لا يمكن أن يلتئم تجمع مشابه لشبان غاضبين وساخطين على غرار الذي شهدته بعض ساحات موسكو في الحادي عشر من كانون الاول ديسمبر بين النازيين الجدد ورجال الشرطة، إلا في دولة تعاني مشكلات عميقة في تماسكها الاجتماعي وفي البطالة والتعايش بين أشخاص من أصول عرقية مختلفة. هذه هي الفدية التي تدفعها المدينةالموسكوفية الكبيرة. وبحسب ما أعلم، فإن الشتات القوقازي يسيطر على تجارة المخدرات والدعارة، وهي مجالات"تغطيها"الشرطة. وتبدي الدولة اهتماماً ضئيلاً بمعالجة المسائل تلك. ومن الغباء إناطة مشكلة العلاقات العرقية ببضعة آلاف من الشبان الروس، من دون البحث في أسباب أخرى. هذا هو الوضع في أيامنا. المسؤولون ليسوا أولئك الآتين للبحث عن عمل في روسيا، ولا الشبان الذين يتظاهرون في الشوارع، بل السلطة التي تترك الامور على غاربها. ما الذي تكشفه اضطرابات الحادي عشر من كانون الأول؟ أنها تعلن وجود حركة في روسيا يمكننا ? مع بعض المبالغة - اعتبارها حركة يمينية أو قومية يمينية أي معادية للأجانب وتنتمي إلى اليمين المتطرف، قوية لكنها تفتقر الى التنظيم. وإذا سعى أحد ما إلى السيطرة على الحركة تلك وإلى تنظيمها، ستصبح حركة ضخمة. وعلى نقيض ما يجري مع المعارضة اليسارية، تجازف السلطة بعدم احتواء الحركة هذه. أولئك"الناشي""جماعتنا"، وهو تنظيم للشبان موال لرئيس الوزراء فلاديمير بوتين أو"الحرس الفتي"منظمة شبابية أخرى لن يمدوا للسلطة يد العون. لقد باتت القوة تلك خارج نطاق السيطرة، فلا منظمات الشباب ولا قوى الامن قادرة على التحكم بها. والشبان الذين شاركوا في الصدامات عند ساحة مانيج في موسكو يتقنون استخدام الاسلحة البيضاء. وأسلحة أخرى. وإذا كانت الطبقة المثقفة هي التي نزلت إلى الشوارع في العام 1993، للتصدي لمحاولة الشيوعيين السيطرة على الحكم، فاليوم نرى ذئاب حضرية، ورجالاً قادرين على خوض حرب عصابات إذا لم تتبن السلطة الموقف المناسب حيالهم. لم تبن القوة هذه هيكلية واضحة، ولم تقسم في صفوف، ولا تتكئ على ايديولوجية وليس في وسع أحد السيطرة عليها. هذا مؤكد. بيد أنه ينبغي الانتباه، فكل عصيان وكل ثورة في الشارع تجند على الفور آلاف الأشخاص، وإذا اندلعت أعمال العنف، ستجذب اناساً لا يمكن الاشتباه حتى في قدرتهم على المشاركة في أعمال كهذه. لا أقول إن كل هذا سيقع غداً، فمن الممكن أن ينحسر التوتر وألا تكون له أي تبعات. يتوقف ذلك على الظروف، وقد رأينا سابقاً في موسكو تظاهرات احتشد فيها 150 ألف شخص، في حين يصعب حالياً جمع ألف وخمسمئة. أين اختفت إذاً كل الطاقة تلك؟ هذا أمر غامض بالنسبة لي. يمكن للطاقة هذه أن تتبدد، كما يمكنها ان تنفجر. ويصعب في روسيا التكهن بالمستقبل. وشعور المواطن يكتنفه الضلال، ويسعى كل إلى مصلحته الخاصة. في عالم السياسة، على سبيل المثال، لم ينجح أحد في إعادة حشد قوى اليمين أو قوى اليسار. في الخارج، سواء في اليونان أو في فرنسا، لا توجد معارضات على الدرجة هذه من التخاصم بين بعضها. يشعر هناك مؤيدو اليمين واليسار بالانتماء الى البلد ذاته. في روسيا، لا يشعر الناس ان الارض التي يقفون عليها هي لهم. لهذا السبب لن تسفر الاضطرابات تلك عن شيء. وسيجري اعتقال زعيم المشاركين في التظاهرات والحكم عليه وخوض بعض النقاشات مع الشبان وستفتح الشرطة ملفات البعض منهم. لكن الأمر لن يمضي ابعد من ذلك، فالدولة لا تسعى الى فهم الأسباب الحقيقية لما حصل، انها تهتم بالعواقب وليس بالأسباب. أتحدث بصفتي مقاتلاً سابقاً في القوات الخاصة وكشخص يمارس منذ زمن بعيد النشاط المعارض ويعرف اعضاء الحركات اليمينية المتطرفة. * كاتب وناشط في الحزب البلشفي القومي، عن"إزفستيا"الروسية، 16/12/2010، إعداد حسام عيتاني