في أسبوع واحد صدر مقالان في صحيفة"نيويورك تايمز"، الأول يدور على القوة التركية الناعمة في العراق ونفوذ أنقرة في شمال العراق، والثاني يلاحظ أن الدور التركي في لبنان كان أكبر في الأزمة الأخيرة من الدور الأميركي. والمقالان يدعوان أي مواطن تركي إلى الفخر. هذا إذا ثبتت صحة ما تصوره تلك الصحف الأميركية عن بُعد. ونؤجل البحث في أوضاع السياسة التركية في العراق. فالوقوف على الجهود التركية الحالية في لبنان مهم. وتبعث المواقف هذه على التساؤل وهي موضع انتقادات كثيرة. ونعلم أن سعد الحريري اضطر إلى الدخول في حكومة ائتلاف مع"حزب الله"مراعاة لتوازنات سياسية، وأن"حزب الله"انسحب من الحكومة مع اقتراب موعد صدور القرار الظني. والدور التركي كان دائماً داعماً للسنّة في لبنان ولسعد الحريري منذ اغتيال والده في 2005، والعلاقات الاقتصادية كانت اكبر مؤشر إلى ذلك. ولكن تركيا، في نفس الوقت، غلّبت كفة الاستقرار على العدالة في لبنان. ولم تظهر أنقرة حماسة للمحكمة الدولية، ولم توفر جهداً لدفع الاتهام بعيدا من سورية. وخلال زيارة الحريري الأخيرة تركيا، اظهرت أنقرة دعماً مهماً له، ولكنها، خلف الأبواب المغلقة، حاولت إقناعه بالتخلي عن المحكمة ودعم الاستقرار في لبنان. والدعوة هذه لا تتفق مع ما نقوله دوماً عن سياسة تركيا الناشطة والفعالة. فليس الحريري فحسب من يريد العدالة، بل جميع اللبنانيين يطالبون بالعدالة والكشف عن قاتل الحريري ومن سقط في تلك المرحلة مرحلة الاغتيالات. ولا يمكننا أن نفهم موقف حكومة"العدالة والتنمية"من المحكمة الدولية والعدالة، وهي التي يعلو صراخها يومياً مطالبة بمحاكمة العسكر والانقلابيين على جرائمهم، وهي التي تزج بهم في السجون وترفض التهاون معهم. فلماذا تصبح العدالة ترفاً عندما يطالب بها اللبنانيون؟ ثم لماذا نكرس قوتنا الديبلوماسية المزعومة من أجل الحفاظ على توازن القوى في المنطقة؟ ولماذا تُجند سياستنا لحماية الاستقرار في سورية وإيران ولحماية"حزب الله"؟ ثم ألا تتفاخر الحكومة بالقول بأن علاقاتها متميزة بإيران وسورية و"حماس"؟ فلماذا نضغط على الحريري، ولا نسخر هذه العلاقة المتميزة مع إيران وسورية للضغط على"حزب الله"ليقبل المحكمة وتطبيق العدل؟ ويرى بعض الديبلوماسيين الأتراك أن ما أشير له هو ضرب من المثالية ضعيف الصلة بأرض الواقع. ولكن أليس وزير خارجيتنا صاحب نظرية الدفاع عن الحق والاعتدال، ولو بدا ذلك مغالاة في المثالية غير الواقعية؟ ويشدد الديبلوماسيون الأتراك على أن تركيا الآن تسعى لإخماد حريق وأن البحث عن العدالة يؤجل إلى وقت لاحق. ولكن الحق أنهم يسهمون في تمييع القضية و"تسويفها"، ويعطون إيران و"حزب الله وسورية وقتاً إضافياً في لعبة شطرنج طالت كثيراً. وكل ما تحتاج إليه إيران هو الوقت، وهذا ما تمنحها إياه الديبلوماسية التركية. * صحافية، عن"مللييت"التركية، 20/1/2011، اعداد يوسف الشريف