اجتماع فرع هيئة الصحفيين السعوديين في جازان    أحد عشر إصدارًا من نبض الارض والصحافة بوابتي للأدب        لماذا عادت طائرة وزير خارجية أمريكا المتجهة إلى ألمانيا ؟    (رسالة مريض ) ضمن مبادرة تهدف إلى تعزيز الدعم النفسي للمرضى.    142 اتفاقية ب 14 مليار ريال في ختام منتدى «الاستثمارات العامة»    في أمسية استثنائية بموسم الرياض.. تركي آل الشيخ يكرّم الموسيقار عمر خيرت    استمرار هطول أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    هدية مجهول في عيد الحب تتسبب في مقتل فتاة    اعتزال الإصابة    آلام الأسنان.. جرس إنذار لمشكلات قلبية    «غير النفطية» سجلت 40 % من الإيرادات.. و115 ملياراً إجمالي العجز    المركز الوطني للفعاليات يوقع مذكرة تفاهم مع مركز الخدمات الصحية المساندة بوزارة الصحة    إلياس وبخاري يتقبلان التعازي في فقيدتهما    فنون أبها تختتم ليالي الفوتوغرافيين الشتوية    تعاون بين جمعية الزهايمر وهيئة أموال القاصرين لدعم ورعاية المرضى وذويهم    دوران: فخور باللعب بجوار رونالدو    جوميز: نحتاج إلى التركيز وحصد النقاط أمام الاتفاق    سيماكان النصر أغلى مدافعي دوري روشن    «كل النجوم».. أشهر أحداث دوري NBA    فيلاديلفيا إيغلز يثأر من ال«شيفز» في نهائي «سوبربول»    بيوت جازان.. أضواء السّراج ونكهة السَّليط    «نيوم» يكسر ال«عين» ويتصدر دوري يلو    جودة الحياة في ماء الثلج    «عبدالجواد» يضم معاذ والشمراني وشهيل والنجعي لمنتخب القدامى    منع المقدسيين من رخص البناء والتوسع في هدم منازلهم    «بوصلة التنافسية» تعزز الاقتصاد «الأوروبي»    اختزال القضية الفلسطينية    الشاعرة الشعبية وجيمس بيكر..!    الرئيس ترمب.. لا تخسر أصدقاءك وحلفاءك!    سبل المساءلة عن الجرائم الدولية: خيارات العدالة بعد الأسد    هطول أمطار متوسطة على الرياض    في يوم النمر العربي    "جي إف إتش" تحقق زيادة 15.21 % في الربح الصافي العائد للمساهمين للعام 2024 ب118.50 مليون دولار    خارطة طريق مغربية لتحقيق الوصول ل26 مليون سائح    عطني المحبة كل المحبة.. عطني الحياة..!    ذاكرة التاريخ ونسق الثقافة والجغرافيا    الفتوّة المتأخرة    المستقبل من نافذة «ليب»    نصف مقال !    العنوسة في ظل الاكتفاء    لماذا التشكيك في رجاحة عقل المرأة..؟!    القوة الجبرية للمتغيب عن جلسات القضايا الزوجية    التأمين الصحي.. عقبة أم ضمان؟    دور القيم في التنمية الاقتصادية    محمد بن فهد.. ترحل الأجساد وتبقى الذكرى    القيمة والتأثير    أيهما أسبق العقل أم التفكير؟    مدير عام تعليم مكة يدشّن المعرض الفني واحتفالية يوم التأسيس    إحتفال قسم ذوي الإعاقة بتعليم عسير بيوم التأسيس السعودي    نائب أمير الشرقية يستقبل أعضاء مجلس إدارة جمعية "إطعام"    أمير الأحساء يكرم الفائزين بجائزة تميز خدمة ضيوف الرحمن    منطلق حوار للحد من تفشي الطلاق    سعود بن خالد رجل من كِرَام الأسلاف    الحلم النبيل.. استمرار للمشروع السعودي    أمريكية تعتصم أمام منزل خطيبها الباكستاني    ثمن المواقف الأخوية الشجاعة للسعودية والأردن ومصر.. الرئيس الفلسطيني يشدد على اعتماد رؤية سلام عربية في القمة الطارئة    مملكة الأمن والأمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النزوح من الأرياف وتسارع التمدين وانكفاء الدولة ... وراء حرب أهلية صامتة في كراتشي
نشر في الحياة يوم 19 - 01 - 2011

على مقربة من منطقة كورانغي الصناعية، تمتد أراض زراعية خضراء شمالاً نحو نهر مالير. وعلى الضفة الاخرى تقع مدينة مهران التي شيدت على أراض عامة صادرها النازحون الباكستانيون من الارياف، وقسّموها الى وحدات سكنية يفوق عددها المئة. وتحيط بالعشوائية هذه مصانع مرتجلة، وتجهيزات صرف صحي، ومسالخ ومدابغ. وينزح نحو مليون نسمة سنوياً من الريف الباكستاني الى كراتشي، وينزلون على مثل العشوائية هذه.
وتنتشر العشوائيات في ضواحي كراتشي، وتشيد فيها نحو 100 ألف مساحة سكنية، سنوياً. وموجات النزوح من الارياف تساهم في تأجيج النزاع بين الاحزاب السياسية الاثنية في كراتشي. ومدار النزاع على الاستحواذ على الاراضي وجباية الاموال واستمالة الموالين في أوساط النازحين.
وفي مهران، تعلق اعلام الاحزاب السياسية على الوحدات السكنية غير الناجزة البناء. والجدران تغطى بشعارات الاحزاب. ويقول مسؤول في الشرطة المحلية إن وتيرة اعمال العنف والقتل بين المتنازعين على الاستيلاء على الاراضي والمنازل تتعاظم.
ولا شك في أن الانتقال الى عشوائيات كراتشي يوفر لأفقر الفلاحين والعاملين الباكستانيين فرصاً كبيراً غير متوافرة في قراهم. وهذه تغلب عليها بنى ريفية اجتماعية تجمع بين نظام اقطاعي آفل واقتصاد مالي يتولاه وسطاء جشعون. ودينامية النزوح الى العشوائيات تعزز أبرز النزعات الاجتماعية في باكستان، وهي التمدين. واليوم، يعيش نحو 50 في المئة من الباكستانيين في المدن، في وقت لم يتعد عدد سكان المدن قبل 60 عاماً عتبة ال18 في المئة منهم. ومعظم النازحين قصد كراتشي، وهذه ارتفع عدد سكانها نحو 90 في المئة بين احصائي 1981 و1998.
وكراتشي هي أكبر مدن باكستان، وعاصمتها المالية. وهي مصدر حصة راجحة من عائدات الضرائب الباكستانية، وفيها ينتج ربع الناتج المحلي الباكستاني. ويهيمن على الحياة السياسية في المدينة هذه حزب"المتحد القومي"، وهو يرفع لواء العلمانية ويزعم تمثيل أوسع مجموعة اثنية، وهي اثنية المهاجرين من الهند. والاوردو هو لسان أبناء الاثنية هذه، وهم يتحدرون من اللاجئين الذين غادروا الهند خلال الانفصال، في 1947. ولكن نفوذ الحزب هذا ينحسر، على وقع تعاظم حجم موجات العمال البشتون النازحين. فعلى رغم أن 50 في المئة من سكان كراتشي ينتمون الى اثنية المهاجرين، لا يسع حزب المتحد القومي، وهو لا امتداد له في الارياف، حشد مؤيدين جدد في أوساط النازحين. فعدد النازحين البشتون ازداد، اثر حملة مكافحة التمرد في 2002، شمال غربي باكستان. واضطر، يومها، ملايين الاشخاص الى النزوح نحو الجنوب. وتحاكي الاحزاب السياسية الاخرى سياسات"المتحد القومي"، وتتذرع بغياب المساواة بين الاثنيات لاستقطاب المؤيدين والمناصرين. ويسعى حزب"عوامي القومي"، وهو يزعم تمثيل 5 ملايين بشتوني، في تعزيز نفوذه. وهو تحالف مع حزب"الشعب"الباكستاني. ونفوذه راجح في المحافظات، وخصوصاً في مناطق السند والبلوشيين، وعلى المستوى الوطني، ولكنه قوة ثانوية في كراتشي.
ويبدو أن وراء اندلاع حرب أهلية في كراتشي عجز"المتحد القومي"عن التكيف مع تزايد عدد السكان البشتون. ففي 2010، قتل 1400 شخص في عمليات تصفية لحزبيين ولأبناء الاثنيات المختلفة. وعدد قتلى عمليات التصفية في كراتشي يضاهي عدد ضحايا العمليات الانتحارية، في 2010.
والعنف هو، في بعض وجوهه، ثمرة تصدي بعض أعضاء حركة"المتحد القومي"أو حزب"عوامي القومي"للدفاع عن"أبناء جلدتهم"في حوادث متفرقة منها، على سبيل المثال، التعرض لتلميذ من اثنية المهاجرين في طريق ذهابه الى المدرسة في مناطق البشتون، أو حين تفرض الأتاوة وأموال الحماية على"الأقليات"من السكان. ويجمع المراقبون ومسؤولون في الشرطة على أن العنف مرده الى علاقات وثيقة تربط مسؤولين حزبيين بجماعات اجرامية، وإلى سعي الاحزاب في السيطرة على الاراضي، وفي جنّي الأرباح وزيادة تمثيل قاعدتها الشعبية في مناطق الاقتراع المتنازع عليها.
وإثر اغتيال زعيم"المتحد القومي"في آب اغسطس الماضي، قتل أكثر من 100 شخص، معظمهم من البشتون، في اعمال عنف توالت فصولها طوال 3 أيام.
وانفكاء الدولة في كراتشي هو وراء تأجيج النزاعات الاثنية. فالحكومة المحلية في كراتشي عجزت عن التصدي لمترتبات توسع كثافتها السكانية. ولم تزود مناطق النازحين الجدد بمنازل، ولم تشيد بنى تحتية جديدة. فلم تمد المياه والكهرباء الى المناطق الجديدة، ولم توفر فرص عمل لشريحة واسعة من السكان. ولذا، اعتمد فقراء المدينة الجدد على مقاولين من أبناء اثنيتهم لتوفير الخدمات لهم. والمقاولون هؤلاء يستولون على أراض عامة، ويشيدون عليها وحدات سكنية يتولون تأجيرها الى أبناء جماعاتهم الاثنية. ويمدون الكهرباء والمياه الى المنازل هذه من طريق رشوة مسؤولين في البلدية وفي سلك الشرطة. ونحو 75 في المئة من أبناء العشوائيات يعمل في وظائف يوفرها اقتصاد الظل.
وفي الاعوام الاخيرة، تقلص عدد الاراضي العامة الصالحة للبناء. ففي مطلع العقد الحالي، رهنت المؤسسات المالية الدولية منح الحكومة الباكستانية قروضاً ببيع شطر واسع من الاراضي العامة الى القطاع الخاص. وارتفع الطلب على العقارات على وقع تحفيز المساعدات الخارجية الاقتصاد الباكستاني، اثر حوادث الحادي عشر من أيلول سبتمبر 2001. وأبرز ما يغذي العنف في كراتشي هو احتدام النزاع بين مجموعات اثنية مافيوية على السيطرة على ما تبقى من الاراضي العامة.
والتنافس على الاراضي تنامى اثر تدفق النازحين من المناطق الريفية الى كراتشي جراء السيول والطوفان. وتسعى الاحزاب في استمالة النازحين اليها. وأغلب الظن أن تضطر النخب السياسية، على وقع تدفق آلاف من النازحين الفقراء، الى تناول مسائل أرجأت معالجتها. فهل يستطيع قطاع الخدمات استيعاب هؤلاء وتوفير الدعم لهم؟ وإذا أفلح في ذلك، توسعت أدنى شرائح الطبقة الوسطى. ولكن هل تتصدر أولويات الطبقة الوسطى الجديدة فرص العمل والتعليم والعناية الصحية أم تطالب الطبقة هذه بحقوق اثنية سياسية؟
وفي كراتشي، ساهم توسع الطبقة الوسطى في تغيير المجتمع. فأبناء أدنى سلم الطبقة الوسطى يرتادون مدارس مهنية خاصة، ويتخصصون في التكنولوجيا المعلوماتية على أمل الالتحاق بشركات القطاع الخاص. وتلتحق الشابات بالجامعات في كراتشي، وفاق عددهن عدد الذكور. وارتفعت نسبة الشباب المتعلم والاعزب في كراتشي. ولكن هل تستطيع الحكومة انتهاج سياسات تواكب حركة التمدين المتعاظمة، في وقت بلغت نسبة التضخم المالي 15 في المئة؟ وهل يتعاظم نفوذ الاثنيات في أوساط الطبقة الوسطى الجديدة، في وقت ينحسر النمو الاقتصادي؟
وأغلب الظن أن تفاقم خيبة أمل ابناء المدن الباكستانية اضطراب الطبقة الوسطى الايديولوجي. فعدد لا يستهان به منهم يؤيد الناشطين الاسلاميين. فإثر اغتيال حاكم البنجاب، تيسير سلمان، انضم آلاف الباكستانيين من الطبقة الوسطى الى مجموعة تؤيد قاتله على موقع"فيسبوك". وعدد كبير من مؤيدي قاتل سلمان هم من خريجي الجامعات الباكستاية الذين يجمعون بين تأييد اغتيال حاكم البنجاب والميل الى نزعات ثقافية غير اسلامية مثل اغاني مغني الراب، ليل واين، وبرنامج"فاميلي غاي"التلفزيوني.
* صحافي مركز عمله بين كراتشي ونيويورك، عن موقع "فايننشل تايمز" الاميركي، 6/1/2011، اعداد م.ن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.