ليست سعاد محمد مطربة كبيرة تنتمي إلى جيل العمالقة، أمثال نجاة الصغيرة وفايزة أحمد وحسب، بل هي صاحبة صوت قويّ وواسع المساحة شكّلت من خلاله خطراً على أم كلثوم في الأربعينات من القرن الماضي حين ذهبت الى القاهرة. وقد أجادت الغناء بكل القوالب الموسيقية وأهمها"الدور"أصعب القوالب في أغنية"هات الورق والقلم". أهم ما يميّز صوت سعاد محمد وضوح النبرات فيه في شكل دقيق، ويلاحظ المستمع ذلك عندما تغني بالفصحى في شكل خاص، وهو الأمر الذي لا يجيده كثير من الفنانين الذين"يأكلون"الحرف الأخير من الكلمات. وتربط سعاد محمد علاقة وثيقة بالعاصمة السورية دمشق التي أقامت فيها لسنوات، في شكل متقطع، منذ منتصف الأربعينات حين بدأت تغني من ألحان السوري محمد محسن أغنيات تألقت بها وأطلقت شهرتها مثل"مظلومة يا ناس"و"غريبة والزمن". وهذه العلاقة بدمشق كانت أقوى من علاقة"كوكب الشرق"بالمدينة العريقة. فأم كلثوم لم تقدم أكثر من أربع حفلات هناك، أما صاحبة"وحشتني"فقدمت عشرات الحفلات في العاصمة السورية التي لم تنقطع عنها إلا حين تقدّمت في السنّ في التسعينات وتوقفت عن الغناء. وشكّلت دمشق جزءاً مهماً من مسيرة الفنانة اللبنانية - المصرية الجذور، فردّت لها دمشق الجميل في تكريمات عدّة كان آخرها العام 2009 في دار الأوبرا السورية، حيث لم تستطع الحضور بسبب تدهور حالتها الصحية. وما زالت أغنيات سعاد محمد، المفقودة في الأسواق التجارية، تبثّ عبر أثير الإذاعة السورية في شكل شبه يومي، خصوصاً أن جمهورها واسع ولا يقتصر على كبار السنّ ممن عايشوها بل يجذب صوتها الرخيم وأغنياتها فئة واسعة من جيل الشباب السوري. ويصعب توجيه أي نقد سلبي لصوت سعاد محمد وتاريخها الفني، سوى أنها لم تعطِ موهبتها الفريدة أولويتها واهتمامها الذي أعطت الجزء الأكبر منه لعائلتها وأولادها، الأمر الذي أثر سلباً في عطاءاتها الفنية وأدى إلى ابتعادها عن الساحة الفنية، وإلا لكانت سعاد محمد حصلت على مجد أكبر بكثير. * مؤرخ موسيقي سوري