يتجنب المسؤولون في المصارف السويسرية الإدلاء بتصريحات علنية هذه الأيام، إذ يتعرض القطاع المصرفي السويسري، المشهور بقانون السرّية المصرفية التي تحفظ خصوصية المودعين، إلى مساءلة شعواء من السلطات الأوروبية والأميركية، على خلفية الأزمة المالية العالمية، بحجة تهرّب مواطنين ميسورين من دفع ضرائب مستحقة عليهم لسلطات بلادهم عبر إيداع ثرواتهم في حسابات سويسرية سرّية. على هذه الخلفية،"الحياة"حاورت جاك دو سوسور، الشريك الاول في"بيكتيه وشركاؤه"، وهو مصرف سويسري خاص، والعضو في مجلس إدارة"جمعية خدمات أسواق المال السويسرية". وتطرّق دو سوسور إلى شؤون الاستثمار وسبل"تجنّب شجونه"في ظروف اقتصادية عالمية دقيقة. شكك جاك دو سوسور في قرار الاتحاد الاوروبي الأخير فرض ضريبة على التحويلات المالية، أي ما يعرف ب"ضريبة توبين"، مؤكداً أن التجارب التاريخية تظهر صعوبة تطبيق هذه الضريبة في شكل فاعل، مستطرداً أنه في حال طبّقها بلد دون سواه، ستهرب الاموال تلقائياً إلى الخارج، فليست للمال حدود، إضافة إلى ان هذه الضريبة ستحدّ من السيولة في أوروبا. وأشار إلى ان سويسرا طبقت قبل 40 سنة ضريبة على واردات الذهب، فانتقل تداول الذهب إلى لندن التي أصبحت العاصمة العالمية لتداول الذهب، وعلى رغم ان سويسرا عادت فألغت هذه الضريبة، بقيت لندن مركزاً أساسياً لتداول الذهب. وحول التهافت على السلع، كالذهب، أوضح ان سعر الذهب بات مرتفعاً جداً، وهو نتيجة للسياسات النقدية المرِنة التي تحاول إنعاش الاقتصاد العالمي، ما ينعكس تراجعاً في أسعار معظم العملات العالمية الرئيسة ويؤدي إلى تهافت المستثمرين على الذهب، كونه سائلاً، اما السلع المعدنية الاخرى، كالنحاس والالومنيوم، فهي ترتبط بالصناعة، وهناك احتمال لتراجع أسعارها في حال حصول كساد عالمي يؤدي إلى تراجع الطلب عليها. اما في خصوص ظاهرة ارتفاع سعر صرف الفرنك السويسري، خصوصاً في آب أغسطس الماضي، اوضح دو سوسور أن صعود الفرنك أصبح مترافقاً مع صعود سعر الذهب وأصبحت قيمته تناهز يورو واحداً تقريباً، في ظل تراجع في الاستهلاك المحلي، فالمواطنون السويسريون اصبحوا ينفقون على شراء السلع في دول أوروبية مجاورة، ما يشكل خطراً على النمو الاقتصادي السويسري وعلى صادرات البلاد، فتحرّكت السلطات السويسرية في بداية أيلول سبتمبر الماضي وأعلنت انها لن تسمح بتجاوز الفرنك السويسري سعر 1.2 فرنك لليورو، وتجاوبت الأسواق فوراً مع القرار. المصارف السويسرية ولفت دو سوسور إلى ان خسارة بنك"يو بي إس"السويسري بليوني دولار جراء عمليات استثمارية مشبوهة لموظف، لن تؤثر في متانة المصرف، فالسلطات المالية السويسرية تشددت في طلب ملاءة مرتفعة للمصارف بعد الازمة المالية العالمية لعام 2008. وأوضح ان"بيكتيه"من جهته هو مصرف غير استثماري ومُحافظ ولا يتداول بأمواله الخاصة، لذلك تمكن من الحدّ من خسائره خلال الازمة. وأضاف ان إيرادات"بيكتيه"ترتكز على أداء محافظ زبائنه، وأن أصوله الإجمالية تبلغ 435 بليون فرنك سويسري، لترتفع قيمتها بالدولار تسعة في المئة. وحول مبادرة السلطات المالية السويسرية إلى التفاوض وتوقيع اتفاقات مع سلطات دول أوروبية والولايات المتحدة التي تلاحق موطنيها المتهرّبين من الضريبة، اوضح دو سوسور ان السلطات السويسرية وقّعت اتفاقات مع بريطانياوألمانيا لحل مسألة الحسابات غير المصرّح عنها، وستقطع المصارف السويسرية المعنية من هذه الحسابات نسبة الضريبة المطبّقة على المواطنين في دولهم، وتسددها نيابة عنهم إلى سلطات بلدانهم. ولفت إلى ان الاتفاق الموقع مع ألمانيا لا يزال في حاجة إلى موافقة مجلس النواب في كل من البلدين، اما السلطات الاميركية فالمفاوضات معها لا تزال قائمة، على امل التوصل إلى اتفاق مشابه. ولفت إلى ان"بيكتيه"قرر الالتزام بالقوانين الاميركية المرعية الاجراء بخصوص مواطنين أميركيين، ولهذا الغرض اسس قبل أربع سنوات"بيكتيه نورث أميركا أدفايزورز"، التي تملك مكاتب في جنيفولندن تهتم بحسابات زبائن اميركيين يصرّحون عن اموالهم لسلطات بلادهم، وأصبحت تدير أموالاً بقيمة 2.5 بليون دولار كما في آذار مارس الماضي. وأضاف انها كونها قانونية يسمح لها تقديم الخدمات لزبائن مصارف سويسرية أخرى، بناء على طلبها. اما عن ابرز التحديات التي تواجه"بيكتيه"، فأوضح ل"الحياة"ان لدى المصرف 3200 موظف عالمياً، منهم ألفان في سويسرا، وبالتالي، فإن معظم تكاليفه المكتبية هي بالفرنك السويسري، في حين ان ايراداته تأتي من عملات عالمية مختلفة، تدّنت قيمتها امام الفرنك. وأوضح ان المصرف يعالج هذا الارتفاع في التكاليف عبر ترشيدها والتركيز على مناطق حيث هناك فرص ربح افضل، ومراجعة تسعير بعض خدمات المشورة المقدّمة للمستثمر.