استشهاد 18 فلسطينيًا في قصف الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة    السعودية تنهى مشاركتها في العاب القوى الآسيوية ب"5″ ميداليات    ضبط (20688) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    سانتوس جيزان يتغلب على ترجي الحقو بخماسية في ثاني أيام بطولة الأبطال بملعب بلدية صبيا    مصرع ما لا يقل عن 143 شخصًا في حريق قارب بالكونغو الديمقراطية    صدور موافقة خادم الحرمين الشريفين على منح ميدالية الاستحقاق من الدرجة الثالثة ل 115 مقيمًا لتبرعهم بالدم عشر مرات    موعد مباراة الأهلي القادمة بعد الفوز على الفيحاء    يايسله يتغنى في الأهلي بعد اكتساح الفيحاء    الجيش الأمريكي يقرر تقليص عدد قواته في سوريا إلى أقل من ألف    القصيم تحتفل باليوم العالمي للتراث    انطلاق البرنامج التدريبي والتأهيلي ل "هاكثون التحوّل"    انتهاء مهلة تخفيض المخالفات المرورية بنسبة (50%) وعودتها إلى قيمتها الأساسية    لاندو نوريس يتصدر التجارب الثانية بجدة وتسونودا يتعرض لحادث    القادسية يكسب النصر بثنائية في دوري روشن للمحترفين    «سلمان للإغاثة» يختتم الأعمال المتعلقة بتوزيع الأبقار على أمهات الأيتام والأرامل بسوريا    المملكة تدشّن مشاركتها في المعرض الدولي للنشر والكتاب بالمغرب 2025    القبض على 4 يمنيين بمكة لارتكابهم عمليات نصب واحتيال بنشر إعلانات حملات حج وهمية    عبدالله السلوم البهلال مدير تعليم عسير الأسبق في ذمة الله        إنتر ميلان يعلن إصابة مهاجمه قبل مواجهة برشلونة المرتقبة    قطاع وادي بن هشبل الصحي يُفعّل عدداً من الفعاليات    صيد سمك الحريد بجزر فرسان .. موروث شعبي ومناسبة سعيدة يحتفي بها الأهالي منذ مئات السنين    جمعية المودة تدشّن "وحدة سامي الجفالي للتكامل الحسي"    وزارة التعليم تعقد دراسة لمساعدي مفوضي تنمية القيادات الكشفية    القائد الكشفي محمد بن سعد العمري: مسيرة عطاء وقيادة ملهمة    إدارة الأمن السيبراني بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف تحصل على شهادة الآيزو    بلدية البصر تطرح فرصة استثمارية في مجال أنشطة الخدمات العامة    ٢٤ ألف زائر وأكثر من 4 آلاف اتفاقية في منتدى العمرة    محافظ الطائف يستقبل مدير عام الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف    نائب أمير الشرقية يعزي أسرة الثميري في وفاة والدتهم    خطباء المملكة الإسراف في الموائد منكر وكسر لقلوب الفقراء والمساكين    وفاة الفنان المصري سليمان عيد إثر تعرضه ل"أزمة قلبية"    إمام المسجد الحرام: الدنيا دار ابتلاء والموت قادم لا محالة فاستعدوا بالعمل الصالح    وزارة الرياضة ومجمع الملك سلمان للغة العربية يطلقان "معجم المصطلحات الرياضية"    إمام المسجد النبوي: التوحيد غاية الخلق وروح الإسلام وأساس قبول الأعمال    خالد بن محمد بن زايد يشهد حفل افتتاح متحف "تيم لاب فينومينا أبوظبي" للفنون الرقمية في المنطقة الثقافية في السعديات    تعاون بناء بين جامعة عفت واتحاد الفنانين العرب    محافظ صامطة يلتقي قادة جمعيات تخصصية لتفعيل مبادرات تنموية تخدم المجتمع    جامعة شقراء تنظم اليوم العالمي للمختبرات الطبية في سوق حليوة التراثي    إعاقة الطلاب السمعية تفوق البصرية    رسوم ترمب الجمركية ..التصعيد وسيناريوهات التراجع المحتملة    في توثيقٍ بصري لفن النورة الجازانية: المهند النعمان يستعيد ذاكرة البيوت القديمة    وزير الدفاع يلتقي أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني    نائب أمير منطقة جازان يضع حجر أساسٍ ل 42 مشروعًا تنمويًا    معرض اليوم الخليجي للمدن الصحية بالشماسية يشهد حضورا كبيراً    24 ألف مستفيد من خدمات مستشفى الأسياح خلال الربع الأول من 2025    تجمع القصيم الصحي يدشّن خدمة الغسيل الكلوي المستمر (CRRT)    مشاركة كبيرة من عمداء وأمناء المدن الرياض تستضيف أول منتدى لحوار المدن العربية والأوروبية    قطاع ومستشفى تنومة يُنفّذ فعالية "التوعية بشلل الرعاش"    يوم الأسير الفلسطيني.. قهرٌ خلف القضبان وتعذيب بلا سقف.. 16400 اعتقال و63 شهيدا بسجون الاحتلال منذ بدء العدوان    5 جهات حكومية تناقش تعزيز الارتقاء بخدمات ضيوف الرحمن    "التعليم" تدشن مشروع المدارس المركزية    بقيمة 50 مليون ريال.. جمعية التطوع تطلق مبادرة لمعرض فني    معركة الفاشر تقترب وسط تحذيرات من تفاقم الكارثة الإنسانية.. الجيش يتقدم ميدانيا وحكومة حميدتي الموازية تواجه العزلة    الاتحاد الأوروبي يشدد قيود التأشيرات على نهج ترامب    القيادة تعزي ملك ماليزيا في وفاة رئيس الوزراء الأسبق    قيود أمريكية تفرض 5.5 مليارات دولار على NVIDIA    قوات الدعم السريع تعلن حكومة موازية وسط مخاوف دولية من التقسيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النقاش والانقسام عليه يغذيان اضطراب الحياة السياسيةپ. "مجلس السياسات" العراقي المقترح : بين تكريس ال "سي باية" وإعادة صوغ عقد تأسيسي
نشر في الحياة يوم 21 - 10 - 2011

على رغم ان طرح تشكيل"مجلس السياسات الإستراتيجية"في العراق لم يكن حلاًّ سحرياً للمشكلات التي تتراكم في هذا البلد، إلاّ انه نجح منذ إدراجه باقتراح أميركي في ورقة"اتفاق أربيل"، في إثارة اشد التراشقات السياسية عنفاً خلال عام مضى، ما استدعى لمرتين اعلان زعيم"القائمة العراقية"اياد علاوي التخلي عن رئاسته.
وكان الحديث المستمر عن المجلس يندرج في ثلاثة اتجاهات، احدها يتبناه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، ويعتقد ان هذا المجلس غير دستوري ولا حاجة اليه وهدفه الابقاء على حضور زعيم"القائمة العراقية"اياد علاوي في صميم المشهد السياسي ليس إلاّ، والآخر تعتنقه كتلة علاوي، ويرى ان المجلس هو بمثابة مطبخ لصوغ القرار السياسي والاقتصادي، وانه سيكون بمثابة صمام أمان للخلافات.
ويحاول طيف ثالث مكون في الغالب من حلفاء المالكي في التحالف الوطني والتحالف الكردستاني، النظرَ الى المجلس المقترح باعتباره أداة للحدّ من صلاحيات رئيس الوزراء التي صاغها واضعو الدستور انفسهم.
لكن الاطراف المختلفة لم تستدع الى اليوم فكرة المجلس في نطاق حل الخلل التأسيسي الذي يشكل منبعاً غنياً ودائماً للأزمات على المدى البعيد.
مقاربة جريئة
كان نائب رئيس الجمهورية المستقيل عادل عبد المهدي أشار في مقال نشرته صحيفته"العدالة"اخيراً الى سؤال مفاده"هل للعراق عقد تأسيسي؟".
التساؤل اللافت الذي طرحه السياسي المخضرم من داخل الحلقات الضيقة للتوافقات العراقية منذ العام 2003، استبقه بالتأكيد على ان العراق يقوم في الاساس على ثلاثة مرتكزات اجتماعية"السنة والشيعة والأكراد"، وان"غياب او تغييب ايِّ مرتكز سيعني عراق المشاكل والتجزئة والتناحر".
عبد المهدي مضى في القول أيضاً:"نحن أمام عناصر حياة وموت ليس كل ما فيها شاعري وجميل ونبيل، بل فيها الكثير من الدماء والمآسي والفواجع والآلام التي تصنع حقائق جديدة لن تتصورها دورة الأجيال، لكنها بدورة التاريخ حقيقة تفرض نفسها بكل الأبعاد، فنحن نتاج التاريخ رضينا او تذمرنا، ونساهم في إنتاج التاريخ المقبل".
محاولة عبد المهدي الجريئة للبحث في حقيقة العقد التاسيسي لعراق ما بعد 2003 ليست جديدة، وكانت طرحت مراراً عبر كتّاب ومفكرين، كإشكالية تمنع التوصل الى حلول للوضع العراقي على المدى البعيد، وكان السياسيون في حينها يلجأون الى"الشعاراتية"في مواجهة منطق غياب العقد التأسيسي، إلاّ ان عبد المهدي ضمَّنها اعترافاً يصدر للمرة الاولى عن مسؤول من داخل ما يسمى"منظومة الاحزاب الاسلامية الشيعية"، مفاده ان الدستور العراقي باعتباره وثيقة من وثائق العقد التأسيسي قاطعته"جماعة كبيرة"و"لا يمكننا الكلام عن ان الدستور قد بلغ مرتبة العقد التأسيسي"، لأن"التعديلات عليه لم تكتمل"، والقوانين الدستورية المرتبطة به والمكملة له لم يتم صوغها.
ويحدد عبد المهدي اساس الاختلاف العراقي ب"استمرار الاختلاف حول مفهوم الدولة... فالكرد يرونه استحقاقاً قومياً، والسنة استحقاقاً تاريخياً، والشيعة استحقاقاً للأغلبية، ناهيك عن الآخرين"، وأيضاً"الامتدادات الإقليمية المساعدة او المعرقلة لكل من الجماعات الثلاث، ما يجعل مصادر القوة والضعف خارجية وليست داخلية فقط".
تلك المقاربة التحليلية للعقدة العراقية تشكل مدخلاً نموذجياً لبحث منطلقات"مجلس السياسات"الذي كثر الجدل حول من يقوده، وقربه او بُعده من النص الدستوري، في مقابل اهمال إمكان تحول المجلس الى فرصة تاريخية لإعادة ابرام العقد التأسيسي العراقي الغائب.
الخطأ المنهجي الذي ارتكب في معرض طرح فكرة"مجلس السياسات"، أنه أدرج منذ البداية في نطاق تشكيل الحكومة، وفُهم على نطاق واسع بأنه"حصة"مكون معين المكون السني، وأيضاً باعتباره تحت قيادة حصرية يمثلها اياد علاوي الشيعي العلماني.
كما ان طرح فكرة المجلس المقترح لجهة اعتباره من ادوات تعويض"القائمة العراقية"عن خسارة منصب رئاسة الحكومة، كان الزاوية الهشة التي تدفقت منها الطعون، فسهل على رئيس الوزراء نوري المالكي ان يصف المجلس بأنه"غير دستوري، والعراق لايحتاج اليه".
والحقيقة ان المجلس لم يرد له ذكر في الدستور، كما ان نصوصه التي صاغتها"القائمة العراقية"تتقاطع في بعض ملامحها مع صلاحيات دستورية واضحة للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، لكن الإقرار بعدم دستورية المجلس لا يعني إقراراً بالضرورة بعدم حاجة العراق اليه.
وبالعودة الى مقال السيد عادل عبد المهدي، فإنه في معرض كشفه الصريح عن المرض العراقي المزمن، أعاد تكريس نظرية"الخيمة ذات الأعمدة الثلاثة"التي اثبتت كما نزعم"عقمها"طوال السنوات الماضية.
استخدم عبد المهدي من باب المقاربة المصطلح الفارسي"سي باية"او"القاعدة الثلاثية الارتكاز"، في إشارة الى ان جوهر العقد التأسيسي العراقي المقترح يجب ان يستند الى تطمينات كافية للمكونات الثلاثة السنة والشيعة والاكراد.
ومن باب اعادة تقويم المشكلة العراقية في اطار فكرة"المجلس السياسي"، فإن العراق الذي يبحث عن عقده التأسيسي لا بد أن يعيد صوغ تعريف مصطلح"المكون"من جهة، وتحديد ما اذا كان يتجه الى دولة مكونات او"دولة مواطَنة".
وإعادة الصوغ هذه تحتمل ثلاثة مستويات من العلاقات"المكوناتية"المتمايزة تتداخل في تعريف الدولة: الاولى شكل العلاقة المستقبلية بين العرب والاكراد في العراق، والثانية تتطرق الى العلاقة المستقبلية بين السنة والشيعة داخل المكون العربي نفسه بالدرجة الاساس، فيما تعيد الثالثة الاعتبار لعلاقة المكونات الاقل حجماً بالدولة.
إقليم كردستان وإعادة تقويم العلاقة
لم تنجح الدولة العراقية الحديثة منذ تأسيسها في بداية القرن الماضي في إرساء تعريف واضح للعلاقة بين عرب العراق وأكراده، ويمكن القول بعد نحو قرن من الممانعة الكردية للسلطة المركزية في بغداد، إن فلسفة الدولة العراقية بمختلف تشكيلاتها لم تلحظ الخصوصية الكردية بصورة مسؤولة، كما ان الفهم العام لتلك الخصوصية استمر، باعتباره نتاجاً لرؤية عثمانية في الاقاليم التي حكمها الباب العالي تغاضت عن الخصوصيات القومية المحلية.
بعد حرب 2003 جرى تداول واسع لمصطلح"وضع اقليم كردستان الخاص"، بالإشارة إلى أن الإقليم كان يعيش وضعاً شبه مستقل منذ العام 1991.
لكن"الوضع الخاص"استمر منذ ذلك الحين، وحتى بعد كتابة الدستور العراقي، بعيداً من الترجمة القانونية والثقافية الواضحة.
فهم الاميركيون العراق استناداً الى نظرية"المكونات الثلاثة"المتمايزة، ومضوا الى تأصيل ذلك الفهم، سواء عبر الدستور او ترتيبات الحكم، وأهملوا حقيقة أن أكراد العراق كانوا يعرفون على الدوام موقفهم من الدولة استناداً الى رؤية ثنائية تجمعهم ب"العرب"بالاستناد الى المنطلق"القومي"، لا بالسنّة من جهة والشيعة من جهة اخرى، على رغم انهم مارسوا هذا التمييز سياسياً خلال السنوات الماضية.
اما عرب العراق، الذين لم تسمح لهم ثقافة السلطة السائدة لعقود طويلة في فهم الخصوصية الكردية، فإنهم قبلوا التسوية الثلاثية تكريساً لمصالح آنية تخص مرة رغبة الشيعة في تحقيق اعتراف من الاطراف العراقية الاخرى بحكم دائم ومفروغ منه لهم، ومرة اخرى إحساس السّنة بأن فشل تلك النظرية يمكن ان يعيد عجلة الزمن الى وراء.
وكنتيجة، فإن"العقد التأسيسي"العراقي الذي كان من المفترض ان يقوم مرة بين عرب العراق أنفسهم، ومرة اخرى بينهم وبين اكراد العراق، وثالثة مع المكونات الاصغر، غاب لصالح ترتيبات سياسية ومن ثم دستورية اقرت التمايز الثلاثي عبر آليات واحدة.
وكان تعريف العراق دستورياً بأنه بلد اتحادي يسود فيه النظام الفيديرالي من دون توضيح نوع هذا الاتحاد وأطرافه، أولى المعضلات التأسيسية التي ما زالت نتائجها سارية حتى اليوم. فهل الاتحاد هو بين عرب العراق وأكراده؟ أم بين الأكراد والسنة والشيعة؟ أم أنه اتحاد بين محافظات او أحياء او حارات؟
وعلى رغم ان كبار السياسيين العراقيين لايتجرأون على طرح تلك المشكلة الدستورية على طاولة النقاش للبحث عن حل جذري لها، لانها تتطلب اصلاحاً دستورياً جذرياً، إلا أنهم يتحدثون في مجالسهم الخاصة عن رؤية مفادها"ان ما ينطبق على اقليم كردستان معترف به وتستحقه التجربة الكردية، لكن يفترض ان لا يشمل بالضرورة باقي أنحاء العراق".
وتلك الرؤية لا يسندها الدستور بالطبع، فهو يعامل اقليم كردستان معاملة اي محافظة يمكن ان تتحول الى اقليم في العراق خلال الفترة المقبلة. وربما ذلك من بين أهم الاسباب التي تجعل الخلاف على صيغة ادارة الثروات والقوات المسلحة في العراق مستمراً الى اشعار آخر وفي تفاقم.
ان دعوات السياسيين والمثقفين الاكراد الى انشاء الدولة الكردية على رغم ان بعض السياسيين العرب ينظرون اليها باعتبارها"آليات ضغط على بغداد"، تمتلك جذوراً عميقة، وتعكس احساساً ثقافياً وشعبياً كردياً واضحاً بالتمايز الثقافي والتاريخي، ومن الخطأ التعامل معها باعتبارها دعوات مرحلية او انتقالية، او انها ردود فعل على العلاقة المضطربة مع بغداد فقط.
وعلى ذلك، فإن إعادة تعريف العلاقة بين الجزء العربي من العراق والجزء الكردي تتطلب حسب المختصين في الشأن القانوني إبرام عقد تأسيسي يتمكن من ضبط التفاهمات والاختلافات على المدى البعيد. كتب القيادي في"الاتحاد الوطني الكردستاني"ازاد جندياني قبل ايام مقالاً بعنوان"من المسؤول عن فقدان الفيديرالية؟"تعليقاً على طروحات الدولة الكردية والخلافات مع بغداد قال فيه إن"الكرد جربوا دولة التآخي الكردي مع الآخرين من خلال المئة سنة الماضية على الأقل، ولكنهم لم يحصلوا على الدولة وعلى مملكة الشراكة مع"إخوتهم"، بل تعرضوا تحت شعار"تآخي الكرد مع الطرف الآخر"الى قتل جماعي ومسح هويتهم القومية"وخلص الى القول:"في النهاية، ان الذي يصب في مصلحة التعايش المشترك في العراق هو ان نقول لكم العرب بصراحة ومن دون مواربة، إن الكرد ساخطون، وإنهم يشكون في نواياكم، وبالمقابل يعتبرونكم تهديداً لمستقبلهم، لذا فإن الكرة الآن في ملعبكم، وعليكم انتم ان تبددوا لدى الكرد هذه الشكوك والمخاطر التي قد يتعرضون لها".
ذلك القلق الكردي الذي يتم التقليل من نتائجه في بغداد، قد يكون العامل الاكثر إلحاحاً على مستوى مستقبل العراق، ومعالجته تكمن فقط من خلال اعادة صوغ توصيف واضح الملامح للعلاقة بين الشق العربي والشق الكردي من العراق يحفظ حقوق الجانبين القومية ويؤسس لحلول شاملة.
لكن البدء في مرحلة التوصيف كجزء من المهمة التأسيسية لن يكون ممكناً من دون آليات قد يكون"مجلس السياسات"في مقدمها.
مجلس السياسات والخلاف المذهبي
اعاد رئيس البرلمان العراقي اسامة النجيفي في مقابلة مع تلفزيون"بي بي سي"اخيراً تحذيره من نتائج"تهميش السنة في العراق"واتجاههم نحو تشكيل الأقاليم، لكن بصيغة مخففة عما كان طرحه قبل شهور في واشنطن عبر قناة"الحرة"واستخدم خلاله مصطلح"انفصال السنة".
النجيفي اكد أن"السنة في البلاد محبطون ويشعرون أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، ما سيدفع بالعديد منهم إلى المطالبة بإنشاء أقاليم جغرافية وغير طائفية، لأنهم يدعمون وحدة العراق"، وأشار الى تاثير"الصراع والاحتقان بين إيران والسعودية على زيادة الاحتقان الطائفي في العراق".
والواضح ان السنة في العراق بدأوا منذ فترة ليست بعيدة التفكير في تعريف مختلف للعراق عن التعريفات التقليدية التي انتجت منذ بداية تأسيس الدولة الحديثة. وهم بذلك يظهرون انفتاحاً اكبر على الخيارات المطروحة لإعادة التأسيس.
فعلى المستوى النظري، إن دولة المواطَنة لا دولة المكونات هي الضمانة الاكيدة لاستمرار وحدة العراق وتماسكه، لكن الوصول الى دولة المواطنة يتطلب ارضية تأسيسية صلبة لا يوفرها الدستور العراقي بصياغاته الحالية، مثلما لا توفرها سياقات العمل السياسي التي تتوجه لتكريس مفهوم دولة المكونات تطبيقياً.
و"سنة العراق"عندما دافعوا تحت ضغط الشعور بالتهميش، عن فكرة"مجلس السياسات"، سوَّقوا المشروع باعتباره آلية لتحقيق التوازن في الحكم، فيما جاءت الصياغات المقترحة للمجلس لتظهره ك"مجلس حكم"لا"مجلساً لضبط الصراع".
زعيم"العراقية"اياد علاوي كان اعتبر في مقابلة، أن فكرة مجلس السياسات تطبق عملياً عبر اجتماعات قادة الكتل، وذلك بدوره يحيل المجلس الى كونه"مجلساً للحل والعقد"وليس"للتأسيس"ايضاً.
لكن الامر لا ينتهي عند هذا الحد، فشيعة العراق العرب الذين يمثلون نصف عدد سكانه تقريباً لديهم هم ايضاً"احتجاجاتهم"حول ظروف تعايشهم مع الاطراف الاخرى.
الشيعة يرون عبر منابرهم السياسية ان ما يحدث في العراق منذ سبعة أعوام هو محاولات مستمرة من الاطراف الاخرى لتقويض حقهم في الحكم.
ولا جديد في القول ان العامل التاريخي والدستور يتدخلان بقوة لفرض انماط تفكير"مكوناتية"ستدعم هذا الجدل وتطيل عمره لمراحل مقبلة، ما يجعل الامل بتغيير تكفله الانتخابات المقبلة ضعيفاً.
وبالعودة الى نظرية"سي باية"التي طرحها عبد المهدي، فإن إصرار السنة والشيعة والأكراد على حد سواء على ان العراق يقوم في نطاق علاقة بين هذه المكونات الثلاثة، هو جزء من المشكلة لا الحل، فما هو دور المكونات والطوائف الاصغر في هذا التصنيف؟
ويبدو التساؤل مبرراً عن المعيار الذي يستخدمه ممثلو الاطراف الثلاثة في توصيف مصطلح"المكون"، في ما اذا كان المعيار الذي فضل هذه المكونات على المكونات الاصغر الاخرى هو معيار عددي عدد السكان او ثقافي او اقتصادي او تاريخي سياسي.
وبالنظر الى ان نمط العلاقة بين الجزء الكردي والجزء العربي من العراق يفرض شكلاً محدداً من الآليات التنظيمية المتفق عليها لتحتضن تمايزات اللغة والقومية والجغرافيا والتاريخ والثقافة والمشروع السياسي، فإن العلاقة بين اطراف الجزء العربي من جهة وأطراف الجزء الكردي من جهة اخرى تحتاج بالضرورة الى آليات تنظيمية مختلفة تحتضن بدورها تمايزات مختلفة.
المضي الى دولة المواطنة يسبقه اولاً انهاء نظرية"سي باية"لتحل محلها نظرية تدعي ان العراق دولة تمثل اتحاداً اختيارياً بين عرب العراق واكراده، وذلك الاتحاد يحتاج الى تعريف دقيق يرفع التداخل بين مصطلحي"الفيديرالية"و"الكونفيديرالية"ليتفق على احدهما، ومن ثم يعيد وصف شقّي الاتحاد باعتبارهما طرفين يجمعهما دستور واحد يضمن التعددية السياسية ويعترف بالخصوصيات الدينية والمذهبية والقومية.
ان الاعتراف العام بوجود خلل كبير في ادارة الدولة العراقية اليوم عبر فشلها المتواصل في اداء دورها الامني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والتربوي والخدماتي والاعلامي تجاه مواطنيها، يتطلب اعترافاً مباشراً بالمسؤولية التضامنية بين الاطراف والطوائف والمكونات في هذا الفشل، وأن ذلك يستدعي بالضرورة اعترافاً بالحاجة إلى إعادة تعريف الدولة عبر عقد دستوري جديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.