قال وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو أن أنقرة لن تعود إلى أداء دور الوسيط في المفاوضات السورية – الاسرائيلية غير المباشرة قبل توقف الحكومة الاسرائيلية عن تصعيد التوتر في المنطقة وقبل تقديم اعتذارها عن اعتدائها على «اسطول الحرية» ومقتل المواطنين الأتراك على متن سفنه برصاص الجنود الإسرائيليين. وأوضح في حديث إلى «الحياة» ألّا تعاون عسكرياً حالياً بين تركيا واسرائيل كما لا وجود لوساطات بينهما. وشدد داود أوغلو على أن صمود لبنان كدولة مستقرة ومزدهرة هو مؤشر إلى السلام في المنطقة وهو يتسم بالأهمية الشديدة بالنسبة إلى تركيا، موضحاً أنه يستحيل تجاهل المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري التي من الضروري ألا تخرج من إطارها القانوني وتكتسي طابعاً سياسياً. ورأى ان اتفاق إنشاء منطقة التجارة الحرة بين تركيا وسورية ولبنان والأردن تطور تاريخي ستتم خطواته الأولى في كانون الأول (ديسمبر) المقبل. وفي الشأن التركي أعلن أن الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية لا تحاول الإطاحة بالعلمانية والديموقراطية وتعمل على تطور نظام الحكم. كما أعلن ان انقرة عازمة على تطوير علاقاتها بإيران رغم العقوبات الدولية المفروضة على طهران. وهنا نص الحديث: أجريت اجتماعاً مع وزيري خارجية سورية وإسبانيا. ماذا كنتم تنظمون؟ - اعتقدت أنك ستتحدثين عن لقاء مع سورية والأردن ولبنان. وهذا الأمر أكثر أهمية، كنت أعتقد أنك ستطرحين هذا السؤال، نظراً إلى ان اجتماع تركيا وسورية وإسبانيا كان حول مسألة الاتحاد من أجل المتوسط. ولكن خطونا خطوة تاريخية بين تركيا وسورية ولبنان والأردن. اشرح لي لماذا كان الاجتماع تاريخياً؟ - طبعاً، سأشرح لك. في شهر حزيران (يونيو)، أثناء المنتدى التركي – العربي، وعلى هامشه، أعلن وزراء خارجية الدول الأربع أنها ستؤسس منطقة اقتصادية من خلال الاتفاق على منطقة تجارة حرة وإلغاء التأشيرات. وبعد ذلك، مهدنا الطريق واليوم اتخذنا بعض القرارات. ومن بين هذه القرارات، ستلغي هذه الدول الأربع متطلبات التأشيرات كافة، وقد أُلغيت فعلياً. وسيُبرم اتفاق تجارة حرة مع الدول كافة، وحالياً ثمة اتفاق تجارة حرة بين هذه الدول في أربعة قطاعات وهي التجارة والنقل والطاقة والسياحة. وستعقد هذه الدول الأربع لقاءات خلال الشهرين القادمين، في كانون الأوّل (ديسمبر)، سنعيد النظر فيه، وفي كانون الثاني (يناير) سنعلن عن منطقة اقتصادية بين البلدان الأربعة ترتكز على التعاون في التجارة والسياحة والنقل والطاقة. لذا، ولأول مرة في منطقتنا، سنحصل على تجمُّع مماثل قائم على الترابط الاقتصادي، وسنعمل على تطوير بعض المشاريع من أجل ربط هذه الدول بعضها ببعض. وستكون المنطقة الاقتصادية هذه، وهي منطقة تعاون، مفتوحة أمام دول صديقة إن أرادت الانضمام إليها. وإسرائيل ايضاً؟ - قلت دول صديقة. ليس من اتفاق سلام بين إسرائيل وسورية. ومن دون سلام، سيكون الأمر صعباً، ولكن الأمر محتمل في المستقبل. وكنت أتحدث تحديداً عن العراق أو السعودية أو دول أخرى. ما هي الشروط التي قد يخضع لها العراق والسعودية وغيرهما من الدول كي تنضم إلى هذه المنطقة؟ - إن أرادت ذلك، باستطاعتها الانضمام، أعني أننا لسنا سوى في البداية. فلنركّز على الساحة اللبنانية قليلاً لو سمحت. سبق لك، إن لم تخنّي الذاكرة، أن قلت في أحد لقاءاتك، إنّ الأمن في لبنان يقع في قلب الشؤون الأمنية في المنطقة. ومن أجل النجاح في تشكيل منطقة مشتركة، لا بدّ من إرساء الأمن في الدول التي ذكرتها كافة. يبدو أنّ لبنان معرّض للخطر. وأقلّ ما يُقال هو أنّه مهدد أمنياً، إذ إنّ اللبنانيين والناس الذين ينظرون إلى لبنان، يشعرون جميعاً بخوف وقلق شديديْن على الاستقرار لدرجة أنّهم يرون أنّ الوضع «على كف عفريت»، وكما تعلم فالعبارة تعني أنّ الوضع قد يتفجّر في أيّ لحظة. لماذا أصرّيت إذا،ً على أنّ أمن لبنان يقع في قلب المنطقة، وهل ينتابك القلق؟ ما الذي ستقوم به، لضمان أنّ الصراع لن يتحول الى نزاع سني - شيعي؟ - لا شكّ في أنّنا نشعر بالقلق حيال منطقتنا، لكن ليس من دافع القلق. إنّما ما عنيته بكلماتي تلك هو أنّ لبنان أشبه بمنطقة الشرق الأوسط لكنه مصغّر، إذ يضم طوائف عدّة، موزّعة ما بين مسيحيين وسنّة وشيعة ودروز. إذ تجتمع طوائف عدّة من الشرق الأوسط في بلد واحد وعلى أرض صغيرة. وفي الواقع، يتسم العراق بالميزات ذاتها مع الفرق أنّ الطوائف المتعددة موزّعة على مساحة أكبر. وبالطبع، لا يضم العراق مسيحيين بأعداد كبيرة. أمّا في لبنان، فيبقى عدد المسيحيين مرتفعاً. وبالتالي يعكس صمود لبنان كدولة مستقرة ومزدهرة السلام في المنطقة ويعتبر مؤشراً له. هل سيتطلّب الأمر إلغاء المحكمة الدولية للتحقيق في اغتيال الحريري، كما ترغب بعض الأطراف؟ - لا يخفى على أحد أنّ تلك الرؤية، أو نظرتنا إلى لبنان أو الطابع الذي يتّسم به لبنان منذ إعلان الدولة ولغاية الآن في المنطقة، تتعالى على هذه الخلافات. لكن المحكمة تبقى مسألة قانونية، من الضروري ألّا تخرج من إطارها ذلك وتكتسي طابعاً سياسياً. لا شكّ في أنّ رفيق الحريري كان صديقاً لتركيا، تماماً مثل نجله رئيس الوزراء الحالي سعد الحريري، ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ علاقات ممتازة تربطنا بالأطراف كافة في لبنان، بمن فيهم الرئيس الحريري. لذا ينبغي إجراء دراسة لمعرفة قتلة رفيق الحريري. ما الذي تعنيه بكلمة «دراسة»، أهي المحكمة، وعنيت بذلك المحكمة الدولية، أم دراسة محلية؟ - المحكمة الدولية. لدينا الان محكمة دولية استلمت مهامها، وهي واقع يستحيل تجاهله. منذ البداية شكّل اغتيال الرئيس الحريري عملاً تخريبياً طال السلم في لبنان. لذا، أبدينا ردّ فعل حيال ذلك، لكن في الوقت عينه لم نرد أن تتدهور العلاقات بين اللبنانيين او بين لبنان وسورية أو دول أخرى. هل تقول إذاً، إنه من الأفضل الاستغناء عن عمل المحكمة الآن، والاستغناء عن الاتهامات الآن باسم أمن لبنان ومصلحته؟ - لا، فالعدالة دوماً مهمة، ولكن يجدر التطلع إلى ما يحصل على أنه مسألة عدالة وليست خلافاً سياسياً. يفترض أن تكون قضية قانونية، وضمن هذا الإطار. ولا يفترض أن تنعكس على الاستقرار المحلي في لبنان. يجب أن تكون المسؤولية فردية، وألّا تعتبر مسؤولية طائفة او دولة. هل تتحدث إلى الأحزاب في لبنان؟ هل تتحدّث إلى سورية عن الموضوع؟ إذ يبدو أن سورية وحلفاءها في لبنان يمارسون الضغوط للتخلص من المحكمة أو لإلغائها أو لدفعها إلى الانهيار. مع العلم أن سورية تعتبر صديقة لكم. - نعم، تُعتَبَر سورية صديقة ممتازة لتركيا. ونحن كنا نقف معاً تماماً كما تفعل اليوم تركيا وسورية ولبنان والدول الأخرى. ومنذ البداية، قالت لنا السلطات السورية ألّا صلة على الإطلاق بين سورية وهذا الاغتيال وقد صدّقنا كلّ كلمة صدرت عن القيادة السوريّة. ولكنّني لا أظن أن السوريين سيعترضون على كشف هوية من قتل رفيق الحريري، أي أنني لا أرى أي مشكلة. وهل يمكنك المساهمة بطريقة ما لتهدئة المطالبات الصادرة عن أطراف أخرى، على غرار حزب الله وغيره، حول ضرورة وضع حد لهذه المحكمة؟ وإلا، فستعم الفوضى في البلاد، تماماً كما رأيت في المطار، عند عودة جميل السيّد في ظل إجراءات أمنية من أعلى المستويات وبإحاطة من حزب الله. - لا شك في أننا نجري اتصالات، ولكننا لسنا مشاركين بصورة مباشرة، إنما من طريق اتصالاتنا هذه. وتربطنا صلة وثيقة بعدد من أصدقائنا في لبنان، ولكن يُطلَب منّا طبعاً من خلال هذه الاتصالات أن نحمي الاستقرار في لبنان. ويجب أن تلقى الحكومة اللبنانية دعماً عامّاً، فأنت تعرفين كم من الوقت تطلّب إخراج لبنان من الأزمة. وطوال هذه العملية، نشطت تركيا وحكومتها نشاطاً كبيراً في سبيل حل المشكلة القائمة. ولا يجدر بنا الآن العودة أدراجنا واختبار أزمة جديدة في لبنان. هل تناقشون ذلك مع الإيرانيين؟ فأنتم على علاقة جيّدة بهم، بسبب الملفّ النووي الذي سنتطرّق إليه لاحقاً. لكن هل تناقشون المسألة اللبنانيّة مع الإيرانيين، بالطريقة التي تكلّمتَ عنها للتوّ؟ - نعم، حتّى في ظل عقوبات الأمم المتّحدة، تحدّثنا عن لبنان. فنحن نعتبر استقراره شديد الأهميّة لدرجة أنّنا تكلّمنا مع جميع الأطراف. وفي ذلك الوقت، شهد لبنان خطر اندلاع أزمة، كما تعرفين. وحاولنا تفادي حصول أزمة كهذه، وتحدّثنا عن ذلك. أمّا الآن فلا أستطيع أن أقول أيّ شيء. بلى تستطيع، لأنّكَ تعارض ذلك التصويت. وأنتَ شخصيّاً تعارض الموقف التركي، وتسعى للحرص على عدم بلوغ هذه الدرجة. - أنا؟ وكيف تعرفين ذلك؟ أعرف الكثير. - لا، الوضع ليس كذلك. فنحن لدينا موقف متماسك، لكن بهدف مساعدة الحكومة اللبنانيّة، عمدنا إلى اتّخاذ الحياد، والحصول على قبول جميع الأطراف. أظنّ أنكِ تفهمين ما أقصد. تماماً. وهل أدّى تدهور العلاقات بين تركيا وإسرائيل إلى عرقلة دوركَ كوسيط في مسار المفاوضات السوريّة - الإسرائيليّة؟ - أوّلاً، الوساطة بحدّ ذاتها ليست هدفاً. فهي أداة ووسيلة، وتهدف إلى تحقيق السلام. لقد دخلنا في وساطة بين إسرائيل وسورية، وأنا شخصيّاً كنتُ الوسيط، بعد أن توافق على ذلك رئيس الوزراء (رجب طيّب) أردوغان، ورئيس الوزراء (الإسرائيلي السابق ايهود) أولمرت، والرئيس بشّار الأسد. وقد عقدنا اجتماعات عدّة، وواصلنا الاجتماعات بهدف تحقيق رؤية للسلام. ثمّ لم يحترم أحد الأطراف، وهو الطرف الإسرائيلي في هذه الحال، هذه الرؤية فقام بمهاجمة غزّة فيما كنّا نوشك على التوصّل إلى تحقيق السلام. وبعد ذلك، تدهورت العلاقات بيننا. لذا، نحن نتّبع سياسة مبادئ، أمّا الوضع هنا فيعتمد على إسرائيل. وفي حال تبنّوا سياسة السلام مجدّداً، يمكن أن يكون لنا دور فيها، لكن إذا لم يتّخذوا موقفاً كهذا وواصلوا تصعيد التوتّر، لن يكون لاستمرارنا في القيام بالوساطة أيّ معنى. المقابلة التي أجريتها مع وزير الخارجية الإسباني ميغيل موراتينوس دفعتني إلى الاعتقاد أنّ دور الإسبان أو الأوروبيين الآخرين، يقضي بإصلاح العلاقة بين تركيا وإسرائيل في الوقت الذي تعتبر تركيا أول بلدٍ يؤدي دوراً في إعادة تحديد مسار العلاقة بين سورية وإسرائيل. - بالطبع، لا يمكنني أن أقول شيئاً عن دور ميغيل موراتينوس، وما جاء في حديثه، ولكنّ الجهات الإسرائيلية تعلم جيداً ما نتوقّعه منها. إذاً، هل من طرفٍ يتولى الوساطة بينكم وبين إسرائيل؟ - كلا، أنا لا أقول ذلك. ما من وساطة بيننا وبين الإسرائيليين، كما أننا لا نحتاج إلى هذا النوع من الوساطة. لماذا؟ لأننا أشرنا بوضوح إلى ما نتوقعه من الإسرائيليين وهم يعلمون جيداً ما عليهم القيام به. عندما يقول ميغيل موراتينوس ذلك، ما الذي يقصد به؟ - بالطبع، ثمة العديد من الأصدقاء الذين يرغبون بالمساهمة، ولكن ذلك لا يعني بأنهم يتوسطون، ونحن لسنا بحاجة إلى هذا النوع من الوساطة. فميغيل موراتينوس مثلاً، هو صديق مقرب منا ومعروف جيداً على صعيد المنطقة. كما أنه رجل نوايا حسنة قادر على دعم العمليات كافة، وقادر على القيام بما يحلو له للمساهمة. ولكن من جهتنا، نحن لا نحتاج إلى وساطة لأننا أشرنا بوضوح إلى مطالبنا. وقد كنت محظوظة جداً بإجراء مقابلة مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي أفاد بأنّ علاقتكم مع إسرائيل قد بلغت المرحلة التحليلية النهائية وأنها باتت مجرد مشكلة مرحلية بينكم وبين إسرائيل، وأنكم مستمرون في هذه العلاقة بفضل معارفكم واتفاقياتكم. باختصار، هو يعتقد أن هذه المسألة هي مشكلة مرحلية وسرعان ما ستستعيدون هذه العلاقة. - قد تكون مشكلة مرحلية صحيح، ولكنها قد تكون كذلك مشكلة دائمة. لمَ؟ لأنّها المرة الأولى التي يتعرض فيها مدنيون (اتراك) للقتل. أتقصد في حديثك حادثة الأسطول؟ - نعم، ولذا لن ننسى أنّ مواطنينا قد قتلوا على يد جيشٍ آخر. إنها مسألة مبدئية بالنسبة إلينا، وليست مسألة آنية أو تكتيكية. لأكون منصفة، لم يقصد (عباس) الافتراض بأنها مسألة مرحلية بهذا المعنى. أوّد التأكد من أن سؤالي كان واضحاً. - كلا، أعرف الرئيس عباس، وأعلم أنه صاحب نوايا حسنة، ولكن سواء كانت المشكلة مرحلية أم دائمة، فإن الأمر سيستند إلى الموقف الإسرائيلي. بماذا تطالبون؟ - نطالب باعتذار رسمي، لأن الحادثة تعدّ جريمة. لهذا السبب لم توافقوا على أن يعقد، في إطار مبادرة كلينتون، اجتماع مسبق بين الرئيسيْن التركي والإسرائيلي؟ - كلا، لم يتم الترتيب لأي اجتماع مسبق بين الرئيس التركي والرئيس بيريز. ولم يعقد أي اجتماع من هذا القبيل. هل تريدون اعتذاراً رسمياً قبل انتهاء عمل لجنة بان كي مون؟ - نريد اعتذاراً قبل انتهاء عمل اللجنة أو بعده. ويعلم الجانب الإسرائيلي ما هي الخطوة التي يجب القيام بها في حال رغب في تحسين العلاقات. أي أنكم ستنتظرون إلى حين انتهاء عمل اللجنة أو تقديم الاعتذار، قبل استئناف علاقاتكم مع الجانب الإسرائيلي، مع العلم أن ثمة علاقة تربطكم بإسرائيل؟ - تربطنا علاقات ديبلوماسية بالجانب الإسرائيلي، ولكن ما من علاقات رسمية بيننا، وما من اتصال بين الجانبيْن في الوقت الحاضر، فسفيرنا في إسرائيل قد انسحب، كما أنه لا وجود لأي تعاون بين الطرفيْن على الصعيد العسكري. ما هو نوع هذا التعاون؟ فالناس يرون أنه مستمر؟ عن أي تعاون تتكلمون؟ - لا يجمعنا بالجانب الإسرائيلي أي تعاون عسكري مستمر. عليك أن تطرحي هذا السؤال عليهم. ما من تعاون عسكري في الوقت الراهن، فمجالنا الجوي مغلق أمام الطائرات العسكرية الإسرائيلية، وسفيرنا عاد إلى أنقرة، لقد سحبنا سفيرنا وهو لا يزال في أنقرة. هذه هي بعض الإجراءات التي اتخذناها في هذا الصدد. ومنذ 31 أيار (مايو) ولغاية يومنا الحاضر لم تحصل أية زيارات رسمية بين الجانبيْن الإسرائيلي والتركي. في حال امتنعت إسرائيل عن الاعتذار، هل سيبقى الصدع بين تركيا وإسرائيل؟ أي أن تركيا لن تستأنف دورها في المفاوضات السورية - الإسرائيلية بصورة غير مباشرة. إن كل ذلك سيستند إلى الاعتذار، أليس كذلك؟ هل هذا ما تقصده فعلاً؟ - يتوقف الأمر على الموقف الإسرائيلي. فالاعتذار هو خير دليل على تغيير في الموقف الإسرائيلي. لذلك الاعتذار والتعويض ضروريان. فقد وقعت جريمة، وقُتل تسعة مدنيين في المياه الدولية. ولا بد من أن يدفع أحدهم ثمن هذه الجريمة ويحاسب. وفي حال لم يتم ذلك؟ - الأمر رهن بهم، فهذا الواقع الجغرافي (التركي) موجود منذ آلاف السنين. حضرة وزير الخارجية، أودّ التحدث معك في شأن المواضيع كافة ومن ضمنها عقيدة الشعب، إلا أنه طُلِبَ مني اختتام المقابلة نظراً لضيق وقتك. سأطرح بالتالي سؤالين سريعين أحدهما عن إيران والآخر عن العلمانية وربما يجب أن أبدأ بالسؤال عن العلمانية. هل تحاولون الإطاحة بالعلمانية في تركيا؟ - كلا، في تركيا يقوم نظام دستوري ويسود حكم القانون. وحزبنا وبالتالي حكومتنا يعملان في إطار نظامٍ دستوري وتبعاً لمبادئ حكم القانون، ودستورنا ينصّ على أن الجمهورية التركية هي ديموقراطية وعلمانية، وهي جمهورية حكم القانون. لا تشهد تركيا حالياً أيّ مسألةٍ حيال نظام الحكم. ولا نقاش في ذلك الأمر. في تركيا ديموقراطية فاعلة، وحكم قانونٍ فاعلٍ، وهذه الحكومة تقوم بحماية وتطوير الديموقراطية والدفاع عنها في هذا الإطار ومتى كانت الديموقراطية سائدة، فإن النظام يخضع لمزيدٍ من التجديد بالاستناد إلى القيم العالمية الرئيسة. وبالنسبة لإيران، ما هو تفسيركم لالتزام تركيا، وهي جارة إيران، بقرار العقوبات الصادر عن مجلس الأمن؟ كيف تتم ترجمة ذلك في العلاقة الثنائية بين تركيا وإيران؟ وهل جهودكم مستمرة حيال محاولة إقناع إيران بالتعاون معكم ومع البرازيل؟ ونظراً للخطاب الذي اعتمده الرئيس الإيراني في الجمعية العامة بعد اليد الممدودة التي أظهرها الرئيس باراك أوباما حيث عبّر الرئيس أحمدي نجاد قائلا: «عفواً، إنما كلا، سأقول لكم إنكم أنتم من ارتكب أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)»، كمّ من عوائق سيضع هذا الأمر أمامكم؟ وهل ستستمرون بتأدية دوركم وهل ستنفذون العقوبات؟ - أولاً، إيران جارتنا، ولم تقع أي حربٍ أو أيّ تغيير جغرافي على مدى قرونٍ بين تركيا وإيران. وسنستمر بالعيش ضمن هذه الجغرافيا خلال القرون القادمة وليس فقط السنوات القادمة. وأعني بهذا الأمر جميعنا: إيران، وتركيا، والدول العربية ولبنان. وما نحاول تحقيقه بالتالي، كما قلت في البداية، يتمثل بإقامة منطقة سلامٍ، وازدهارٍ، واستقرارٍ. هذا هو هدفنا. فلا مكان في هذه المنطقة للسلاح النووي ولا مجال للعقوبات وعمليات الحصار على غرار الحصار الخاضعة غزة له. ولا عنف عنصرياً وطائفياً في المنطقة. هل أصبح كلّ هذا متوافراً الآن؟ في هذه المنطقة يوجد حالياً كلّ ما سبق وذكرته؟ - ولكننا نريد تغيير هذا الواقع. ومن أجل تغييره، نعمل بجهد مع المجتمع الدولي وإيران بغية إيجاد حلّ للبرنامج النووي الذي يشكل معضلة وذلك بطرق سلمية. وعليه، عملنا على المسألة وتوصلنا إلى اتفاق. إشارة إلى أن هذا الاتفاق لم يكن عبارة عن ضغط على إيران أو أي أحد آخر بل بالأحرى محاولة لحلّ هذه المشكلة. موقف تركيا واضح في هذا الخصوص، نحن نعارض وجود الأسلحة النووية سواء هنا أو هناك. ونريد شرق أوسط خالياً من الأسلحة النووية، بما فيه إسرائيل أو إيران، كما نود التوصل إلى حل هذه المشكلة بالوسائل الديبلوماسية. أما بالنسبة إلى العقوبات التي فرضها مجلس الأمن، لقد بذلنا جهداً في هذا الموضوع، لمَ فعلنا ذلك؟ من أجل الحؤول دون فرضها. ولكن هل ستلتزمون بها؟ - بالطبع سوف نلتزم بها. وعلى رغم اعتراضنا ومعارضتنا أيةَ عقوبات على المنطقة، ثمة قرار صادر عن الأممالمتحدة مبني على الفصل السابع وسنلتزم ونتقيد به. إلا أننا لسنا ملزمين باعتماد عقوبات أحادية الجانب من قبل الولاياتالمتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو كوريا أو اليابان، حيث لا يمكن أن تؤثر في علاقاتنا الثنائية. أتعني بذلك الأوروبيين؟ - أجل، بالطبع. ولكن ألستم عضواً في الاتحاد الأوروبي؟ - إن للاتحاد الأوروبي قراراته الأحادية الخاصة به. ولكنكم لستم جزءاً منها. -لا، لسنا كذلك، ولسنا ملزمين بتطبيق العقوبات الأحادية الجانب. وفي إطار العقوبات التي تفرضها الأممالمتحدة، سنطور علاقاتنا مع إيران بصفتها دولة مجاورة. آسفة، ولكن عليك أن توضح ما الذي تعنيه بهذا الأمر؟ - أجل، سنعمل على تطوير الروابط الاقتصادية مع إيران بناء على هذه الأطر. سنلتزم بعقوبات الأممالمتحدة ولكن ليس بالعقوبات الأحادية. كما سنستمر في العمل على الناحية الديبلوماسية من أجل التوصل إلى حل ديبلوماسي لهذه المشكلة بغية تذليل العقوبات كافة في المنطقة وإلغائها. إنها منطقتنا ولذلك، حتى هنا في الأممالمتحدة عملنا جاهدين الأسبوع الماضي وأنا شخصياً عقدت العديد من الاجتماعات. خلال الأسبوع الماضي؟ ما الذي عملت من أجله تحديداً؟ - الاجتماع بالأصدقاء الإيرانيين ومجموعة البلدان الخمسة زائدة واحداً الأوروبية. وقد حاولنا في الكثير من الاجتماعات إعادة فتح القنوات الديبلوماسية.