتبر السكوت لديهن أفضل من إثارة مشكلة أكبر ربما لا تكون في مصلحة الفتاة لأنها الحلقة الأضعف. فكيف سيواجهن شخصاً لا يعرفنه وليس عنده اعتبار ديني أو خلقي أو عائلي. داخل المخيم حيث الزواريب والطرقات الضيقة، تصل حالات التحرش الى 5.3 في المئة، وفق دراسة أجرتها"جمعية النجدة الاجتماعية"، وتعد النسبة قليلة مقارنة بباقي المجتمعات، بل لا ترقى الى مستوى ظاهرة، لأن الحياة الاجتماعية والروابط العائلية تشبه تلك الموجودة في القرى والمناطق المحافظة، والسكان يعرف بعضهم بعضاً جيداً، على الاقل في كل حارة. وهو ما يقلل من حالات التعرض اللفظي أو الجسدي على النساء، لأن الفتاة إذا اشتكت لأهلها ستتفاقم المشكلة من صدام بين شاب وفتاة إلى نزاع بين عائلتين. لكن مع اتساع نطاق المخيم شيئاً فشيئاً، توضح الدراسة، تزداد حالات التحرش. وتحذر من هذا الازدياد مستندة على استطلاعها آراء 226 فتاة وشاباً. وتقابل الزيادة في التحرش زيادة الوعي لدى الناس بتوصيف الحال والإبلاغ عن الاساءة وذلك لم يكن متوافراً سابقاً. وقد وفرت جمعية النجدة اختصاصيين وناشطين ضمن برنامجها لمكافحة"العنف ضد المرأة"لتلقي الشكاوى وإرشاد المتعرضات للتحرش بكيفية التعامل معه. ورصدت حالتي تحرش من جانب أستاذ أدت في نهاية المطاف الى الإطاحة به من وظيفته بعد الإبلاغ عنه وتقديم شكوى للمدير العام"أونرا". ويُعوّل المتحرش على صمت الفتاة اذا ما تعرض لها للتمادي، لأنها في أغلب الاحيان لا تخبر أحداً خوفاً من أن تسوء سمعتها، فوفق الناشطة النسوية التي شاركت في إجراء الدراسة، تخشى الضحية الإفصاح لئلا تتهم بأنها السبب. وأفادت إحدى السيدات بأن التحرش يؤثر سلباً في نفسية البنت وأهلها وخصوصاً بسبب السمعة لا أحد يتقدم لخطبتها، البنت ليست حسنة السمعة..."وهذا الشيء يحطم معنوياتها". أهم العوامل المؤثرة في تزايد الحوادث برأي المستطلعة آراؤهم، هي الإدمان المخدرات والكحول وانقطاع الكهرباء والمظهر الشخصي للفتاة، فضلاً على ظاهرة الجلوس في الشارع في طرقات معينة داخل المخيم والأحياء المجاورة. ما يجعل هذه المناطق غير آمنة لمرور الفتاة وبخاصة في أوقات الليل. وتوصي الدراسة بالتحرك في اتجاه إلغاء التحرش في المخيم بالتعاون مع أطر الحاكمية فيه، وتكثيف حملة التوعية ضد التحرش الجنسي بكل أنواعه مع التركيز على النساء والأطفال. ويطالب المشرفون على الدراسة منظمة التحرير الفلسطينية بكل هيئاتها السياسية والنقابية، واللجان الشعبية والمؤسسات الأهلية والهيئات المعنية بتفعيل عمل اللجان الأمنية، خصوصاً في المناطق التي تعلو فيها نسبة الخطر من التحرش، وتفعيل النشاطات الشبابية بعامة.