تشهد الساحة الداخلية المصرية حالاً من الزخم السياسي المرشح للتصاعد مع اقتراب موعد استحقاقين برلمانيين يجريان بعد أشهر، وصولاً إلى انتخابات الرئاسة في خريف العام المقبل، وإن كانت بوادر التغيير لا تبدو قريبة. ففي الوقت الذي تسابق أحزاب المعارضة المصرية وجماعة"الإخوان المسلمين"الزمن استعداداً لاستحقاق نيابي يجري بعد شهرين، استعدت في المقابل حركات احتجاجية تتقدمها حركة"كفاية"لاستقبال المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي لدى وصوله اليوم إلى القاهرة وهو ما يعطي انطباعاً بأن المعارضة المصرية لم تصل حتى الآن إلى توافق كامل في الرؤى في شأن طريقة التعامل مع الاستحقاقات المقبلة. وكان البرادعي لمّح أخيراً إلى إمكان خوضه المنافسة على منصب رئيس الجمهورية العام المقبل. وعلى مدى الشهرين الأخيرين نشط مدونون وناشطون على شبكة الانترنت وعدد من النخب السياسية في مصر في الترويج لفكرة إعداد استقبال حاشد للبرادعي في المطار لتأييد حقه في الترشح لانتخابات الرئاسة. وشوهدت في الفترة الأخيرة لافتات وملصقات تروّج للبرادعي في الشوارع المصرية، واعتقلت أجهزة الأمن أول من أمس عضوين في حركة شباب"6 أبريل"كانا يقومان بكتابة عبارات تأييد للبرادعي على الجدران. وشمّرت أحزاب المعارضة، في المقابل، عن"زنودها"استعداداً لانتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى الغرفة الثانية في البرلمان المصري والتي تجري في نيسان أبريل المقبل. ويُنظر إلى هذه الانتخابات على أنها"اختبار حقيقي لقوة المعارضة". وناقش الرئيس المصري حسني مبارك أمس مع الحزب الوطني الحاكم استعداداته لدخول انتخابات الشورى. ويفتح الباب في نهاية آذار مارس المقبل للانتخاب على 132 مقعداً هي نصف عدد مقاعد مجلس الشورى، ومن حق الرئيس المصري تعيين ثلث هذه المقاعد 44 مقعداً فيما تتنافس المعارضة والحزب الحاكم على الثلثين الباقيين 88 مقعداً. وتتوزع هذه المقاعد على دوائر في المحافظات المصرية كافة. وأكد رئيس الكتلة البرلمانية لجماعة"الإخوان"عضو مكتب الإرشاد النائب سعد الكتاتني استعداد جماعته لدخول الانتخابات المقبلة بقوة. وأعلن ل"الحياة"أن جماعة الإخوان خاطبت مكاتبها الادارية في المحافظات لدرس الأعداد التي سيُدفع بها في انتخابات الشورى. غير أن مصدراً قيادياً في الجماعة أكد في المقابل ل"الحياة"أن مشاركة الاخوان في انتخابات الشورى ستكون محدودة للغاية ولن يتم الدفع بأكثر من 20 مرشحاً. وقال:"الجماعة لا ترغب في صدام باكر مع أجهزة الأمن وتهدف إلى تفادي ضربات أمنية واسعة قبل انتخابات مجلس الشعب"التي تجري في تشرين الأول أكتوبر المقبل والتي تُعد أكثر أهمية بالنسبة إلى الجماعة. وأوضح:"الهدف من دخول الانتخابات طرح أسماء المرشحين على الشارع كذلك الترويج لبرامج الإخوان في وسائل الإعلام قبل الدخول في معترك انتخابات مجلس الشعب". وأكد رئيس حزب الوفد الدكتور محمود أباظة أن ائتلاف المعارضة والمكون من أحزاب الوفد والتجمع والجبهة الديموقراطية والناصري، سيواصل المشاورات خلال الأيام المقبلة بهدف تنسيق الرؤى والتحركات والدفع بالمرشحين في انتخابات الشورى. غير أنه في الوقت ذاته أكد أنه لا تنسيق بين حزب الوفد وجماعة الإخوان. وأوضح ل"الحياة":"برنامج الإخوان الذي أعلنت عنه الجماعة قبل سنوات عدة يختلف في جوانب عدة مع برنامج الوفد". وأشار إلى"أن"الوفد"لديه ركائز عدة في مسألة المواطنة والتعامل مع المرأة وهو ما نختلف فيه مع برنامج عمل الإخوان". ولفت أباظة إلى أن مشاركة الأحزاب ستكون محدودة في انتخابات الشورى. وقال:"ندخر جهودنا إلى انتخابات الشعب"في تشرين الأول أكتوبر المقبل. وشدد على أن"الوفد"يدخل الانتخابات التشريعية"بهدف تقديم البديل الآمن للنظام الحاكم"حالياً، مشيراً إلى تحركات يجريها قادة"الوفد"وبالتنسيق مع قادة إئتلاف المعارضة"بهدف تقديم برنامجنا الحزبي وحشد الدعم الشعبي خلفه". ونبه أباظة إلى أن البلاد تمر ب"مرحلة في غاية الخطورة"، مشدداً على"ضرورة أن يحظى خليفة الرئيس مبارك بالشرعية من خلال الدعم الشعبي... وإذا لم يتمكن من ذلك ستكون الأمور في غاية الصعوبة". وأشار أباظة إلى"أن مسألة ترشيح الدكتور محمد البرادعي في انتخابات الرائسة المقبلة على قوائم حزب"الوفد"غير واردة على الإطلاق ولم يتم عرضها بالأساس. فالوفد لديه استحقاقات تبدأ بانتخابات الشورى وبعدها الانتخابات الداخلية في أيار مايو المقبل قبل الدخول في انتخابات مجلس الشعب"، مشيراً إلى أن هذه الاستحقاقات ستحدد في شكل كبير مرشح"الوفد"في انتخابات الرئاسة وإن كان لن يخرج عن أعضاء الهيئة العليا الحالية. واستعرض الرئيس حسني مبارك أمس عدداً من التقارير الخاصة بأداء الحزب الوطني خلال الفترة الماضية والخطط المستقبلية للتحرك الحزبي لتحسين الخدمات المقدمة للجماهير، واستعدادات الحزب لانتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى في نيسان أبريل المقبل. وقال الأمين العام للحزب الوطني صفوت الشريف إن مبارك استمع إلى تقرير حول تحركات الحزب في الدوائر استعداداً لدخول انتخابات الشورى، وأوضح الشريف أن الفترة المقبلة ستركز على حسن اختيار الحزب لمرشحيه في انتخابات مجلس الشورى واستطلاعات الرأي حول الأداء الحزبي في الشارع المصري، مضيفاً أنه يتم حالياً أيضاً وضع الخطوط العريضة للبرنامج الانتخابي والتي تتسق مع المرحلة الحالية للبرنامج الرئاسي الذي طرحه مبارك في الانتخابات الرئاسية العام 2005 واستكماله وأيضاً الرؤية المستقبلية لما بعد 2010. وقال الشريف:"تكليفات الرئيس مبارك خلال المرحلة المقبلة أكدت ضرورة تفعيل القاعدة الحزبية والالتحام بالمواطنين والتعرف الى مشاكلهم ومعايشة هذه المشاكل، وتأكيد البعد الاجتماعي للحزب". ولفت الشريف إلى أن مبارك وجّه بضرورة أن تكون عضوية الحزب حقيقية ومرتبطة بالالتزام الحزبي وأن تكون لكل عضو بطاقة انتخابية. من جهتها، استعدت النخب المصرية وقادة عدد من الحركات الاحتجاجية لاستقبال الدكتور محمد البرادعي لدى وصوله إلى مطار القاهرة ظهر اليوم. وقال القيادي البارز في حركة كفاية جورج اسحاق"إن نحو 30 من الشخصيات العامة سيتقدمون مسيرات لاستقبال البرادعي"، وأشار إلى أن من بين هؤلاء الأشخاص المستشار محمود الخضيري ورئيس حركة"لا للتوريث"الدكتور حسن نفعة، إضافة إلى عدد من قادة"كفاية"و"شباب 6 أبريل". غير أن مصادر أمنية قالت ل"الحياة"إن الأجهزة الأمنية لا تمانع في استقبال البرادعي، غير أنها في الوقت ذاته حذّرت من أن أي تجمعات"سيتم مواجهتها". وقالت:"لا يمكننا القبول بأعمال شغب أو أفعال من شأنها تكدير الأمن والسلم العامين في البلاد". وأشارت إلى أن إجراءات سيتم اتباعها اليوم أمام مطار القاهرة الدولي والشوارع المؤدية إليه"لمنع أي تجمهرات تضر بالأمن العام". إلا أن جورج اسحاق قال بنبرة تحدٍ:"سنذهب لاستقبال البرادعي حتى لو تم اعتقالنا جميعاً... هدفنا الترحيب بالرجل ولن نقوم بأي أعمال شغب أو تجمهر مثلما تردد الأجهزة الأمنية". وأعلن إسحاق ل"الحياة"أن اجتماعاً سيتم عقده مع البرادعي في حضور عدد من الشخصيات العامة والنخب السياسية المصرية في 23 الشهر الجاري يتم فيه درس الخطوات التي من الممكن اتباعها في الفترة المقبلة. وكان البرادعي الحائز على جائزة نوبل للسلام العام 2005 لمّح في تصريحات عدة أدلى بها إلى إمكان خوضه سباق الانتخابات الرئاسة لكنه وضع شروطاً لذلك اعتبرها مراقبون في مصر"تعجيزية" نشر في العدد: 17122 ت.م: 2010-02-19 ص: 13 ط: الرياض