إذا كانت عديد الشخصيات التي قدمها تركي الدخيل في برنامجه الأسبوعي"إضاءات"، من قناة"العربية"، شخصيات خلافية في"مجتمعاتها"، فإن الكاتب المسرحي المصري علي سالم، ضيف حلقته الأخيرة، شخصية خلافية أوسع مجالاً، وأكثر حضوراً، لا في محيطه المصري وحده، بل وعلى الساحة الثقافية العربية التي لاسمه حضور فيها. فهذا الكاتب والمؤلف المسرحي برز، وبقوة، في الحياة المسرحية أواخر ستينات القرن الماضي من خلال أهم أعماله وأبرزها:"أوديب أنت الذي قتلت الوحش"، والتي"تسيّد"بها عرش التأليف المسرحي الذي يجمع بين"القضية"التي يطرح والسخرية المرّة التي يعالج بها قضيته. ويبدو أن علي سالم استمرأ السخرية حتى طغت على مواقفه، اليومي منها والعام، كما بدا من خلال هذه المقابلة التي وجّه إليه مستضيفه فيها أسئلة كاشفه من خلالها بالمواقف التي اتخذ، والخطوات التي عليها أقدم، وفي المقدمة منها الزيارة التي قام بها الى"إسرائيل"عام 1994، وأحدثت، يومها، صدمة للشارع الثقافي المصري، والعربي أيضاً... وقد ظهر في هذا اللقاء متمسكاً بالزيارة، ومبرراً إياها، كما برر إصدار كتابه"زيارة الى إسرائيل"، الذي كانت اللغة الأولى التي ترجم إليها هي العبرية... كما أنه"عزّز"موقفه هذا أو أراد تعزيزه بالانضمام الى"جماعات دولية"، أخذته أكثر وأبعد في هذا المسار الذي انتهى به الى شيء من"العزل الثقافي"اجتماعياً، والمقاطعة عربياً. وكما بدا في اللقاء، فإن حالة من الارتباك المعنوي راحت تلفّ كلامه - دفاعه، وإن حاول التغلب عليها بروح النكتة والسخرية، التي استعاد بقاياها، وبالابتسامة الجريحة، كما بإلقاء تبعات ما أقدم عليه، في زيارته تلك وما أعقبها من مواقف، على غيره، بدءاً من"قادة أوسلو"الى آخرين، وإن كانوا قلة كما أكد، ممن"رحّبوا"بخطواته تلك التي اتخذ، و"شجعوه"، كما قال، على المضي فيها والدفاع عنها، وإن لم يدافعوا عنه يوم تعرّض لهجوم كاسح!.. كما عمد في هذا اللقاء، الذي يبدو أنه جاء ليكون فرصته المتاحة لإيضاح مواقفه، الى إشراك آخرين معه، مثل الراحل نجيب محفوظ الذي قال عنه إنه كان يستقبل الإسرائيليين في بيته، وذكر منهم"ساسان سوميخ"، ليبرر لنفسه"الزيارة"التي قام بها. ولم يتوقف علي سالم في حديثه عن"إسرائيل"و"الإسرائيليين"عند حدود الدفاع عن زيارته، بل تخطى ذلك الى الكلام الذي يثني على"الدولة العبرية"، مشدداً على ما أحرزته في الجانب العلمي الذي جعل منها"دولة متقدمة"... كما قال في"الإسرائيليين"قولاً حسناً، وقد اكتشف فيهم - خلال زيارته هذه أم قبلها؟ - من"الطيبة"ما دعاه الى الثناء عليهم، وإسداء التقدير لهم والإعجاب بهم"شعباً". وأمام هذا، فإذا كان عديد الكتاب والمثقفين، مصريين وعرباً، قد كتبوا عن زيارة علي سالم تلك، متحدثين عن"سقوط المثقف"، فإن زيارة آخرين، في السنوات الأخيرة، من بعده، ل"الدولة العبرية"، واللقاء بمثقفيها كما فعل الكاتب نجم والي، شجعا علي سالم على الظهور مجدداً، ومن موقف الدفاع عن نفسه... فهو لم يعد الوحيد، ولا هو وحده، الذي أقدم على خرق هذا"المحرّم العربي"، بل هناك، الى جانب بعض الأنظمة، غير اسم، من أدباء وشعراء وسياسيين، قد اقتفوا خطواته، ما جعل طريق دفاعه عن نفسه سالكة... فمشاها من خلال"إضاءات"قدمها، أو قدمته، على تلك الطريق التي اتخذ... الأمر الذي جعله يتساءل، وقد رأى هذا كله، عما إذا كانت الطريق التي سلك قادته الى"خطأ"كان عليه أن يتحمل نتائجه طيلة السنوات الماضية، أم هي"الطريق الصواب"لما شهد، من بعده، من تعدد المسار بسالكيها؟ إنه سؤال إشكالي. ولعل الجواب عنه إشكالي أيضاً. غير أن علي سالم، في ظهوره التلفزيوني هذا، وجد"فسحته الفضائية"لقول ما كان يريد قوله، تبريراً ودفاعاً... وقال ذلك، وإن بلغة تداخلتها نبرة الرثاء... وهو الذي كان يمكن أن يكون كبيراً بمسرحه، بما كانت له في هذا المسرح من خصوصية الرؤية للواقع، وفي معالجة شؤون إنسان هذا الواقع... ولكنه خرم هذا المشهد، إن لم يكن أطاح به غبّ تلك"الزيارة"التي لا يريد أن تصدر منه كلمة إدانة لها، أو تنصل منها.