المملكة تؤكد التزامها بالحفاظ على التراث الثقافي    ميتروفيتش يبتعد عن بنزيما ورونالدو    حائل: القبض على شخص لترويجه أقراصاً خاضعة لتنظيم التداول الطبي    ممثل رئيس إندونيسيا يصل الرياض    خيسوس: الهلال يثبت دائمًا أنه قوي جدًا.. ولاعب الاتفاق كان يستحق الطرد    انطلاق أعمال ملتقى الترجمة الدولي 2024 في الرياض    زلزال بقوة 6.2 درجات يضرب جنوبي تشيلي    الأخضر يغادر إلى أستراليا السبت استعدادا لتصفيات مونديال 2026    ترقية بدر آل سالم إلى المرتبة الثامنة بأمانة جازان    جمعية الدعوة في العالية تنفذ برنامج العمرة    «سدايا» تفتح باب التسجيل في معسكر هندسة البيانات    الأسهم الاسيوية تتراجع مع تحول التركيز إلى التحفيز الصيني    انطلاق «ملتقى القلب» في الرياض.. والصحة: جودة خدمات المرضى عالية    تقرير أممي يفضح إسرائيل: ما يحدث في غزة حرب إبادة    خطيب المسجد النبوي: الغيبة ذكُر أخاك بما يَشِينه وتَعِيبه بما فيه    فرع هيئة الهلال الأحمر بعسير في زيارة ل"بر أبها"    نيمار: 3 أخبار كاذبة شاهدتها عني    أمانة الطائف تجهز أكثر من 200 حديقة عامة لاستقبال الزوار في الإجازة    رفع الإيقاف عن 50 مليون متر مربع من أراضي شمال الرياض ومشروع تطوير المربع الجديد    بطلة عام 2023 تودّع نهائيات رابطة محترفات التنس.. وقمة مرتقبة تجمع سابالينكا بكوكو جوف    المودة عضواً مراقباً في موتمر COP16 بالرياض    خطيب المسجد الحرام: من صفات أولي الألباب الحميدة صلة الأرحام والإحسان إليهم    في أول قرار لترمب.. المرأة الحديدية تقود موظفي البيت الأبيض    الفرصة لاتزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    دراسة صينية: علاقة بين الارتجاع المريئي وضغط الدم    5 طرق للتخلص من النعاس    «مهاجمون حُراس»    حسم «الصراعات» وعقد «الصفقات»    محافظ محايل يبحث تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين    شرعيّة الأرض الفلسطينيّة    جديّة طرح أم كسب نقاط؟    الموسيقى.. عقيدة الشعر    في شعرية المقدمات الروائية    ما سطر في صفحات الكتمان    لصوص الثواني !    مهجورة سهواً.. أم حنين للماضي؟    لحظات ماتعة    متى تدخل الرقابة الذكية إلى مساجدنا؟    حديقة ثلجية    محمد آل صبيح ل«عكاظ»: جمعية الثقافة ذاكرة كبرى للإبداع السعودي    فراشة القص.. وأغاني المواويل الشجية لنبتة مريم    فصل الشتاء.. هل يؤثّر على الساعة البيولوجية وجودة النوم؟    منجم الفيتامينات    قوائم مخصصة في WhatsApp لتنظيم المحادثات    أُمّي لا تُشبه إلا نفسها    أنماط شراء وعادات تسوق تواكب الرقمنة    الأزرق في حضن نيمار    رحلة طموح    الحرّات البركانية في المدينة.. معالم جيولوجية ولوحات طبيعية    الناس يتحدثون عن الماضي أكثر من المستقبل    من توثيق الذكريات إلى القصص اليومية    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    التعاطي مع الواقع    ليل عروس الشمال    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل هو مجرد اتفاق سوداني آخر يوقعه البشير؟
نشر في الحياة يوم 25 - 02 - 2010

في ربيع عام 2006، وأثناء عقد مؤتمر حول قضية دارفور في العاصمة النيجيرية أبوجا برعاية نيجيرية ? ليبية مشتركة، كان يجلس أمام وفد الحكومة السودانية قادة الحركتين المتمردتين في دارفور، منذ اندلاع تمرد شباط فبراير 2003: الدكتور خليل إبراهيم رئيس"حركة العدل والمساواة"، والمحامي عبد الواحد محمد نور رئيس"حركة تحرير السودان"مع أمينها العام وقائدها العسكري الميداني ميني أركو مناوي. عندما تمَ توقيع اتفاقية أبوجا في 5 أيار مايو 2006. كان مناوي هو الوحيد الذي وقعَ عن الطرف الدارفوري، وهذا ما أدى إلى انشقاق"حركة تحرير السودان"، وجعل من"حركة العدل والمساواة"أقوى فصيل عسكري دارفوري معارض للحكومة السودانية، على عكس ما كان عليه الوضع قبل يوم توقيع اتفاقية أبوجا، التي تحولَت إلى حبر على ورق من دون أي تأثير على الأرض، باستثناء تبوؤ مناوي منصب مساعد الرئيس السوداني.
حصل شيء قريب من هذا في يوم الثلثاء 23 شباط 2010 في الدوحة: إذا تركنا عبدالواحد نور الذي نأى بنفسه أصلاً عن منبر الدوحة، فإن الأطراف الدارفورية المشاركة في محادثات العاصمة القطرية لأسابيع كانت ثلاثة، وهي"حركة العدل والمساواة"، و"مجموعة أديس أبابا"المسماة ب"خريطة الطريق"وأبرز قواها"حركة العدل والمساواة الديموقراطية"المنشقة منذ صيف 2009 عن فصيل الدكتور خليل إبراهيم، و"مجموعة طرابلس"التي ضمَت قوى منشقة عن فصيلي"حركة تحرير السودان"لتتوحد في مؤتمر الكفرة المنعقد في الشهر الأول من عام 2010 تحت اسم"حركة جيش تحرير السودان ? القوى الثورية". في مساء ذلك الثلثاء من شهر شباط بالدوحة، وقعَ فصيل الدكتور خليل إبراهيم على"اتفاق إطار لسلام دارفور"مع الحكومة السودانية، في ما قبل ساعات من حصول ذلك توحدَت مجموعتا طرابلس وأديس أبابا في إطار حركة جديدة، سُمِيت ب"حركة التحرير والعدالة"، بقيادة شخصية دارفورية وسودانية من الوزن الثقيل هو الدكتور التيجاني سيسي الذي كان حاكماً سابقاً لإقليم دارفور، ولتعلن هذه الحركة رفضها لاتفاق الدوحة، وهو ما فعله أيضاً فصيل عبدالواحد محمد نور.
يمكن تفسير هذا جزئياً بغياب الرئيسين الإثيوبي والليبي، أو أي مندوب عنهما، في احتفال التوقيع الذي تم بشيراتون الدوحة، فيما لا يمكن عزل هذا التوقيع الذي سبقته بثلاثة أيام توقيع مسودة الاتفاق في نجامينا عن زيارة الرئيس التشادي للخرطوم قبل أسابيع والصفحة الجديدة بين السودان وتشاد، التي يبدو أن أحد نتائجها الأولى هو اتفاق الدوحة، الذي بدا واضحاً في حفل توقيعه أن"أم العروس"كان هو الرئيس التشادي ادريس ديبي، والذي كانت عاصمته منذ 2003 في وضعية هانوي مع"الفيتكونغ"بالنسبة الى"حركة العدل والمساواة"التي ينتمي زعيمها إلى قبيلة الزغاوة مثله مثل الرئيس التشادي.
في هذا الإطار، يلاحظ أن انشقاق صيف 2009 في"العدل والمساواة"قد حصل على خلفية اتهامات المنشقين للدكتور خليل إبراهيم بتكريس هيمنة الزغاوة على الحركة واستبعاد وتهميش من ينتمي لقبيلتي الفور والمساليت، وهو شيء لم يخرج عن وصف"العدل والمساواة الديموقراطية"لمسودة نجامينا بأنها"مدخل قبلي إثني"يراد من خلاله تنصيب خليل إبراهيم حاكماً على دارفور بدعم تشادي والوصول عبره إلى"إعادة توحيد الحركة الإسلامية"من خلال التلاقي بين الرئيس البشير والدكتور خليل إبراهيم، الذي كان بالأصل من مجموعة الدكتور الترابي ووزيراً في التسعينات، وذلك لمواجهة التداعيات المحتملة داخل السودان في حال اختار الجنوبيون الانفصال عام 2011 في الاستفتاء المقرر وفقاً لاتفاقية نيفاشا بين الحكومة والجنوبيين عام 2005.
إذا وضعنا الإطار الإقليمي لاتفاق الدوحة جانباً حيث لا يمكن إلا أن يلحظ أثناء التوقيع وجود الرئيس الإريتري في ضوء تناقضه مع إثيوبيا حول الصومال وتقاربه مؤخراً مع السودان على خلفية ذلك فإن ما يمكن تسجيله من جديد، في هذا الاتفاق، هو الإطار الدولي: مباركة مشتركة من الأمم المتحدة مع الاتحاد الأفريقي، مع رضا ضمني من واشنطن والجماعة الأوروبية، أو على الأقل عدم اعتراض أو محاولات تفشيل لم تظهر الآن بخلاف ما بان منذ اللحظات الأولى مع اتفاقية أبوجا من قبل واشنطن ومعها نجامينا يومذاك.
ربما، يمكن هنا ربط الخيوط ببعضها بعضاً لتفسير هذا المناخ الجديد أميركياً والذي يبدو أن معالمه قد بدأت تتضح فوق أجواء السودان: ومنذ صدور مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني في يوم 4 آذار مارس 2009، عن المحكمة الجنائية الدولية، يلاحظ عدم تعامل الرئيس البشير معها، من خلال سفراته ورحلاته، بحسب منطوقها الحرفي، بل باعتبارها أقرب إلى سيف ديموقليس الذي يتطلب تفاديه"خريطة طريق"من قبله، وهو يدرك على ما يبدو، كما أدرك في الشهر الأخير من 1999 أن بقاء النظام يتطلب التضحية بالترابي، أن البوابة التي تقود إلى الغرب الأميركي هي نجامينا، حيث يطمح الرئيس التشادي أن تكون بلاده هي ممر أنابيب نفط وغاز دارفور إلى المرافئ النيجيرية والكاميرونية بعد أن يتم التخلص من الشركات الصينية التي فازت بأغلب العقود الدارفورية منذ أيام حكم الثنائي البشير- الترابي بدءاً من" ثورة الإنقاذ"في يوم 30 حزيران يونيو 1989. يعزز سلوك الرئيس السوداني هذه المؤشرات، فهو يتصرف منذ أشهر وكأنه لم يسمع بتهديدات لويس مورينو أوكامبو مدعي عام تلك المحكمة الدولية، بل باعتباره باقياً في القصر الرئاسي في الخرطوم ولكن مع تغيير في"المسار"، يبدو أن دارفور هي بداية الطريق فيه، ونجامينا بوابته، وواشنطن غايته، خصوصاً أن انفصال الجنوب في العام المقبل، والذي اندلعت حربه الثانية في عام 1983 تم بعد اكتشاف شركة"شيفرون"للنفط فيه في 1974.
هل ينجح الرئيس عمر البشير في هذا، ليجعل من حكمه، الذي بدأ في عام 1989 الذي انتهت فيه الحرب الباردة وانتفت فيه بالتالي مبررات التحالف بين الحركة الإسلامية العالمية وواشنطن ضد السوفيات، في وضع عدم المجابهة وصولاً إلى التوافق مع العاصمة الأميركية، للمرة الأولى منذ عقدين من الزمن؟
إن حصل هذا، فإن اتفاق الدوحة لن يكون مجرد اتفاق سوداني آخر.
* كاتب سوري
نشر في العدد: 17128 ت.م: 25-02-2010 ص: 21 ط: الرياض


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.