اكتشف الكاتب محمود شريح في"أرشيف"الشاعر الفلسطيني الراحل توفيق صايغ 1923 - 1971 الذي أوكلت اليه مهمة توضيبه وكشف ما يضم من وثائق ونصوص، رسائل متبادلة بينه وبين الروائي السوداني الراحل الطيب صالح 1929 - 2009. تدور الرسائل في معظمها حول روايتي"موسم الهجرة الى الشمال"التي تبناها صايغ ونشرها في مجلة"حوار"التي كان يرأس تحريرها عام 1966، و"عرس الزين"التي أصدرها أيضاً عن دار"حوار". وارتأى شريح، بالتعاون مع دار"نلسن"أن يجمع هذه الرسائل وينشرها في كتاب، ويضم اليها بعض الوثائق والصور. وبعد عمل لم يخلُ من الجهد أصبح الكتاب جاهزاً وهو سيصدر قريباً بعنوان"رسائل توفيق صايغ والطيب صالح". وهذا الكتاب سيكون واحداً من المراجع التي لا بدّ منها لمقاربة عالم الطيب صالح والعلاقة التي قامت بين الشاعر الفلسطيني والروائي السوداني. ننشر هنا مقدمة محمود شريح للكتاب وثلاث رسائل: بين توفيق صايغ 1923 - 1971 والطيب صالح 1929 - 2009 رسائل متبادلة هي قمة الصداقة الأدبية من حيث انفتاحها الذهني وبوحها العاطفي وتأريخها لزمانها العاصف بالتقلبات. شاعر يخاطب روائياً وروائي يحاور شاعراً. شاعر موغل في الثقافتين الشرقية والغربية على السواء، وروائي يتأرجح بين تراث وحداثة، يوظفهما تآلفاً في عرس الزين 1967 وصراعاً في"موسم الهجرة الى الشمال"1966. صايغ المولود في سورية والناشئ في فلسطينولبنان والدارس لاحقاً في أميركا والمحاضر في إنكلترا، ومُطلق مجلة"حوار"في بيروت، فالمهاجر محاضراً في جامعة كاليفورنيا في بيركلي 1968 - 1971، والمطمئن هناك في مقبرة الغروب المطلة على المحيط الهادئ، لهو نفسه المهاجر أبداً الى صقيع الشمال حيث المنفى، فلا عجب أن يكون هو نفسه مُكتشف الطيب صالح وناشر روايتيه الشهيرتين في مجلته حوار وعن دار نشره في بيروت. والطيب صالح المولود في شمال السودان والدارس في الخرطومولندن، والمشرف على دائرة المسرح في القسم العربي في هيئة الإذاعة البريطانية، فالإعلامي في الخرطوم والدوحة والكاتب لعقد في"المجلة"اللندنية، ومستشار الأونيسكو في باريس لعقد، والمتوفى في لندن والهانئ في مقبرة مسقطه، لهو نفسه"الكركدن"المحاصر الذي خلّد توفيق صايغ ذكراه في ديوانه الثالث والأخير"بضعة أسئلة لأطرحها على الكركدن". الرسائل بين صالح وصايغ تبدأ في نهاية 1963 وتتوقف في أيلول 1967 حين غادر صايغ بيروت نهائياً. فعلى مدى خمس سنوات شكلت الرسائل مجتمعة نصاً أدبياً متماسكاً يمتدح فيها صايغ جهود صالح في"عرس الزين"ويحضه على إنجاز"موسم الهجرة الى الشمال". فما من رسالة طارت من صايغ الى صالح إلا وطالبه فيها بإكمال الرواية، ملتفتاً الى تقنيات إصدار"عرس الزين"وتصميم غلافها وتزيين صفحاتها برسوم إبراهيم الصلحي. ولا يرتاح صايغ إلا حين يطيّر إليه صالح مخطوط"موسم الهجرة الى الشمال". في صيف 1960 كان الطيب صالح يمضي شهر نقاهة في قرية صغيرة قرب مدينة كان الفرنسية، وذلك إثر قضائه ثلاثة أشهر في مستشفى في بيروت حيث شارف على الموت وخلال ذلك الشهر أنهى الطيب صالح الجزء الأخير من روايته"عرس الزين"وأنهى ثلاثة فصول من روايته"موسم الهجرة الى الشمال"، وعليه فقد اعتبر الطيب صالح أن ذلك الشهر قرب"كان"أخصب فترة كتابية في حياته. في البدء أراد الطيب صالح أن يكتب رواية إثارة مباشرة وصريحة موضوعها الأساسي جريمة غرام، وما كان يدري تماماً وجهة سير الرواية، فوجد نفسه غير قادر على المضي في كتابة الرواية قبل أن يدلي مصطفى سعيد باعترافاته. خلال فترة القحط الكتابي هذه عمد الطيب صالح الى قراءة أبحاث ذات صلة بجرائم الحب. ووجد نفسه مهتماً بشخصيات إنكليزية من مثل لورنس العرب وريتشارد بيرتون وغيرهما ممن أظهروا انجذاباً غريباً الى العرب، أي نموذج الرومانس الذي بدأ يتحداه في الرواية. ووقع الطيب صالح تحت تأثير فرويد وقرأ كتابه"الحضارة ومنغّصاتها"مرات عدة، ثم وجد نفسه منجذباً إلى نظريته القائلة بتوزع المرء بين رغبتي الإروس والموت وبدا له ذلك مالوفاً من خلال التراث العربي وتجسّد له في بيت المتنبي الذي اعتبره الطيب صالح واحداً من أعظم الشعراء على مدى العصور، كما أعرب الطيب صالح عن إعجابه بحرفة أبي نواس. رأى الطيب صالح أن المتنبي يتحدّث عن المجد كما رآه هو نفسه في"موسم الهجرة":"ولا تحسبنّ المجدَ زقّاً وقينة/ فما المجد إلا السيف والفتكة البكرُ/ وتضريب أعناق الملوك وأن ترى/ لك الهبوات السود والعسكر المجرُ". قال الطيب صالح إنه سعى في روايته الى جعلها مدار صراع بين قطبين: الإروس والموت وعبّر عن تأثره بخاصة بكونراد في"قلب الظلام"من حيث الشكل. ونهض دنيس جونسون ? دجيفيز بترجمة"عرس الزين"وپ"موسم الهجرة"الى الإنكليزية بأسلوب سلس محكم الديباجة.... في 29 تشرين الأولاكتوبر 1963 كتب توفيق صايغ من بيروت الى الطيب صالح في لندن يطلب منه أن يخص مجلة"حوار"بقصة قصيرة ويُعلم الطيب فيها:"لا أكلّ ولا أتعب، كما ترى، ولا أرفع الراية البيضاء، فإذا كان الأدباء كالنساء، يحتاجون الى الركض وراءهم باستمرار، فلأخبرك أن الأدباء عزيزون عليّ كالنساء". ويرى الطيب صالح في رسالة تصل توفيق في 19 كانون الأول ديسمبر 1963 مهنئاً إياه على"بضعة أسئلة لأطرحها على الكركدن"، وقائلاً إنه شرع في كتابة قصة منذ أكثر من عام خصيصاً لمجلة"حوار"وكتب ثلثيها ثم تركها ويبعث الى توفيق بفصلين من"عرس الزين"وفي 20 كانون الأول يرد توفيق مطالباً برواية"عرس الزين"كاملة. وكعادته يتلكأ الطيب فيبرق توفيق اليه في 24 كانون الثاني يناير 1964 مطالباً بالرواية ويردّ الطيب ببرقية في أول شباط قائلاً إنه مرسل الجزء المنتهي من"عرس الزين ظهر في العدد العاشر من"حوار". وفي 16 آب أغسطس 1965 يجدد توفيق مطالبته الطيب برواية"موسم الهجرة"ولكن الطيب لا يردّ بل يأتي بيروت هو وزوجته جولي لزيارة توفيق في لبنان. في 4 تشرين الثاني 1965 يكتب الطيب الى توفيق شاكراً إياه على حسن لقائك لي ولجولي في لبنان وعلى الساعات الجميلة التي قضيناها معك"ويرسل الى توفيق قصصاً قصيرة، تاركاً لتوفيق حرية اختيار العناوين لها:"أترك لك تعميدها"ظهرت منها"مقدمات"في العدد 21 من حوار والبقية في"عرس الزين وقصص أخرى"الذي أصدره توفيق في سلسلة"كتاب حوار"في 1967. وكان الطيب طلب من توفيق:"أكون سعيداً لو أن الفنان الموهوب الذي صور"عرس الزين"في حوار يرسم لهن الصور". والفنان الموهوب هذا ليس سوى الرسام السوداني إبراهيم الصلحي الذي صمم كتاب عرس الزين وغلافه ورسم رسومه وصدرت له أربعة رسوم في حوار 26/27 العدد الأخير. لكن توفيق ما زال يطالب الطيب بإنهاء"موسم الهجرة". يكتب إليه في 27 كانون الأول 1965 وفي 28 شباط فبراير 1966 سائلاً:"اين القصة الطويلة". في حزيران يلتقي توفيق بالطيب في لندن ويخبره أنه يتشوّق الى قراءة"موسم الهجرة". ثم يكرر مُطالبته بها في 11 حزيران يونيو 1966 ويخبره إنه سيكون ثانية في لندن بعد شهر ويأمل بالعودة بمخطوطة موسم الهجرة الى بيروت. ويبدو أن الطيب رفع رايته البيضاء، ففي 19 آب 1966 يكتب توفيق الى الطيب:"أمس بالضبط انتهت السكرتير من دق موسم الهجرة على الآلة، وأنا اليوم عاكف على تصحيح النسخة وإعدادها للطبع. سأسلّمها للمطبعة هذين اليومين، وقد وعدني صاحب المطبعة بأن ينجزها في غضون أيام". ويقترح توفيق في 19 آب 1966 أن يبدأ الطيب بإعداد"عرس الزين"والقصص لإصدارها في كتاب:"عندي فكرة"أن يرسم إبراهيم الصلحي رسوماً لهذا الكتاب. ما رأيك. أعتقد أن الجو السوداني في الزين وفي سواها يحتاج الى رسام سوداني مثله، وأعتقد أن فنّك القصصي إذا ظهر هو وفن الصلحي التصويري في كتاب واحد كان ذلك حدثاً مزدوجاً. هل تراه؟ أيمكن أن تنقل إليه طلبي وتكليفي هذا؟". في 17 أيلول سبتمبر 1966 يبرق الطيب من لندن الى توفيق في بيروت يعلمه أن الصلحي موافق. وفي اليوم نفسه يكتب توفيق رسالة الى الطيب:"اتصلت بالبنك العربي الذي أتعامل معه هنا وطلبت إليه أن يحوّله لك برقياً، عن طريق باركليس، كما أشرت، مبلغ 1400 ليرة لبنانية، هذا أكبر مبلغ صرفته أو سأصرفه قطّ على التحرير. لقد تمتعت بقراءتها من جديد، أثناء تصحيحي للبروفات، أكثر مما كنت قد تمتعت بها أول مرة، حتى. وأنا فخور بنشرها وأتأكد أنها ستكون قنبلة أدبية حين تظهر". ثم ان توفيق يرسل مخطوطة"عرس الزين"والقصص الى إبراهيم الصلحي في السودان في 6 كانون الأول 1966 ويبعث بنسخة من كتابه عن جبران الى الطيب:"فهو الأول في السلسلة التي سيكون كتابك حلقة منها. كتبت للصلحي قبل أيام، وآمل أن أستلم قريباً الرسوم منه"موسم الهجرة"تلاقي استحساناً وإعجاباً شديدين لدى كل القراء. يتحدثون عنها كما لا يتحدثون عن عمل قصصي عربي. الجميع هنا يلهجون باسمك ويثنون على الرواية. محمد الماغوط كتب لي من دمشق يقول إنها"فريدة"وأنها"عمل خارق وكائن لا مثيل لنضرته وحيويته بين عشرات السنين من"الطروح"الأدبية في بلادنا". أما الكويت فقد صادرت العدد الذي يضم روايتك لأنها"تتضمن ألفاظاً وعبارات تتنافى والآداب العامة!". ماذا ترى ? هل تحب أن تقول شيئاً بهذا الصدد؟". في 28 كانون الأول 1966 يرد الطيب برسالة من الخرطوم:"لا أخفي عليك أنني كنت أوطّن نفسي لمواجهة حملة من الجهات المتزمتة، وكنت أحس أن"بنت مجذوب"ستسبب لي صداعاً كبيراً ? بخاصة أنني في وضع دقيق جداً بحكم عملي في وزارة الإعلام. لا أريد أن أعلّق على مصادرة الكويت للعدد. رأيت رسم الصلحي للغلاف. لقد أحسنت صنعاً باختيار عنوان"عرس الزين"وپ"سبع قصص". أرجو ألاّ تُغفل الإهداء. وفي الختام إنني مقدّر لك جداً تشجيعك المتواصل وما تبذله الآن من جهد لإخراج القصص". قضى توفيق الأشهر الأولى من العام 1966 في الإشراف على طبع"عرس الزين"وإخراجه وتصحيحه، وفي آخر نيسان ابريل 1967 صدر الكتاب في حلّة أنيقة وحوّل توفيق في 10 أيار مايو 1967 مكافأة مالية الى الطيب الذي كان قد غادر السودان ثانية واستقر في لندن. ووسط أزمة"حوار"يكتب الطيب من لندن الى توفيق في بيروت رسالة بتاريخ 15/9/1967."لن أستطيع أن أفيك حقك من الشكر، على تشجيعك وعلى أنك تكبّدت مشقة طبع"عرس الزين"في الهيئة المدهشة التي خرج بها. وأرجو ألا يكون خطر لك أي شك، في أنني مع كل أصدقائك هناك، كنت أتابع"أزمتك"بالتوجّس والقلق والأمل، وكان ثمة إحساس بأنك ستتخذ القرار الصحيح. لقد سرّني أنني علمت من دنيس أنك ستمر على لندن ? إنني متأكد من أن هذه الرحلة ستنسيك بعض همومك ? لا بد أحياناً من تغيير المناظر والوجوه والنظر الى الأمور من بعد ? ونحن نترقّب وصولك. أما أنا فإنني ما أزال معلّقاً بين السودان وهنا ? احتمالات العودة النهائية ما تزال قائمة، ولم أكتب شيئاً، وثمة إحساس بالقحط الروحي والعقلي ? على أي حال سنتحدث في كل ذلك. وفي انتظار وصولك لك خالص تحياتي وأيضاً تحيات جولي وزينب". في 24 أيلول يرد توفيق برسالة موجزة يُعلم الطيب فيها أنه سيكون في لندن"في القسم الأول من أكتوبر، لبضعة أيام، وآمل بأن نلتقي ونتحدث مطولاً". في محاضرة ألقاها في قاعة الاجتماعات الكبرى في الجامعة الأميركية في بيروت في 19 أيار مايو 1980 قال الطيب صالح:"كان صديقي الشاعر الفلسطيني توفيق صايغ يحضني على الكتابة وينتظر ما أفرغ منه بأناة وصبر فينشره لي في مجلته"حوار". خسارته كانت فادحة حقيقية، ذلك أن توفيق كان شاعراً مرهفاً ترك أثراً كبيراً عليّ وعلى الكثير من كتّاب جيلي". ثلاث رسائل أخي توفيق، ماذا أقول، سوى شكرك على صبرك وحسن ظنّك؟ منذ سافرت الى بيروت وأنا أتتبع أخبارك وأخبار"حوار"من دنيس، وسرّني أنك نجحت في تثبيت أقدامها وسط عاصفة من سوء الفهم - وقد اطلعت على الأعداد التي أرسلتها إلي فأعجبتني وكنت أودّ أن أكتب لأهنّئك بوجه خاص على قصيدتك"بضع أسئلة لأطرحها على الكركدن". كذلك خطرت لي أفكار، وفعلاً شرعت في كتابة قصة منذ أكثر من عام خصيصاً ل"حوار"وكتبت ثلثيها ثم تركتها! منذ أكثر من عام أيضاً، فرغت من قصة"عرس الزين". وقد جاءت طويلة بين القصة وال Novel، ولعلها تصلح للنشر وحدها. وإنني أبعث اليك فصلين منها أحسب أنهما يصلحان للنشر في حوار، إذ أنهما شبه متكاملين، فإذا رأيت نشرهما فافعل. سأبذل قصارى جهدي في اكمال القصة الجديدة وإرسالها اليك، إذ أنه يسرني ويسعدني أن تنشر لي. لكن لا أظن أن القصة ستكون جاهزة قبل شهر. ولعلني أعد المجموعة أيضاً فوحداتها مكتملة. إنني جد آسف أنني لم أكتب لك قبل الآن، وكانت رسائل الطيبة تصلني فتثير فيّ حماساً، ما يلبث أن يموت في تفاهات العمل والحياة، أضف الى ذلك كسلاً وعزوفاً وقلة اقتناع. وإذا لم يصلك مني كرت لعيد الميلاد، فإنني أهنئك ها هنا سلفاً وإلى اللقاء. أخوك الطيب 19 كانون الأول 1963 عزيزي توفيق، أشكرك على رسالتك الكريمة وتمنياتك الطيبة. إنني ألممت بأطراف من مشكلة يوسف إدريس، التي لا بد أنها سببت لك صداعاً غير قليل. والحقيقة أنا استغربت رفض يوسف إدريس المفاجئ للجائزة، إذ أنه مرّ على لندن في طريقه من بولندا. وحين قابلته كان فرحاً جداً ولم يكن يرى أي مانع من قبولها. والمؤسف أنه، بغير قصد، أثار من جديد الحملة البليدة ضد"حوار"، بقبوله أولاً ثم رفضه ثانياً. ولو أنه رفض من البداية لكان أحسن. على أي حال، إنه كان في حالة من التوتر العصبي والإنهاك العقلي، ولعله لا يدري ما يفعل. وأنا لا أشك في أنك ستبذل مجهوداً كبيراً، حتى تستمر ترجمة قصصه الى الانجليزية، لأنه مهما يكن كاتب لا يشق له غبار في ميدان القصة. وبهذه المناسبة، يا أخي الشاعر العراقي صلاح نيازي ما يفتأ يسألني ماذا حدث لقصيدته. هل قررت نشرها؟ والله إنها قصيد لا بأس بها. وعلى أي الحال الأمر لك.... أما عن"موسم الهجرة"فإنني لسوء الحظ لم أتقدم كثيراً، فقط أؤمل بأن تنحل العقدة دفعة واحدة وحينئذ سأرسلها اليك عن طيب خاطر. وقد سمع فتحي غانم محرر روز اليوسف بأمرها حين كان في لندن مؤخراً وقال إنه سيسلسلها في صباح الخير. ولكنني قلت له إنني وعدت توفيق، وتوفيق ولا غير توفيق هو الذي سينشر القصة. أقول هذا فقط لأؤكد لك أنني سأفي بوعدي، وفي النهاية أخذ"عرس الزين"ووعد أن يشير الى أن فصلين منها نشرا في"حوار". وفتحي غانم شاب دمث جداً، ومهذّب الى أقصى حد، وأظنك، إن لم تكن قابلته من قبل، ستحبه حين تلقاه، إذ ان فيه لمحات منك - إذا صح القول. إنني الآن، أكاد أتغلب على ترددي في قبول الكتابة على إنها مصير لا مفر منه - الى الآن أؤثر أن أرفض قبول هذا المصير. لكنني سأكتب أكثر، ولن أفكر، كما أفعل دائماً، إن كان ما أكتبه يهم أو لا يهم. ولهذا فإنني - إذا كان عرضك الكريم لا يزال قائماً - سأرسل لك ما تجمع لدي من قصص لنشرها. ولا أظن أنني سأجد أيدي أحق بالثقة من يديك. وهذا يذكرني أن سلمى الجيوسي استقر بها المطاف في لندن. وقد قابلتها مرات وأطنبت في مدحك وترسل لك تحياتها وتقول إنها ستكتب اليك. بلّغ تحياتي الى ليلى بعلبكي وزوجها - لماذا لا تعطونها الجائزة؟ - وإلى يوسف ونور سلمان وإلى سكرتيرتك الظريفة وإلى الفنانة الجميلة الموهوبة جوليا ساروفيم. وتقبّل تحيات جولي. أخوك دائماً الطيب وصلت الى توفيق في 7 أيلول 1965 أخي توفيق، تحية ومحبة، كان يجب أن أكتب لك قبل أشهر، وكما هو متوقع تغلّب الكسل، ومرّت الأشهر وتلاحقت الأحداث ثم بلغني دنيس تحياتك وحدثني بأخبارك فعقدت العزم على الكتابة وها أنذا أفلح بعد كل هذه الشهور. والآن كيف أبدأ؟ إنني أرجو ألا يكون صمتي قد زعزع ثقتك في الود العظيم الذي أحسه نحوك. وأنا أيضاً لن أستطيع أن أفيك حقك من الشكر، على تشجعيك وعلى أنك تكبدت مشقة طبع"عرس الزين"في الهيئة المدهشة التي خرج بها. وأيضاً أرجو ألا يكون قد خطر لك أي شك، في أنني مع كل أصدقائك هنا، كنت أتابع"أزمتك"بالتوجس والقلق والأمل، التي هي قمينة بالصديق نحو صديقه. إنما المرء لم يكن يعلم ماذا يفعل، وماذا يقول. وكان ثمة إحساس بأنك ستتخذ القرار الصحيح. ولا بد أنك الآن تحس ببعض خيبة الأمل، الى أن الجهد الشاق الذي بذلته، قد انتهى. ولكن لعله يسري عنك أن تعلم بأن ذلك الجهد لم يذهب سدى، وأن كثيرين من المثقفين العرب الأمناء المتطلعين الى الأفضل - قد مسهم وهج ذلك الجهد النبيل. ومهما يكن فأنت تعلم أنك قد صدقت نفسك وصدقت الآخرين - هذا وحده يكفي.... أما أنا فإنني ما أزال معلقاً بين السودان وهنا - احتمالات العودة النهائية لا تزال قائمة، ولم أكتب شيئاً، وثمة إحساس بالقحط الروحي والعقلي - على أي حال سنتحدث في كل ذلك. وفي انتظار وصولك لك خالص تحياتي وأيضاً تحيات جولي وزينب. أخوك دائماً الطيب 15/9/1967 نشر في العدد: 17125 ت.م: 22-02-2010 ص: 31 ط: الرياض