من بين أبرز التأثيرات السلبية في أداء مصارف المنطقة للأزمة المالية العالمية وما تبعها من أزمات، تبرز المخصصات السنوية التي تقتطَع من أرباح هذه المصارف لمواجهة الديون المتعثرة، نتيجة التباطؤ الاقتصادي الذي أدى إلى تعثر بعض المدينين، إضافة إلى التراجع الكبير في قيمة الأصول، وفي مقدمها العقارات والأسهم، في ظل الانكشاف الكبير لبعض مصارف المنطقة على هذه القطاعات. وأدى ارتفاع قيمة المخصصات إلى ضخ حكومة الإمارات سيولة كبيرة في القطاع المصرفي للحفاظ على سلامته وتعزيز دوره في دعم أداء القطاعات الاقتصادية المختلفة، وأدى كذلك إلى انخفاض الموارد المالية للمصارف وتصنيفاتها الائتمانية، وإلى تشددها في منح قروض إلى العديد من القطاعات الاقتصادية، وفي مقدمها قطاعا العقارات والأسهم واللذان تتركز فيهما ثروة معظم المستثمرين في المنطقة بعد تراجع جودة هذه الأصول. كذلك أدى ارتفاع قيمة المخصصات وللسنة الرابعة على التوالي، إلى تراجع قيمة ربحية المصارف، وانعكاس هذا التراجع سلباً على قيمة حقوق مساهميها إذ اعتاد معظم المصارف على توزيع جزء من الأرباح السنوية على المساهمين وتحويل باقي الأرباح إلى الاحتياطات المختلفة التي تستهدف تعزيز قيمة حقوق المساهمين، ورفع القيمة الدفترية لأسهم المصارف المعنية، إضافة إلى مساهمة الأموال المحولة إلى الاحتياطات في تعزيز ربحية المصارف ذاتها، نتيجة توظيفها في أدوات استثمار مختلفة. وتأثرت الأرباح السنوية الموزعة على المساهمين سلباً بارتفاع قيمة المخصصات والذي أدى طبعاً إلى انخفاض السعر السوقي لأسهم هذه المصارف. والظاهرة اللافتة للنظر نتيجة للتأثيرات السلبية وتعثر بعض المدينين، كانت تعزيز دور إدارة الأخطار في المصارف لجهة التأكد من الملاءة المالية والنقدية للمقترضين ومتابعتهم المستمرة لمراحل استخدامات القروض، إذ أدى تعثر بعض المدينين في تسديد أقساط القروض أو فوائدها أو عدم التوافق ما بين التاريخ المتوقع لتسديد القروض والفوائد والوقت الفعلي للتسديد، إلى ارتفاع مستوى أخطار السيولة، إذ تعمل المصارف على التوفيق أو الموائمة ما بين استحقاقات الودائع واستحقاقات القروض. أما المصرف المركزي الإماراتي وللحفاظ على سيولة المصارف، أصدر تعليمات إلى المصارف الوطنية عند بداية الأزمة بعدم توزيع أرباح نقدية سنوية على المساهمين تتجاوز 50 في المئة من إجمالي صافي الأرباح وإجمالي قيمة المخصصات المقتطعة من أرباح المصارف الإماراتية منذ نهاية 2008 وحتى نهاية أيلول سبتمبر الماضي، بلغت نحو 60 بليون درهم، وهي الأعلى على مستوى مصارف الخليج. وتعادل مخصصات المصارف الإماراتية عام 2010 ما نسبته 80 في المئة من صافي أرباحها وما نسبته 69 في المئة من صافي أرباحها عام 2011، لكن هذا العام، بلغت قيمة مخصصات"بنك الإماراتدبي الوطني"، مثلاً، وهو أكبر مصرف في الإمارات، وخلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام، ثلاثة بلايين درهم، ما أدى إلى انخفاض ربحية المصرف إلى 1.92 بليون درهم، علماً أن قيمة إجمالي قروض المصرف بلغت نهاية أيلول الماضي 212.5 بليون درهم، تشكل ما نسبته 22.8 في المئة من إجمالي قروض المصارف الوطنية الإماراتية وتسليفاتها. وتقدر وكالة"موديز"نسبة القروض المتعثرة في مصارف الإمارات ما بين 10 و12 في المئة من إجمالي القروض، بينما يحدّد المعيار العالمي مستوى 10 في المئة نسبة الديون المتعثرة إلى إجمالي القروض مستوى مقبولاً، ويعتبر أن لارتفاعه عن هذا المستوى تأثيرات سلبية في سيولة المصارف وسمعتها وجدارتها الائتمانية ومواردها المالية وقدرتها على تقديم تمويلات إضافي. وأدى ارتفاع قيمة المخصصات إلى تباطؤ نمو القروض والتسليفات التي قدمتها مصارف الإمارات خلال السنوات الأربع الماضية والأشهر التسعة الأولى من هذا العام، إذ تقدَّر نسبة النمو خلال هذا العام بثلاثة في المئة، بينما تشير التوقعات إلى استمرار ارتفاع مخصصات المصارف خلال العالم المقبل، في ظل توقعات استمرار تدهور نوعية الأصول واستمرار تأثر الاقتصاد العالمي بأزمة الديون السيادية الأوروبية وأزمة المصارف الأوروبية وغيرها من الأزمات. * مستشار لأسواق المال في"بنك أبو ظبي الوطني"