هل الإرهاب النووي خطر محدق على ما تزعم واشنطن؟ لا شك في ان احتمال استخدام مواد نووية في أعمال إرهابية مخيف، ولا يجوز التهوين منه. ولكن هل الرئيس الاميركي محق في الدعوة إلى قمة نووية عالمية بواشنطن، وجروح الولاياتالمتحدة من هجمات 11 أيلول سبتمبر لم تندمل بَعد، وهي تشعر بأن الخطر الارهابي، على اختلاف أنواعه، محدق بها، فهي تنتهج سياسات أمنية غير عملية ومبالغاً فيها، على غرار سياسة أمن الحاويات الجديدة. والقمة النووية هي جواب واشنطن على الخوف من هجمات إرهابية نووية. ولكن الرئيس الاميركي لم ينجح في ارساء سياسة نزع السلاح النووي. واحتمالات أن يقر مجلس الشيوخ الاميركي اتفاق حظر التجارب النووية ضعيفة. وألقى الرئيس أوباما أكثر من خطاب تناول فيها نزع السلاح النووي. ومراجعة النهج النووي الاميركي الأخيرة أطاحت صدقية مشروع نزع السلاح النووي. فأوباما التزم عدم استخدام السلاح النووي ضد الدول التي لم تحز السلاح هذا وتلتزم معاهدة حظر انتشار السلاح النووي. وترك الباب لتوجيه ضربة نووية الى إيرانوكوريا الشمالية مفتوحاً. وأعربت واشنطن عن رغبتها في الاحتفاظ بسلاح ردع نووي. وهي مدعوة الى ادارج مسألة الإرهاب النووي في إطارها الفعلي. والدول الخمس الكبرى تملك المواد النووية المخصبة لأغراض عسكرية. وفيما خلا الهندوباكستان وإسرائيل، تلتزم الدول النووية اتفاق حظر انتشار السلاح النووي، وتشرف وكالة الطاقة الذرية الدولية على برامجها النووية. ولا تملك أي دولة إسلامية مفاعلات نووية سلمية. وسعت دولتان عربيتان في انشاء مفاعلات نووية. ولكن مشروع العراق النووي دمرته ضربة عسكرية، ومشروع ليبيا النووية أوقفته العقوبات. وأجهضت إسرائيل نشاطات سورية النووية. وليست مشاريع الهند وإسرائيل النووية مصدراً محتملاً للإرهاب النووي. فهي خاضعة لرقابة أمنية دقيقة وصارمة. ولا يستهان بالمخاطر المترتبة على ترك كوريا الشمالية الالتزام باتفاق حظر انتشار السلاح النووي والتنصل من رقابة وكالة الطاقة الذرية. فسجل بيونغ يانغ حافل بالانتهاكات. فهي صدرت التكنولوجيا النووية وتكنولوجيا الصواريخ النووية. وعلى رغم أن وكالة الطاقة الذرية الدولية تراقب مشروع إيران النووي، تغلب الشكوك في نوايا ايران النووية العسكرية . والحق أن دور الصين في نقل التقنية النووية والمواد الذرية الى باكستان وغيرها هو أمارة على تنصلها من مسؤولياتها الدولية، واستهتارها بها. فأسلحة صينية التصميم بلغت ليبيا من طريق باكستان. والصين تواصل تعاونها النووي مع باكستان. ولم يثنها عن التعاون هذا تسريب الدكتور عبدالقدير خان التكنولوجيا النووية، وعلاقات بعض عناصر"القاعدة"ببعض العلماء النوويين الباكستانيين، وانتشار التطرف الديني والإرهاب في باكستان. وباكستان دولة لا مثيل لها في العالم. فهي دولة نووية تجمع الاضطراب الداخلي والسياسي الى تفشي التطرف الإسلامي، وانتهاك معايير حظر الانتشار السلاح النووي. وازدواجية موقف الولاياتالمتحدة من النشاط النووي الباكستاني تعزز مخاطر الإرهاب النووي التي تسعى واشنطن في حمل المجتمع الدولي على مكافحته. ولا يجوز تغاضي الولاياتالمتحدة عن مخاطر الارهاب النووي الباكستاني لقاء تعاون باكستان في أفغانستان. ورفض واشنطن اماطة اللثام عن دور مسؤولين رسميين باكستانيين في شبكة عبدالقدير خان النووية يعفي باكستان من تسوية أوضاعها النووية والنزول على الضغوط الدولية. ولا يخفى على أحد أن الارهابيين التي تحثهم عقائدهم على استخدام السلاح النووي ضد الولاياتالمتحدة، سواء كانوا من"القاعدة"أو طالبان، ينشطون في مناطق آمنة في باكستان. وأسوأ أنواع التطرف الديني هو متفشٍ بالبنجاب، في الداخل الباكستاني. وفي وسع الجيش الباكستاني توسل القوة في مكافحة ارهاب الاسلاميين على الحدود أو في مناطق الاطراف الباكستانية. ولكن يده مقيدة في البنجاب حيث يرتبط المتطرفون والجماعات الجهادية بعلاقات وثيقة بالأحزاب السياسية النافذة. ويتحلى المتطرفون بميزة ثمينة. فهم أداة من أدوات الحرب على الهند. ووراء لا مبالاة المسؤولين الباكستانيين بالضغوط الدولية ازدواج موقف الولاياتالمتحدة من باكستان. فهي تشيد بجهود المسؤولين الباكستانيين، وتبدي قلقها من تخاذلهم، في آن. ولذا، لم تعد باكستان تتكلف عناء نفي وجود الملا محمد عمر على أراضيها، وتروج للمصالحة مع طالبان، وترهن وساطتها مع طالبان بتهميش الدور الهندي في أفغانستان. وهي تتصرف كما لو أن واشنطن طوت ملف شبكة عبدالقدير خان. وهي أجهضت مفاوضات الاتفاق على حظر انتاج المواد الانشطارية المخصبة في جنيف. وتطالب باكستان مطالبة حثيثة بمعاملتها على قدم المساواة مع الهند، والتعاون الدولي السلمي النووي معها. وتؤيد الصين مطالب باكستان. وباكستان بارعة في الابتزاز السياسي، وهي ترهن موافقتها على التعاون في مكافحة الانتشار النووي والارهاب النووي، بعرقلة الاتفاق النووي الاميركي ? الهندي. وتزعم اسلام أباد أن الاتفاق هذا يطلق سباق تسلح نووي. فهو يضمن تفوق الهند النووي، وزيادة حجم ترسانتها النووية الموجهة ضد باكستان. وبلوغ أهداف قمة واشنطن النووية غير ممكن ما لم تقر الولاياتالمتحدة بدور باكستان الراجح في مخاطر الإرهاب النووي. * وزير الخارجية الهندي السابق، موقع"اكسبريس باز"الهندي، 30/4/2010، اعداد جمال اسماعيل نشر في العدد: 17197 ت.م: 05-05-2010 ص: 14 ط: الرياض