اشتهر أتوم إيغويان بفضل أفلامه المبنية في غالبيتها حول العلاقة بين المرأة والرجل والأهل والأولاد، فهو يتناول الحب ولكن في صورته الواقعية - على الأقل في نظره الشخصي - المجردة من الشاعرية والتي لا تخلو من الخيانة والجبن والروتين القاتل، فكم من مرة تعرضت حبكات أفلام إيغويان لجرائم القتل في الإطار العائلي. ومن أبرز أعماله"إيغزوتيكا"و?"أينما تكمن الحقيقة"و?"رحلة فيليشيا"، ثم"أرارات"الذي أبرز فيه إيغويان مدى ارتباطه بجذوره الأرمنية، هو الذي ولد في القاهرة وهاجر فتى الى كندا حيث لا يزال يقيم. في فيلمه الجديد"كلويه"من بطولة النجم ليام نيسون ذي الجذور الأرلندية وجوليان مور وأماندا سيفريد التي اكتشفها الجمهور في دور إبنة ميريل ستريب في الفيلم الاستعراضي الناجح"ماما ميا"، يروي إيغويان حكاية زوجة تشك في إخلاص شريك حياتها لها فتستعين بخدمات إمرأة شابة من أجل أن تغري الزوج ثم تروي لها كل تفاصيل ما يحدث بينها وبين الزوج الخائن. وانطلاقاً من هذه النقطة يسحب إيغويان المتفرج في دوامة غامضة من الغش والخداع والجنس والعواطف الملتهبة والمزيفة في آن، إلى حد النهاية غير المتوقعة اطلاقاً. والفيلم مأخوذ أساساً في خطوطه العريضة من عمل سينمائي فرنسي عنوانه"ناتالي"ظهر قبل خمس سنوات، وهو من بطولة جيرار دوبارديو وإيمانويل بيار وفاني أردان، ومن إخراج آن فونتين. وإيغويان متزوج من الممثلة أرسينيه خانجيان التي ظهرت في كل أفلامه باستثناء"كلويه". زار إيغويان باريس للترويج لفيلمه، فالتقته"الحياة"وحاورته. ما الذي جعلك تختار الفيلم الفرنسي"ناتالي"الذي أخرجته آن فونتين قبل خمس سنوات، لتحوله إلى فيلم أميركي بعنوان جديد هو?"كلويه"؟ - أنا مولع بكل ما يمس العلاقات بين البشر، خصوصاً بين الرجال والنساء على صعيد العاطفة والزواج والخيانة ثم علاقة الأولاد بالأهل، وإذا كنت تتابع أفلامي في شكل عام لا بد أن تكون لاحظت كيف إنني أميل إلى معالجة حكايات مستمدة من الواقع الاجتماعي الحديث مثلما فعلت في"رحلة فيليشيا"حيث تناولت مشاكل فتاة مراهقة، وفيلم"أين تكمن الحقيقة"المبني حول واقع فئة محددة من الشباب المتشرد المتأثر بالعنف السائد في المجتمع. وبالنسبة الى فيلم"ناتالي"الفرنسي، فهو كان قد أثار انتباهي حينما شاهدته عند ظهوره في صالات السينما، ولكنني لم أفكر في إعادته إلى الحياة على شكل فيلم جديد ولكن الظروف شاءت أن أحد المنتجين الذين أتعامل معهم عادة اتصل بي وعرض علي الاهتمام بمشروع تحويل هذا الفيلم الأصلي إلى عمل سينمائي أميركي جديد، وأخبرني بأن هناك سيناريو جاهزاً في هذا الشأن. فقرأت النص ووجدته يتضمن أفكاراً إضافية مثيرة للاهتمام بالنسبة الى الفيلم الفرنسي، خصوصاً في العلاقة التي تربط بين الأطراف الثلاثة، الرجل وزوجته والعشيقة المزعومة. وأعجبتني فكرة عدم نقل الفيلم الأساسي حرفياً، فانطلقت في العمل وها هو الثلاثي الجهنمي يعيش من جديد فوق الشاشة في فيلم من إخراجي، وأنا فخور جداً بذلك. صورت فيلمك في تورونتو بكندا وليس في نيويورك مثلاً، فما هي المزايا التي عثرت عليها هناك؟ - الديكور الطبيعي الخلاب والتسهيلات السخية واليد العاملة الماهرة والنفقات القليلة نسبياً بالمقارنة بمثيلتها في مدينة أميركية، وهذا شيء أعجب المنتج، غير أنني أقيم في تورونتو ما وفر علي مشقة الانتقال. ما الذي دفعك إلى الاستعانة بالممثل الإرلندي ليام نيسون لتقمص شخصية الزوج؟ - فكرت طويلاً في الممثل القادر على تقمص مثل هذا الدور الصعب، وامتنعت عن التأثر بما فعله جيرار دوبارديو في الفيلم الفرنسي، إضافة إلى كوني ألقي نظرة خاصة جداً على شخصية هذا الرجل المتزوج الذي يميل إلى مداعبة الشابات ولكن من دون السقوط أبداً في فخ الخيانة الزوجية، إلى أن يجد نفسه في مأزق أكبر من الخيانة، وهو الظلم والاتهام المزيف. لقد أردت الزوج هنا كنوع من المزيج بين الحكمة والجنون، بين العبقرية والأنانية، وأيضاً بين بعد النظر والخوف من أقرب المقربين إليه، وفتشت إذاً عن فنان قد يجمع بين كل هذه المواصفات من خلال نظراته وصوته، ومن دون أن تلعب وسامته أي دور في حياته سوى في ما يخص مداعبته شبه البريئة للنساء الشابات علماً أن سلاحه الأول حتى من هذه الناحية في رأيي، هو ذكاؤه. لقد شاهدت ليام نيسون في أفلام عدة من أهمها"مايكل كولينز"و?"قائمة شيندلر"، ووجدته يقدم الدليل في كل مرة على موهبة درامية فذة تتأرجح بين كل الألوان التمثيلية الموجودة، فطلبت لقاءه وتحدثت معه طويلاً عن شخصية الزوج قبل أن أطلب منه قراءة مشاهد من السيناريو. وأعترف لك بأنني اقتنعت بصلاحيته لأداء الدور فور أن عبر مدخل مكتبي نظراًَ الى ما يحمله من غموض في طريقة سيره وفي عينيه ثم في أسلوب حديثه. لقد قضيت أكثر من سنة معه بين التحضير والتصوير، ولا أزال أعتبره شخصية غامضة ومتقلبة، فهو بلا شك من كبار نجوم السينما العالمية حالياً. ولماذا جوليان مور في شخصية زوجته التي تشك في إخلاصه؟ - ألم تجدها مقنعة في هذا الدور؟ أجل ولكن ما الذي جعلك تفضلها على غيرها؟ - قدرتها على اللعب بملامح وجهها والانتقال من الجاذبية والإغراء إلى الحزن والدراما المتناهية بسهولة فائقة. أردت أن أستخدمها بطريقة تسمح لها بكسر صورتها الراسخة في الأذهان، وأقصد صورة البطلة، لأنني أعلم أنها ممثلة قديرة وجديره بأن تؤدي أصعب الشخصيات. وأعتقد بأنني نجحت في مهمتي وأنها ستفوز بجائزة مرموقة عن دورها في فيلمي. أنت أرمني الجذور ومولود في القاهرة، فما هي الصفات التي تعتبر أنك ورثتها من هذه الناحية على رغم إقامتك في كندا منذ صغرك؟ - ورثت من أمي وأبي حب الفنون التشكيلية، فهما كانا يعملان في هذا المجال، ثم ورثت حب الأكل على الطريقة الشرقية، ولكن أيضاً، وهذا هو الأهم في رأيي، الدفء الإنساني والتعامل مع الأخر بطريقة نعرفها نحن وأقصد أهل الشرق وهي تختلف عما هو متداول في العالم الغربي، وإن كنت لا ألقي اللوم اطلاقاً على الغربيين فهناك بينهم أشخاص في قمة الرقي الإنساني. وعن مصر فأنا أحلم بالعثور على الوقت اللازم للعودة إليها وقضاء فترة طويلة فيها من أجل أن أتعمق في اكتشاف شعبها، ذلك أنني غادرتها في سن الصبا، لكن عائلتي تحدثني كثيراً عن القاهرة وعظمتها وهذا شيء يثير فضولي بطبيعة الحال. وعن أرمينيا، فأنا صورت أحد أفلامي فيها وهو?"رزنامة"ثم أخرجت"أرارات"الذي تناول حكاية أرمنية بحتة. أنا مرتبط إلى حد كبير بجذوري وأؤمن بضرورة شعور المرء بانتمائه إلى أرض وإلى ثقافة وإلى تراث محددين وإلا يكون ضائعاً في غابة لا أول لها ولا آخر. أنت متزوج من الممثلة أرسينيه خانجيان الأرمنية مثلك، فهل تؤمن أيضاً بضرورة الارتباط بشخص من الأصل نفسه؟ - أنا من هذه الناحية لا أؤمن بعقيدة محددة في شكل عام، والذي حدث بالنسبة إلي هو انني تعرفت إلى زوجتي الحالية وكنا لا نزال في سن مبكرة جداً وأحببتها وأحبتني فتزوجنا. وشاء القدر أن تكون أرمنية مثلي. أنا أعتقد في ما يخص علاقتي الزوجية الشخصية، أن الانتماء إلى جذور واحدة يقوي الرباط بين الطرفين، ولكن هذا الكلام لا يخص غير نفسي وزوجتي. أنت بحكم مهنتك تتعرف إلى نساء كثيرات جذابات، وأقصد الممثلات، فكيف تحافظ على صفاء الجو في بيتك بالمقارنة ببطل فيلمك الجديد مثلاً؟ - لست مثل بطل الفيلم اطلاقاً، ولا ألعب بقدرتي على مداعبة النساء، لا الممثلات ولا غيرهن، والأمر يتعلق في النهاية بالجهود التي يبذلها كل شخص من أجل أن يحافظ على علاقته بشريك حياته، وهذه الجهود تظل أساسية مهما طال الزواج، بل أكاد أقول أنها أكثر وجوباً عند المتزوجين منذ فترة طويلة. والثقة أيضاً بين الطرفين هي من العناصر المهمة التي تساهم في الحفاظ على صفاء الجو في البيت. حدثنا عن اختيارك الممثلة الشابة أماندا سيفريد في دور العشيقة المزعومة؟ - كنت في حاجة إلى ممثلة تشع منها البراءة من ناحية والجاذبية الخطيرة من جانب آخر، ذلك أنها في الحبكة تلعب بهذين العنصرين في شخصيتها، شعورياً في بعض الأحيان ولا شعورياً في أوقات أخرى. أنها تمارس لعبة شيطانية تجاه الزوجة، ولكنها في الوقت نفسه تفعل ذلك بسبب حاجتها الماسة إلى اعتراف الآخرين بشخصيتها، فهي مصابة بمرض نفسي اسمه النقص. لقد فرضت سيفريد نفسها علي بطريقة طبيعية ومن دون أن أحتاج إلى مقابلة عشرات الممثلات غيرها من أجل هذا الدور، وذلك بعدما رأيتها في فيلمي"جسد جنيفر"و?"ماما ميا"المختلفين جذرياً بما أن الأول من النوع المخيف والثاني استعراضي هزلي مبني حول أغنيات فريق"أبا"الشهير. لقد وجدتها ممتازة وصادقة في أسلوبها التمثيلي في الفيلمين وأدركت أبعاد طاقتها الفنية، إضافة إلى جمالها الفذ الذي كان لا بد من أن تتصف به ممثلتي حتى يقتنع المتفرج بوقوع الزوج في غرامها إلى حد الجنون. أنا أجدها تشكل مع ليام نيسون ثنائياً من الدرجة الأولى في اللقطات الحميمة التي تجمع بينهما سواء من ناحية العشق أو في الحوار العادي. وكذلك مع جوليان مور أيضاً في المشاهد الطويلة التي تروي فيها العشيقة المزعومة مغامراتها للزوجة المغلوبة على أمرها. أنها المرة الأولى التي لا تظهر زوجتك أرسييه خانجيان في فيلم من إخراجك، فما سبب ذلك؟ - السبب الرئيس هو عدم وجود شخصيات أساسية في هذه الحكاية غير الثلاثي المشكل من الزوج والزوجة والعشيقة المزعومة، والسبب الثاني هو انشغال زوجتي بالعمل في فيلم أخر أثناء قيامي أنا بتصوير"كلويه". نشر في العدد: 17122 ت.م: 19-02-2010 ص: 23 ط: الرياض