المملكة.. مواقف تاريخيّة لدعم فلسطين    رابطةُ العالم الإسلامي تُدين التصريحات العبثية لبنيامين نتانياهو    عبدالعزيز بن سعد يواسي أُسر المايز والتميمي والجميلي في وفاة فقيدتهم    استخدام الذكاء الاصطناعي يؤثر على جودة العمل    الهلال الأحمر يعيد النبض لمعتمرة إندونيسية    تسجيل 1383 حالة ضبط في المنافذ    موجز اقتصادي    «السياحة» تكثف الرقابة في مكة والمدينة استعداداً لرمضان    «صندوق الشهداء» يحصد جائزة أفضل أماكن العمل    رصد «حوشين» عشوائيين لتصنيع «المعسّل» و«الشمّة» بجدة    وزير الصحة يزور جناح وزارة الداخلية في «ليب 2025»    مناطق الجنوب الأقل ممارسة للسباحة    لكمة السرعوف تعادل رصاصة عيار 22    ولادة أول صغار المها بمحمية عروق بني معارض    مصر تستضيف قمة عربية طارئة حول تطورات القضية الفلسطينية    حل الدولتين ثمنه باهظ.. لكن فلسطين تستحق هذا الثمن    سباق تدّمير العقول    تواصل أمريكي – روسي لإنهاء الحرب الأوكرانية    السودان.. إعلان خارطة طريق لما بعد الحرب    سيادة المملكة «خط أحمر»    السفير الإيراني ل «عكاظ»: لا رجعة عن مسار التواصل والتفاعل بين السعودية وإيران    ولي العهد يستقبل رئيس اللجنة الأولمبية الدولية    استعرض العلاقات الثنائية وتعزيز التعاون مع البلدين.. وزير الخارجية يبحث مع نظيريه الأرجنتيني والأوكراني المستجدات الدولية    في الجولة ال(21) من دوري يلو.. قمة تجمع الحزم والطائي.. ونيوم والنجمة يواجهان العين والصفا    القادسية والعروبة يصعدان لأولى اليد    بونو: أكبر خصم للهلال هو الهلال    «المناورات» تجهّز الأهلي والنصر ل«قمة الإنماء»    الجوير ينافس 4 أجانب على صناعة اللعب في«روشن»    تخريج الدورة التأهيلية للفرد الأساسي للمجندات الدفعة السابعة بمعهد التدريب النسوي    دورات لتعزيز مهارات منسوبي الحرس الملكي        غيبوبة على الطريق.. تنتهي بحفل تكريم «اليامي» !    شاهد.. الإطاحة ب 3 شبكات إجرامية تمتهن تهريب المخدرات والاتجار بها في 3 مناطق    طريف تسجل أقل درجة حرارة بالمملكة    عزّت مفتي إلى رحمة الله    «هيئة الأدب» تنظم «جازان للكتاب» وتبرز إرث المكان    وزارة الثقافة تشارك في مؤتمر «ليب 2025»    «الدارة» تصدر كتاباً حول القطع الفخارية المكتشفة بتيماء    لا أخاف على جيل فيه "رتيل الشهري"    الأوركسترا والكورال الوطني.. روعة الإبداع في شتى الصور    %75 نسبة تفوق الحرفيات على الذكور    إرث الصحراء    ضمك.. جبل ونادٍ    شعبان.. محطة إيمانية للاستعداد لرمضان    حسن التعامل    كيف يتكيف الدماغ بسرعة مع التغيير    ميكروبيوم معوي متنوع للنباتيين    مفتاح كوري لعلاج السرطان    أمير الشمالية يتسلّم تقرير الإحصاء    دعم المملكة الإغاثي.. دون حدود    الاتحاد السعودي لكرة القدم يقيم ورشة العمل الإعلامية الرابعة    روبوت لإجراء عمليات السمنة    القيادة تعزّي رئيس ناميبيا في وفاة الرئيس المؤسس للجمهورية    وفاة الممثلة السورية إنجي مراد    الفيروس التنفسي المخلوي يهدد كبار السن وذوي الأمراض المزمنة    من أعلام جازان.. الشيخ العلامة الدكتور محمد بن هادي المدخلي    الحجاج في القرآن    مفوض الإفتاء موجهًا رؤساء الجمعيات اللحمة الوطنية من القيم الأساسية التي تعزز من تماسك المجتمع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بحر آرال أصبح صحراء... وإنقاذه بات مستحيلاً
نشر في الحياة يوم 10 - 05 - 2011

"لو ان كل مستشار أجنبي زار آرال حمل معه قارورة ماء، لكانت مشكلته قد حُلّت"، هذا ما يردِّده السكان المقيمون على ضفاف البحر المندثر. وتضاهي درجة الإحباط لديهم الآمال المعقودة في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي: أن يستطيع الغرب مساعدة دول آسيا الوسطى الجديدة في استعادة بحر آرال. لم تلجأ الأسرة الدولية إلى كل السبل الممكنة حتماً لتنفيذ هذه المهمة، إلا أن العجز عن إنقاذ هذا البحر جذوره محلية هذه المرة وليست أجنبية.
وفيما أصبحت رواية لجوء السوفيات إلى تجفيف بحر آرال من أجل مراعاة الحصص المائية المخصَّصة في الخطة المركزية مألوفة جداً، لم يلقَ الفشل في تصحيح هذا الخطأ الآن وبعد مرور عقدين من الزمن اهتماماً كبيراً. وفي الواقع، استمرت مياه بحر آرال في الانحسار بوتيرة أسرع مما كان قد توقعه السوفيات اثناء حكمهم آسيا الوسطى. وعلى رغم إنفاق ما يزيد على 1.3 بليون دولار أميركي من أجل"إنقاذ"البحر منذ مطلع الستينات من جانب حكومتي كازاخستان وأوزبكستان، وجهات مانحة عالمية على غرار البنك الدولي، يكاد بحر آرال أن يختفي. ولم يعد السكان المجاورون يشيرون إلى الفراغ الشاسع الذي خلّفه آرال باسم"البحر"بل أطلقوا عليه تسميات جديدة مثال آرالكوم رمال آرال أو آك كوم الرمال البيضاء.
كارثة من صنع الإنسان
كانت مأساة بحر آرال إحدى تَرِكات الاتحاد السوفياتي الذي حوَّل مياه النهرين أموداريا وسيرداريا لإنتاج القطن في الرمال الصحراوية كاراكوم وكيزيلكوم. وكانت الإمبراطورية الروسية أدخلت زراعة القطن إلى آسيا الوسطى قبل المسؤولين في لجنة تخطيط الدولة"غوسبلان"بكثير. إبان الحرب الأهلية الأميركية شهدت الأسعار العالمية ارتفاعاً هائلاً، فقررت في حينه السلطات الروسية اختبار زراعة القطن على ضفاف النهرين. بيد أن الإنتاج الكثيف للقطن الذي شكل حكم الإعدام لبحر آرال كان قراراً سوفياتياً.
ومنذ مطلع الستينات، تم تحويل مياه نهر أموداريا بكاملها، فيما كان يصل جزء بسيط من نهر سيرداريا إلى بحر آرال. وبعد فترة وجيزة، بدأت الشواطئ بالانحسار، واعتباراً من أوائل السبعينات، اختفت دلتا أموداريا التي كانت تحوي آلاف الجزر ونظاماً بيئياً فريداً من نوعه، مرسلة إشارات تحذيرية في شأن ما قد يحصل إن استمر تحويل النهرين لريّ زراعات القطن في الصحراء. وفي بداية التسعينات، اختفت 40 في المئة من مساحة البحر الأصلية. أما الآن، وبعد مرور عشرين عاماً، لا تتعدى المياه المتبقية نسبة 10 في المئة من المساحة الأساسية لبحر آرال، ناهيك عن أن درجة ملوحة المياه ازدادت منذ ذلك الوقت بواقع أكثر من ثمانية أضعاف لتجعل الحياة البحرية مستحيلة.
عندما زرت مويناك خلال عام 1996، المدينة المرفئية التي كانت تقع على بحر آرال في ما مضى واكتسبت شهرتها من مقبرة سفن الصيد، كانت المياه قد انحسرت عن سواحل آرال إلى 70 كيلومتراً، أما اليوم فعلى المرء أن يجتاز مسافة 180 كيلومتراً لبلوغ مياه الآرال. وفي الماضي، كانت المدينة تحتضن 54 ألف شخص ولم يبقَ منهم سوى 12 ألفاً حالياً.
كانت السياسة الجغرافية المائية بالغة الأهمية بالنسبة إلى الدول الخمس المستقلة حديثاً في آسيا الوسطى لجهة الاستقرار الإقليمي. وقد واجه قادتها مسألتين مهمتين: كيفية تقاسم المياه السطحية العابرة للحدود ومصير بحر آرال. وفي شهر شباط فبراير 1992، التقت دول آسيا الوسطى الخمس في ألماتي، عاصمة الدولة الكازاخستانية الحديثة الاستقلال آنذاك، ووافقت على إنشاء عدد من الهيكليات كان أبرزها"اللجنة المشتركة بين الدول لتنسيق المياه لآسيا الوسطى". وبعد سنة، أنشأت الدول الخمس في سبيل إنقاذ بحر آرال أيضاً"الصندوق الدولي لإنقاذ بحر آرال"ايفاس.
أما في ما يخص تقاسم المياه، فقد وافقت الدول الخمس على استعمال حصص توزيع المياه التي كانت سائدة عام 1987 مثلما حددتها السلطات السوفياتية. وبعبارة أخرى، على رغم إعلان الدول المستقلة في آسيا الوسطى عن إنقاذ آرال، كانت تصدر حكماً باندثاره اعتباراً من عام 1992 من خلال المطالبة بكميات المياه ذاتها للريّ التي كانت مخصَّصة إبان أواخر الحقبة السوفياتية.
وطوال العقدين المنصرمين، لم يقدِّم صندوق"ايفاس"شرحاً واضحاً في شأن ما قد يعنيه بكلمة"إنقاذ"آرال. فهل يعني العودة إلى سواحل الستينات؟ أو سواحل العام 1991؟ وكيف يمكن بلوغ هذا الهدف طالما أن المنطقة تعتمد على ممارسات الريّ الكثيف لاستقرارها الاقتصادي؟
وافقت دول وسط آسيا على إطلاق ما يوازي 5 بلايين متر مكعب من الماء سنوياً في بحر آرال، علماً أن هذا الأخير بحاجة إلى أربعة أضعاف هذه الكمية من أجل محافظته على المستويات الحالية، فيما كان يصبّ فيه 45 بليون متر مكعب من المياه في المعدل خلال 1964. كانت المياه وافرة وغزيرة في 2010 واتجه 10 بلايين متر مكعب من المياه تقريباً نحو البحر. أما هذه السنة، فقد كانت المتساقطات الثلجية ضئيلة ويُخشى من تكرار جفاف عام 2008 الذي عانى خلاله الناس من شحّ مياه الشرب في فصل الصيف، فيما هُجرت حقول القطن والرز بالكامل في خوارزم وقرقل باغستان.
"المياه هي الحياة"يقول شعار على جدار بالقرب من مدينة اوركنج الواقعة عند أسفل مجرى نهر أموداريا. وعند التجوال على مقربة من ضفاف النهر، تتوالى حقول مغطاة بطبقة بيضاء ومساحات مائية قد يخطئ المرء في اعتقادها برك أسماك، تحاذي مسافات شاسعة من الحقول البيضاء. أما اللون الأبيض فهو الملح الذي طاف على السطح بعد عقود من الريّ الكثيف في ظل غياب أنظمة تصريف ملائمة. وبهدف زرع هذه الحقول، يعمد المزارعون حرفياً إلى غسلها ثلاث مرات على الأقل في الشتاء والربيع للتخلّص من الملح وتمهيد الأرض لزراعتها. تتدفق المياه المالحة مجدداً نحو أموداريا أو تُطلق في الصحراء على أمل أن تجري في اتجاه بحر آرال. ونتيجة هذه الممارسات، أصبحت المياه في أسفل النهرين شديدة الملوحة فضلاً عن أنها تحتوي على مبيدات. كما أدى اختفاء البحر إلى تفاقم الاختلافات المناخية وفق سكان المنطقة، فأصبحت فصول الشتاء أكثر برودة فيما ازدادت حرارة الصيف. وحين تجتاح عواصف الرياح المنطقة، ترفع الملح من الرمال التي خلّفها بحر آرال لتنشره في كل أصقاع آسيا الوسطى وصولاً إلى الأنهار الجليدية في جبال بامير.
بالقرب من مدينة تاخياتاش الواقعة على مسافة 15 كيلومتراً من نوكوس، بإمكاننا أن نرى آخر بنى المسارب المائية لنهر أموداريا قبل أن يجري شمالاً في اتجاه آرال. وعلى الجانب الآخر من البنى الضخمة، باستطاعتنا رؤية قاع النهر الرملي الذي بقي جافاً تحت حرارة الشمس لا يجري فيه سوى جدول صغير باتجاه الشمال، نحو بحر آرال. يشرح رئيس المحطة أن الوصلات المطاطية باتت قديمة ولهذا السبب تتسرَّب منها المياه، ولولا ذلك فإن الأوامر تشير إلى المحافظة على كمية المياه كلها، ولا حتى نسبة 5 في المئة التي كان المخططون السوفيات قد توقعوها لبحر آرال. تحول محطات المياه في تاخياتاش دون وصول مياه أموداريا إلى بحر آرال، وتُستخدم لغسل الملح وريّ آخر حقول القطن في قرقل باغستان.
على الجانب الآخر من الحدود، يقع بحر آرال الشمالي على الأراضي الكازاخستانية، وكان قد انفصل عن الجزء الأساسي من البحر في عام 1986 واعتقد العلماء آنذاك أنه سيختفي قريباً. ولكن عمدت كازاخستان، بتمويل من البنك الدولي ودعم روسي، إلى تشييد سدّ بطول 15 كيلومتراً للحؤول دون متابعة المياه المتدفقة من سيرداريا سيرها في اتجاه الجنوب والتبخُّر في حرارة فصل الصيف. أنقذ هذا البناء بحر آرال الشمالي الذي بدأ بالتوسّع. كما انخفضت درجات الملوحة وانتشرت الأسماك بكميات اقتصادية. تتطلع أوزبكستان إلى تنفيذ مشاريع مماثلة جنوب الآرال بهدف إنشاء عدد من البحيرات على السواحل الجنوبية القديمة في سبيل عودة الأسماك وتوفير المياه للطيور المهاجرة. اليوم، لا أحد يعتقد أن إنقاذ آرال ممكن، ويقتصر الأمر عوضاً عن ذلك على اتخاذ بعض الخطوات الصغيرة للسعي إلى أن تكون حياة البشر والطبيعة أقل بؤساً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.