بين تدخلات الأهل المستمرة والمسؤوليات المستجدة على الزوجين الشابين، بدأت الشجارات تتسلل إلى كنف العائلة الصغيرة التي لم تتشكل إلا منذ سنتين بعد قصة حب دامت 3 سنوات. فمروان لم يعتد القيام بأي أعمال منزلية. وتأزمت المشكلة حين اعترضت أم مروان على تصرفات العروس التي لا تزال في بداية مسيرتها الزوجية، لتصبح المشكلة"السخيفة"بنظر كثيرين، أزمة يمكن أن توصل الزوجين الشابين إلى أبواب الطلاق أمام المحاكم الدينية أو المدنية. ومثل مروان وزوجته حالات كثيرة تتراكم يومياً لتصل نسبة ارتفاع حالات الطلاق في لبنان بين عامي 2003 و2009 إلى 34 في المئة، بحسب مؤسسة"الدولية للمعلومات والأبحاث والدراسات". وليس رقماً بسيطاً أن تسجل نحو 400 حالة طلاق سنوياً خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، بحسب إحصاءات المحاكم الروحية، فذلك يشير إلى عمق المشكلة، خصوصاً بعد أن أصبحت هناك أسباب كثيرة يمكن أن تؤدي الى الخلافات الزوجية ومنها استقلالية المرأة والأوضاع الاقتصادية الصعبة وارتفاع معدل سن الزواج. ولأن المشاكل لا تعني دائماً التخلي عن الرابط الزوجي، بدأ الأزواج اللبنانيون يتنبهون إلى الأمر بعدما رأوا الآثار المدمرة التي يمكن أن تنتج من الطلاق. ويصبح اللبنانيون أكثر اعتياداً لفكرة العلاج الزوجي أو ما يُعرَف ب"Couple Therapy"الذي يركز على مساعدة الأزواج في التعامل مع اختلافاتهم، وفهم حقيقة العلاقة الزوجية. وبعدما كان هذا العلاج يضعهم في خانة المرضى النفسيين، بات اليوم جزءاً أساسياً من الحل يدعو إليه بعض رجال الدين. وتؤكد الاختصاصية في الصحة النفسية البروفسورة ليلى فرهود زيادة الإقبال على العلاج النفسي الخاص بالأزواج والأسر،"خصوصاً لدى فئة الشباب المطلعين أكثر على فوائده. فالتعمق في معرفة مراحل العلاج يساعد الزوجين على فهم ضرورة إيجاد الحلول للمشاكل النفسية بينهما. إلا أن هذه المعرفة لا تزال محصورة بفئات محددة من المجتمع اللبناني وتحديداً الطبقة ذات التحصيل العلمي المتقدم التي تثق بالعلاج النفسي كحل أساسي للمشاكل الزوجية". أما الأسباب الرئيسة التي تجد فرهود أنها تؤثر في العلاقة بين الزوجين فتحددها أولاً بجهلهما للأدوار والمسؤوليات المترتبة عليهما،"فالمتزوجون حديثاً يواجهون صعوبات كثيرة في التأقلم مع الوضع الجديد خصوصاً أن لكل منهما توقعات عن الآخر يمكن ألا تصح. كما أن عمل المرأة واضطرارها للبقاء خارج منزلها ساعات طويلة فرضا واقعاً جديداً على الحياة الزوجية والأسرية. فيجد أزواج كثيرون صعوبة في التكيف مع النظام الجديد. وقد تأتي تدخلات الأقرباء لتزيد من حدة المشاكل". الاستشارة نصف الطريق بين العلاج النفسي والأزواج في لبنان هوة بدأت تتقلص تدريجاً. وتشدد فرهود على أن من يطلب الاستشارة العلاجية يكون قطع نصف الطريق، إذ أدرك أن هناك مشكلة في علاقته الزوجية ولا بد من حلها. وهنا يأتي دور المعالج النفسي لمساندة الزوجين وتحفيزهما إيجاباً لإعادة بناء العلاقة بينهما. والثقة بالعلاج تساعد الاختصاصي النفسي على تحقيق نتيجة فعالة وذلك قبل أن يصل الزوجان إلى نقطة اللاعودة أي الانفصال أو الطلاق. وترى فرهود أن العلاج النفسي الأسري لا يتوقف عند حدود الزوجين إنما له دور كبير في مساعدة الأولاد أيضاً إذا كانوا يعانون من تأثيرات سلبية لمشاكل أبويهما، أو للحفاظ على العلاقة الوطيدة بينهم وبين والديهم في حال حصول الانفصال. ولا بد من التنبه إلى موقع الأولاد في النزاعات الأسرية، إذ غالباً ما يكونون الضحايا الأساسيين لمثل هذه المشاكل، ولا يتم الالتفات إليهم ومساعدتهم نفسياً لتخطي هذه المرحلة. فعالية المعالجة النفسية للأزواج باتت مثبتة عالمياً وبدأ اللبنانيون يتفاعلون إيجاباً معها، كاسرين الصورة النمطية التي تعتبر أن كل من يقصد معالج نفسي يكون مريضاً، إنما يتمسكون بالاستشارة النفسية باعتبارها خطوة أولى لمنع انهيار الكيان الأسري نهائياً. غير أن ذلك لا يعني أن هذه المعالجة باتت مطبقة حكماً لدى كل الأزواج الذي يعانون من مشاكل، إذ تشير فرهود إلى سببين رئيسيين يقفان في وجه هذا التطبيق، وهما الجهل وكلفة العلاج. فقلة المعرفة بأهمية العلاج النفسي يمكن أن تدفع الزوجين إلى اختيار سبل أخرى بعيدة من الحقائق العلمية بهدف التقارب مجدداً، ولكن ذلك لا يحل المشاكل الحقيقية الكامنة وراء النزاعات المستمرة. وكذلك فإن الوضع الاقتصادي يزيد من صعوبة تلقي العلاج المناسب. "نحن نتحسن على صعيد العلاج النفسي الأسري لكن لم نصل بعد إلى الإحاطة الكاملة بالأزواج الذين يعانون من أزمات نفسية تدفعهم الى الخلاف والانفصال"، خلاصة تشدد عليها فرهود، فالاستشارات النفسية للأزواج لم تصبح بعد إلزامية قبل الحصول على القرار بالطلاق أو الانفصال لدى المراجع الدينية. غير أن الجيل الشاب يمكن أن يغير هذه النظرة ليعيد الثقة إلى مؤسسة الزواج بدل اعتبارها مشروعاً لا يستحق التجربة.