كشف السناتور الألماني الفخري ياسين دغمش من أصل سوري مؤخراً، النقاب عن جهود قام بها مع وفد ألماني رفيع المستوى، زار بغداد عشية بدء الغزو الأميركي للعراق وتحديداً في 08/03/2003. وكيف ان الوفد المؤلف من الوزير السابق بيتر غارفيلر والنائب في حينه في البرلمان الألماني"البوندستاغ"، والنائب الدكتور فيلمافيمر الأمين العام السابق للبوندستاغ، تحركا بقرار من الحزب الديموقراطي المسيحي، الحزب الأكبر في المعارضة الألمانية في حينه، قبل ان يتسلم الحكم بعدها برئاسة انغيلا مركل. متوافقاً مع الاتجاه الرسمي للدولة برئاسة المستشار شرودر برفض الحرب على العراق، ومحاولة انقاذ ما يمكن انقاذه. فقام بالزيارة بهدف لقاء الرئيس العراقي السابق صدام حسين لإقناعه القيام بإجراء ما يقنع الأميركيين بوقف الغزو. وعلى رغم ان الزيارة تم تحضيرها بسرية تامة فكان عنوانها، لمن علم بها، هو الاطلاع على أوضاع المسيحيين في العراق ومحاولة تجنبهم ويلات الحرب في حال اندلاعها، فقد بدأت المفاجآت. لم تكن طريق بغداد سالكة في حينه لا سيما في ظل الحصار الأميركي بحراً وجواً، إلا عبر مطاري عمانودمشق. فسعى رئيس الوفد غارفلير الذي هو بالمناسبة من أكبر محامي ألمانيا، مع صديقه السناتور ياسين دغمش، لتأمين سفر الوفد من طريق مطار دمشق ومرافقته في زيارة بغداد للقاء الرئيس العراقي. وفي اليوم المقرر للسفر، وفي مطار دمشق، اُبلغ السناتور دغمش من جهات ألمانية بعدم مرافقة الوفد الى بغداد، مع رسالة تحذير مبطنة، ولا يدري الى الآن ما هي الجهة التي أوعزت بذلك. ثم كانت المفاجأة الثانية بعد وصول الوفد الألماني الى بغداد، وهي إلغاء الموعد المرتقب مع الرئيس صدام حسين، فاقتصرت الزيارة على الاجتماع ببعض رؤساء الطوائف المسيحية. عاد الوفد الألماني بعد أقل من يومين الى دمشق وتحديداً بتاريخ 10/03/2003 صباحاً، بجهود حثيثة من السيد دغمش بعدما تبين ان جهة ما، ألغت الحجوزات المقررة للوفد من بغداد الى دمشق بتاريخه، وفشلت جهود السفير الألماني في العراق بتأمين أمكنة في الطائرة الأخيرة التي غادرت بغداد. قبل عودة الوفد الى ألمانيا، بعد هذه الزيارة المحبطة من طريق الفاتيكان لإبلاغ الكرسي الرسولي عن نتائجها، حيث سبق الزيارة جهد شخصي ومبادرة من قداسة البابا الراحل الذي زاره الوفد قبل انطلاقه الى الشرق الأوسط. طلب الوفد يرافقه السناتور دغمش لقاءً سريعاً مع البطريرك صفير في بكركي لإطلاعه على أوضاع المسيحيين في العراق، وتخوفهم على مصيرهم بعد الاحتلال الأميركي. تم اللقاء مع البطريرك بحضور كاتب هذه السطور وما قاله الوفد الألماني أمامه عن تهجير المسيحيين العراقيين المرتقب بعد الاحتلال الذي بدأ بعد سبع سنوات من الاحتلال العراقي... واقعاً ملموساً. فمسيحيو العراق الذين مضى على وجودهم 1800 سنة أو أكثر والذين كان عددهم عشية سقوط بغداد يقارب المليون نسمة لم يبق منهم اليوم اكثر من مائتي ألف. منهم من يكافح من أجل البقاء ومنهم من يستعد للرحيل. بعد عودة الوفد نشرت وسائل الاعلام الألمانية مقابلة مع النائب Willy Wimmer، وفي ما يأتي بعض ما جاء في المقابلة: عن السياسي المنتمي الى الحزب الديمقراطي المسيحي الالماني السيد Willy Wimmer بعد عودته من بغداد وحول خطر تصادم حضارات ومجابهة ما لا يمكن تفاديه. السيد Peter Gauweiler من الحزب الاشتراكي المسيحي الألماني والسيد willy wimmer من الحزب الديموقراطي المسيحي الألماني كانا قبل عدة أيام في بغداد واجتمعا مع رئيس الكنيسة الأرمنية ومع عدد من رؤساء التجمعات المسيحية. وبعدها زاروا الفاتيكان حيث قدموا تقريرهم الى الكاردينال Joseph Rarzinger. قالا إن التجمعات المسيحية في العراق هي في حالة عدم استقرار كامل حالياً ولديهم خوف الاستمرارية. خلال وجودك في بغداد هل شعرت بوعي الناس للأخطار المرتقبة من الحرب؟ - يحصل الناس على القسم الأكبر من الأغذية من 45000 مركز لتوزيع الأغذية والتي يديرها موظفو الأممالمتحدة. عندما وصلنا بدأ عدد كبير من موظفي الأممالمتحدة يغادر العراق باتجاه قبرص بما يعني ان هذا المصدر لتأمين سبل العيش بدأ ينهار. عدا عن ذلك يعلم الانسان ما هي النتائج الرهيبة المترتبة على الغارات الجوية المرتقبة على بغداد. كان الناس يعلمون بوجود خطط أميركية تقضي بقصف بغداد بما لا يقل عن 3000 صاروخ مما يعني القضاء على قسم كبير من الحياة المدنية ونحن نفكر دائماً بالأرقام التي حصلنا عليها من منظمة ِAmnesty العفو الدولية والتي تبيّن ان عدد القتلى في أيام الحرب الأولى سوف يتعدى ال 300 ألف شخص وعدد اللاجئين يفوق الخمسة ملايين، ويجب ان نعي ماذا تعني تلك الأرقام. كيف كان يتم تبادل المعلومات بين الناس هناك؟ - كان لدى جميع العراقيين الذين اجتمعنا بهم قدر كبير من المعلومات التي حصلوا عليها من مصادر عدة. وهناك 200 ألف عراقي كانوا هربوا الى سورية وعشرات الآلاف الى أوروبا وكندا والولاياتالمتحدة، وهؤلاء كان لهم اتصال دائم بعائلاتهم في العراق، وعدا عن ذلك فإن محطة ال BBC يمكن سماعها هناك، ومن تلك المصادر كانت تأتي المعلومات. ما هي الاستعدادات للدفاع عن بلادهم؟ - خلال وجودنا هناك رأينا في الشوارع بعض الخنادق وأكياس الرمل ولكن ليس بالشكل الكبير الذي يثير الانتباه. إن أكبر كمية من أكياس الرمل المعدة للحماية كانت موجودة عند السفارة الألمانية. ماذا يمكنك القول عن التجمعات المسيحية هناك؟ - انها من أقدم التجمعات المسيحية في العالم وعددهم حوالى 800 ألف شخص تقريباً. وحيث أن لنا خبرة بالتجاوزات التي تحصل على الكنائس المسيحية، فقد فوجئنا حقيقةً عندما اطّلعنا انه فقط في بغداد هناك 53 تجمعاً وما يتبع ذلك من كنائس من دون أية مضايقات، مما يدل على كون الوضع طبيعياً. ويذكر ان زعماء الكنائس أخبرونا انه نتيجة لحرب الخليج الثانية وما تبعها من مقاطعة للعراق فإن ثلث التجمعات المسيحية قد فارق الحياة أو غادر البلاد. كما علمنا فإنك قد نقلت تقويمك الى الكاردينال Ratzinger في الفاتيكان، ما هي ردود الفعل التي ظهرت منه بناءً على هذا التقرير؟ - كنا اتفقنا على عدم البوح بمضمون هذه المقابلة. على كل احسسنا في شكل واضح بالخوف من انه في حال حصول حرب في هذه المنطقة، والتي تعتبر مهد المسيحية، فإن المجتمعات المسيحية سوف تهدم كلياً وذلك لأن الناس هناك إما سيقتلون من القنابل والصواريخ او انهم سيهربون بشكل جماعي الى الشتات. هل هذا لأن المسلمين يعتبرون تصرفات الولاياتالمتحدة هي تصرفات مسيحيين ضد المسلمين؟ - نعم، فلا يجب أن ننسى أن بين المغرب وإندونيسيا هناك الملايين من المسيحيين الذين يعيشون والذين سيتهدد بقاؤهم في حال حدوث هذه الحرب. ان هناك خطر اصطدام حضارتين من أكبر حضارات العالم تلك الحضارتين اللتين كانتا تعتمدان على التعاون المشترك وهذا قد يصل الى صدام كوني لا يمكن حسبان عواقبه. وهناك أيضاً الخوف من تفاقم الخلافات بين مذاهب الاسلام المختلفة. في بغداد فقط والتي يسكنها حوالي 6 ملايين نسمة هنالك حوالى 2 مليون شيعي وهناك الخوف انه في حال انعدام السيطرة فإن صدامات دموية قد تحصل بحيث تتم تصفية حسابات عمرها مئات السنين لتصفية الجالية السنية التي تتمتع بامتيازات عدة. لقد كنا دائماً نسأل أنفسنا كيف يمكن أن يعيش الناس في بلد مثل ألمانيا في حال تعرضوا لكل تلك التهديدات؟ انه في بغداد مع كل تلك المخاطر فإن الحياة الطبيعية تسير بنظام، ولم نر ما يدل على فقدان السيطرة، وأنا لم أرى في حياتي أناس، يعيشون مرحلة فقد الآمال ومع ذلك يظهرون أكبر قدر من العزة بالنفس. هل استشعرت من خلال أحاديثك حلاً عراقياً مثل الاستسلام قبل ان تبدأ الحرب؟ - لم نقابل أي مسؤول عراقي وبغض النظر عن ذلك فإنه ليس هنالك مجال لأية توقعات، انك تعني ان يكون هنالك حل من دون ان يقوم الأميركيون بدخول العراق، ولكن جميع الاشارات تدل على انهم سيدخلون العراق في اية حال وتحت اية ظروف. ان نفي او استقالة صدام ليس حلاً. وهذا هو سبب الطريق المسدود لأن الجميع يعرف ان هذا العالم الذي نعرفه سينتهي خلال الاسبوعين المقبلين واني أسأل نفسي إن كنا قد أصبحنا قاب قوسين أو أقرب من ساراييفو وصيف 1914. هل برأيك ان ما عشناه في الأسابيع الماضية يعني أيضاً ان منظمة الأممالمتحدة تحاول الوقوف بوجه عاصفة لا يمكن مقاومتها؟ - مع كل المخاطر التي تجابهها الأممالمتحدة فإنها لم تكن مهمة في تاريخها مثل أهميتها اليوم بغض النظر عن أزمة كوبا ولا نستطيع ان نتخيل عالماً يكون مبنياً على المصالح ولا تكون هذه المنظمة موجودة فيه. أسألك كسياسي منتم الى الحزب الديموقراطي المسيحي وعضو في البرلمان، ما هو في رأيك الاسلوب الذي يجب أن يتعامل به حزب مع الأميركيين في هذه الظروف التي خرجوا بها عن نطاق الأممالمتحدة؟ - السيدة مركل والسيد ستويبر أجابا تكراراً منذ آب أغسطس 2002 وفي شكل صريح على هذا السؤال، بحيث أن الأزمة يجب ان تحلّ وتحت كل الظروف من خلال الأممالمتحدة، وهذا الهدف يجب أن نتابعه دوماً وتحت كل الظروف ويجب أن نبذل جهدنا وبسبب الأهوال التي قد تنتج لئلا نقوم بسكب البنزين على النار ونحن طبعاً نعني نار الأميركيين. واليوم، نرى ويرى الكثيرون بأن الوفد الألماني كان استقرأ قبل سبع سنوات نتائج الغزو الأميركي، وهي: تقسيم العراق وشرذمته، تهجير المسيحيين، الصراع بين السنة والشيعة. والبقية تأتي. * باحث استراتيجي لبناني نشر في العدد: 17120 ت.م: 17-02-2010 ص: 23 ط: الرياض