يبدو سهلاً الى حد ما، بل تبسيطياً، حصر التشخيص النفسي لعناد رئيس ساحل العاج المنتهية ولايته لوران غباغبو بالرغبة في البقاء في السلطة. وفي ما يتجاوز جنونَه الشخصي، استطاع غباغبو العثور على أسباب راسخة وعميقة في تاريخ واجتماع ساحل العاج لتبرير تعلقه بالسلطة على النحو الذي فعل. وتفسر الاسباب تلك ايضاً استمرار تأييد مجموعة من السكان له والاعتقاد ان حقبة ما بعد غباغبو ستكون عسيرة. والمقارنة ليست كافية، لكن في النظر الى الأحداث الدائرة في ساحل العاج، تغرينا تجربة تذكر ان رئيس زائير السابق موبوتو سيسي سيكو، وهو دكتاتور تشبث بالسلطة لفترة أطول بكثير من غباغبو، امتلك ما يكفي من الذكاء للرحيل. كانت نصيحة قادة نظام موبوتو في أيار مايو 1997:"لنتحلَّ بالشجاعة ولنهربْ"، في مواجهة التقدم السريع داخل البلاد للضباط المتمردين الذين يقودهم لوران دزيريه كابيللا، بدعم نشط من الجيش الرواندي. مات موبوتو في سريره في المغرب، من دون ان يتعرض للإذلال في سفارة أجنبية يتفاوض من اجل"تسليم السلطة". ويتولى غباغبو السلطة منذ عشرة اعوام فقط، وهي فترة قصيرة بمقياس تاريخ الأنظمة الأفريقية، وتعيَّنَ عليه انتظار موجة النيران الفرنسية والأممية ليقرر مباشرة التفاوض من أجل الرحيل. ولطالما اعتَبر غباغبو، المعروف بميله الى الانتقام، السياسةَ لعبةً، جميع الضربات فيها مباحة وممكنة. وهذا الميل الى المكر السياسي جعله يحمل لقب"خباز أبيدجان"، لقدرته على تمريغ خصومه في الدقيق. وقوة غباغبو الأكبر أصبحت في نهاية المطاف نقطةَ ضعفه الأخطر: فعندما دعا الى التفاوض في الاسابيع الماضية، لم يأخذه أحد على محمل الجد، وكانوا في معسكر وترة وفي الدوائر الاستشارية في العالم أجمع، يعتبرون أن الأمر مجرد حيلة أخيرة. وفي ساعة الوحدة القاسية، بقي بعض المستشارين للدفاع عن"الزعيم". ويبدو أن ثمة عاملين يحددان موقف لوران غباغبو: الاول انه لا يرى في الحسن وترة سوى أجنبي ينتمي تحديداً الى قومية الموسي التي تقيم في بوركينا فاسو، والتي يحتقرها كثر من سكان ساحل العاج منذ زمن بعيد. العامل الثاني هو أن غباغبو مقتنع بأن وترة قد"أفسد"عليه ولايته الرئاسية الاولى 2000-2005 بشن الحرب عليه، وهو لم يتوقف عن التكرار اثناء حملته الانتخابية عام 2010، أن تمرد الضباط الشماليين عام 2002، الذي يؤكد غباغبو انه تلقى التسليح والتمويل من وترة، قد منعه من تقلد الحكم كما ينبغي. وعليه، يبدو تسليم السلطة الى الحسن وترة يعادل، من وجهة نظر غباغبو، الاعتراف بالهزيمة امام النظام العسكري، وهو ما لم يقره اتفاق السلام الموقَّع في واغادوغو عام 2007. * كاتبة، عن موقع"سلايت أفريك"الفرنسي المتخصص في الشؤون الأفريقية، 6/4/2011، إعداد حسام عيتاني