تواجه الأغنية اليمنية الراقصة حالاً من الجمود المستمر منذ عقود، فيما اقتصر دور المغنين الجدد على إعادة تقديم أعمال القدماء. وبدا أن رحيل المطرب فيصل علوي أخيراً، والذي يعد من ابرز ممثلي الأغنية اليمنية الراقصة، يعمق جمودها ويفقدها إحدى الحلقات التي تربطها بفترات ازدهارها في خمسينات القرن الماضي وستيناته. ويلفت نقاد إلى ان علوي كان يتمتع بكاريزما فنية ومهارة عالية في العزف وصوت ذهبي. واشتهر علوي بتقديم الأغاني الشعبية ذات الإيقاعات الراقصة وما يسمى بالأغنية اللحجية، نسبة إلى منطقة لحج مسقط رأسه، وموطن رواد الأغنية اللحجية أمثال الأمير احمد فضل العبدلي الشهير باسم القمندان، الذي يعتقد أن تجديداته في الأغنية اللحجية استهدفت الانفكاك من هيمنة الموشح الصنعاني. وترتبط الأغنية اللحجية بنوع من الرقص المتسم بتسارع حركات الراقصين، وبخاصة في ما يسمى برقصة"الشرح"التي تقدم عادة في مناسبات الأعراس وتؤدى بواسطة راقص وراقصة أو أكثر. وخلافاً لبقية ألوان الغناء اليمني، تمتاز الأغنية اللحجية بالإيقاعات السريعة والبعد من أجواء الإنشاد الديني الذي يطغى على بعض أنواع الغناء، مثل الصنعاني والتهامي. ويتناول بعض الأغاني اللحجية موضوعات غزلية ذات صلة بالحب الحسي. ويرى الموسيقي والباحث جابر علي احمد أن الأثر الذي تركته الأغنية اللحجية منذ القمندان يتمثل في كونها"وجهت الناس إلى مصادر جديدة للمتعة الفنية وساهمت في صوغ الوعي الفني في شكل أدى إلى اعتبار الغناء كالهواء لا يمكن الاستغناء عنه". وبحسب جابر، فإن فيصل علوي هو امتداد لذلك الزخم الفني الذي عرفته لحج منذ القمندان. وتعد"ياورد ياكاذي"من أكثر أغنيات علوي رواجاً. كما أجاد علوي في تقديم الأغاني الصنعانية، وامتدت شعبيته إلى بعض مناطق السعودية والخليج. ويشيع في اليمن توصيف الغناء على أسس مناطقية، وهذا أمر يحاكي أحياناً النزعات السياسية والطائفية. وبعض النقاش في هذا الجانب يمتد إلى خمسينات القرن الماضي، خصوصاً حول ما يسمى بالأغنية العدنية. وجاء في كتاب صدر أخيراً بعنوان"تيارات تجديد الغناء في اليمن"أن التجديد الذي أحدثه الأمير فضل القمندان في بنية الأغنية الشعبية في لحج خلال النصف الأول من القرن الماضي، استهدف التعبير عن الروح اللحجية في مقابل الغناء الصنعاني التقليدي الذي كان سائداً آنذاك". وقال مؤلف الكتاب جابر علي احمد إن سعي الأمير القمندان إلى ابتكار أغنية لحجية ذات خصائص تميزها عن الغناء الصنعاني حركته دوافع سياسية مرتبطة بالبحث عن كل ما من شأنه التأكيد على هوية الوطن اللحجي". ويستدل مؤلف الكتاب ببيتين من الشعر للقمندان ينتقد فيهما الشاعر هادي سبيت لترديده موشحات صنعانية. إذ ينسب الى القمندان قوله:"غن يا هادي نشيد أهل الوطن غن صوت الدان. ما علينا من غناء صنعاء اليمن غصن من عقيبان".