نفذت روسيا ومن خلفها الصين في مجلس الأمن تهديد إسقاط مشروع القرار الأوروبي المدين لعنف السلطات في سورية ضد المدنيين، في تحرك خيب المحاولات الأوروبية لتجنب الفيتو بعد تعديلات متكررة في نص مشروع القرار حتى الساعة الأخيرة قبل جلسة التصويت. واستفز الفيتو الروسي الصيني المزدوج المندوبة الأميركية في الأممالمتحدة سوزان رايس التي اتهمت روسيا ب «الخداع الرخيص وتفضيل بيع السلاح إلى النظام السوري بدلاً من الوقوف إلى جانب الشعب». وأكدت الدول الأوروبية عزمها على العودة إلى مجلس الأمن مجدداً ومواصلة «الوقوف إلى جانب الشعب السوري». وأعلنت فرنسا وبريطانيا وألمانيا والبرتغال في بيان مشترك «مضاعفة الجهود للعمل مع شركائنا الدوليين لزيادة الضغط على النظام (السوري) أينما كان ذلك ممكناً». وقال السفير الفرنسي جيرار آرو «نأمل بألا يعتبر الرئيس الأسد نتيجة التصويت في مجلس الأمن تصريحاً له لتصعيد العنف ضد المتظاهرين، لكن الفيتو هذا ليس آخر الطريق ونحن سنعود إلى المجلس ولن نستسلم». وشدد آرو على أن اللغة المستخدمة في مشروع القرار راعت مجمل التحفظات الروسية «لكن السفير الروسي قال بنفسه إن استخدام الفيتو كان تصويتاً سياسياً». وفيما اعتبر السفير الروسي فيتالي تشوركين مشروع القرار «تمهيداً لتدخل دولي في شؤون سورية الداخلية» قالت رايس إن «الشعب السوري الشجاع يمكنه أن يميز بوضوح الآن، من يدعم ومن لا يدعم في هذا المجلس، تطلعه إلى الحرية وحقوق الإنسان الأساسية». وأضافت أنه خلال فترة التغيير الحالية فإن «الشعوب في الشرق الأوسط ترى بوضوح أي الأمم اختارت تجاهل نداءاتها إلى الديموقراطية ودعمت الدكتاتوريات المتوحشة». ودانت رايس «استخدام نظام الأسد العنف والتعذيب والقمع ضد المتظاهرين السلميين وعائلاتهم لأكثر من ستة أشهر». وأضافت أن «جهود الحكومة السورية لإخفاء جرائمها الوحشية واضحة بالمقدار نفسه الذي كانت وعودها بالإصلاح فارغة». وشددت على أن «الولاياتالمتحدة لن تهدأ قبل أن يرتقي مجلس الأمن إلي مستوى تحمل مسؤولياته». وأضافت أن الولاياتالمتحدة تعتبر أن «الوقت قد حان منذ زمن لمجلس الأمن كي يفرض عقوبات هادفة وقاسية وحظر تسلح على نظام الأسد على غرار ما فعلنا على المستوى الوطني» (الأميركي). وقالت رايس إن «الشعب السوري تلقى صفعة من دول أعضاء في مجلس الأمن في هذا اليوم الحزين». وردت روسيا على الانتقادات باتهام الدول الداعمة لمشروع القرار أنها تبيت خطة لتغيير النظام في سورية، معتبرة أن بعض المعارضة السورية يستخدم العنف المسلح ويستحق الإدانة. وقال السفير الروسي فيتالي تشوركين إن «القرار الذي سقط في التصويت مستندٌ إلى فلسفة التدخل الخارجي ولا يمكن أن نوافق مع هذا العمل الوحيد الجانب ضد دمشق ونعتقد أنه غير مقبول التهديد بالعقوبات ضد السلطات السورية». وأضاف أن «التغيير في سورية يجب أن يكون سلمياً ولمصلحة الشعب السوري ولا نرى أن الربيع العربي يجب أن يؤدي إلى حرب أهلية لأن هذا ما نراه يحدث في سورية». وجدد العودة إلى تجربة ما حدث في ليبيا حيث اعتبر أن قرار مجلس الأمن استُخدم «خلافاً لأهدافه بعدما تهورت بعض العواصم في منح صفة الشرعية على ممثلين لم يكونوا معروفين لأحد في ذلك الوقت». وأضاف تشوركين أن ثمة «استراتيجية جارية في العالم ورأيناها في ساحل العاج وليبيا والآن بالنسبة إلى الوضع في سورية». وقال إن البعض متهور في منح الأحكام حول الشرعية للقادة في سورية»وأنا متأكد أنه ليس لباريس أو لندن أو واشنطن أن تقرر مدى شرعية بعض القادة في العالم العربي أو أي مكان آخر». واتهم الدول الغربية بتشجيع المعارضة على مقاطعة الحوار مع الحكومة وأنها أعدت «مشروع قرار متحيزاً في مجلس الأمن يلوم الحكومة فقط على العنف ويغفل مسؤولية العنف الذي يقوم به المتطرفون». وفي الوقت نفسه دعا تشوركين الحكومة السورية إلى اغتنام الفرصة والإسراع في تطبيق الإصلاحات «ووقف القمع والاستخدام المفرط للقوة». وقال إن على القادة «في دمشق أن يدركوا أن الوقت حان ليكونوا واقعيين وإذا كانوا في الماضي وعدوا ولم يفوا فإن عليهم الآن أن يفوا بوعودهم». وحيا السفير السوري بشار الجعفري موقف روسيا والصين والدول التي امتنعت عن التصويت. وقال إن «سورية مستهدفة من أعدائها من حيث المبدأ وليس لأي سبب آخر، بسبب مواقفها السياسية المستقلة». وأشار إلى مرحلة جديدة من عنف «المجموعات المسلحة التي تستهدف الآن الدولة والمؤسسات والجيش والنخب العلمية والدينية». واتهم «الدول التي تقود الحملة ضد سورية» بتقديم الحماية إلى قادة «الجماعات المسلحة، وتعقد لهم المؤتمرات التي يصدر عنها مواقف ترفض الحوار». وإذ أكد أن الحكومة السورية تعمل على تطبيق الإصلاحات التي أعلنها الرئيس الأسد فقد اعتبر أن مطالب الشعب السوري تُستغل لجعلها «سلماً ترتقيه معارضة خارجية لتمهيد الطريق أمام التدخل الخارجي واستدعائه وهي أمور مرفوضة من الشعب السوري والمعارضة الداخلية الشريفة». وغادرت رايس والوفد الديبلوماسي الأميركي قاعة مجلس الأمن أثناء إلقاء الجعفري كلمته. وأجمع مندوبو مجموعة «أيبسا» الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، الذين امتنعوا عن التصويت، على الدعوة إلى إطلاق عملية حوار سياسية في سورية يقودهما السوريون أنفسهم. وقال السفير الهندي هارديب سينغ بوري إن «سورية بلد مهم في الشرق الأوسط وبالنسبة إلى استقرار المنطقة». وأضاف أن «حق الشعوب في التظاهر مصان ولكن على السلطات أن تحمي مواطنيها من المجموعات المسلحة والعسكرية». وشدد على أن «الدول لا يمكنها سوى أن تتخذ إجراءات عندما تقوم مجموعات ثقيلة التسلح بأعمال عنف ضد سلطة الدولة والبنى التحتية». واعتبر بوري أن على المجتمع الدولي أن يعطي سورية الوقت لتطبيق الإصلاحات التي أعلنتها». وقال إنه «من الضروري لقوى المعارضة أن تتخلى عن السلاح وتنخرط بإيجابية مع السلطات وعلى الدور الخارجي أن يدعم الحوار لا تغيير النظام». وبرر الامتناع عن التصويت بأن «مشروع القرار لا يدين العنف من جانب المعارضة السورية ولا يضع أي مسؤولية على المعارضة للانخراط في حوار سلمي مع السلطات ولهذا امتنعنا» عن التصويت. وحظي مشروع القرار بتأييد أكثرية 9 دول في مجلس الأمن لم تكن كافية لإقراره بسبب الفيتو الروسي الصيني. وإضافة إلى الدول الأوروبية الراعية له، فرنسا وبريطانيا وألمانيا والبرتغال، أيدت مشروع القرار كل من الولاياتالمتحدة ونيجيريا والغابون وكولومبيا والبوسنة - الهرسك. وخسرت الدول الأوروبية تأييد البرازيل لمشروع القرار بعدما كانت سفيرتها ماريا لويزا ريبيرو فيوتي قد أكدت تأييدها له، لكن الفيتو جعلها ترتد إلى التضامن مع موقف نظرائها في مجموعة «إيبسا» (الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا) التي امتنعت عن التصويت. وامتنع لبنان كذلك عن التصويت. وكانت الدول الأوروبية استجابت إلى عدد مهم من المطالب الروسية في تعديل نص مشروع القرار وخففت اللغة المتعلقة بالمهلة الزمنية التي على السلطات السورية تطبيق القرار خلالها. وجاء في الفقرة الحادية عشرة أن «مجلس الأمن يعبر عن عزمه على مراجعة تطبيق سوريا القرار خلال 30 يوماً وعلى النظر في خياراته بما فيها إجراءات تحت المادة 41 من ميثاق الأممالمتحدة». ووفق مشروع القرار الذي جاء في 12 فقرة فإن مجلس الأمن يدين بقوة «استمرار السلطات السورية في الانتهاكات الجسيمة والممنهجة لحقوق الإنسان». ويدعو السلطات السورية إلى وقف «انتهاكات حقوق الإنسان، والسماح بالممارسة الكاملة لحقوق الإنسان والحريات الأساسية لكل السكان، ووقف استخدام كل أشكال القوة ضد المدنيين، والتأكد من العودة السالمة للذين غادروا منازلهم بسبب العنف». ويدعو مشروع القرار إلى «عملية سياسية يقودها السوريون تتم في بيئة خالية من العنف والخوف والأصولية وتهدف إلى معالجة التطلعات المشروعة للشعب السوري». ويشجع جامعة الدول العربية على مواصلة جهودها الهادفة إلى إنهاء العنف وتعزيز العملية السياسية التي يقودها السوريون أنفسهم». ويدين بشدة «الهجمات على الديبلوماسيين ويذكر السلطات السورية بواجباتها بموجب معاهدة فيينا للعلاقات الديبلوماسية بحماية السفارات والديبلوماسيين». ويدعو مشروع القرار كل الدول إلى ممارسة اليقظة في الإمدادات المباشرة وغير المباشرة أو بيع أو نقل السلاح إلى سورية». ويطلب إلى الأمين العام للأمم المتحدة أن يوجز لمجلس الأمن خلال 30 يوماً من تبني القرار مدى تطبيقه.