يؤكد الفيلسوف الألماني آكسيل هونيث أن"الاعتراف أكبر من مجرد قواعد قانونية. لقد جاء هيغل من هولدرلين، وأكبر اكتشاف لهما هو الحب كشكل من أشكال الاعتراف المتبادل. تلك كانت التجربة الأصلية لهيغل". لكن، ألا نظلم الحب حين ننزل به إلى التاريخ أو إلى الواقع؟ حين نربطه بالاعتراف؟ نختزله في منطق؟ ألم يكن صادقاً الممثل إيفرت ماكغيل وهو يقول في فيلم:"أحمق، من يبحث عن منطق في دهاليز القلب البشري"؟ ومع ذلك، فإن الفلسفة لم تتوقف عن القيام بشيء آخر، في نزوعها المستمر ورغبتها العنيفة في الإمساك بحقائق الأشياء والعواطف، إلا أن المعاصرين يفضلون الحديث عن الجنس أكثر من الحديث عن الحب، هذا ما لمسه رولان بارت بوضوح، مؤكداً أن الأمر يعود إلى ان الحب مقلق وضارب في الخصوصية، وأنه يصعب الصدع به، إظهاره أو التفكير فيه. وكما أوضح الفيلسوف الفرنسي آندريه كومت - سبونفيل في كتابه"طعم العيش"، فإن"الجنس أصبح قاعدة، يتوجب علينا الخضوع لها والحب استثناء"... وبلغة أخرى، يربط المعاصرون بالحب كل الصفات السلبية، فهو مرض، وهو تعبير عن الضعف وأقرب إلى اللغز. لهذا على كل عقل سليم أن يحمي نفسه من السقوط في هوته التي لا أول لها ولا قرار. ويؤكد كومت - سبونفيل أهمية الحب، على الأقل لأنه يسمح لنا بالتمييز بين من نحبهم ومن لا نعطيهم أدنى قيمة. ويعرض كومت - سبونفيل لرأي سبينوزا الذي يوضح هذه"القدرة التمييزية"للحب، قائلاً"ان الأشياء التي لا نحبها، لا يحدث حولها خصام، ولا نحزن لاندثارها كما لا نشعر بالغيرة إذا سقطت بين ايدي الآخرين"، وبلغة أخرى: لا وجود لحب من دون ألم. وعلى رغم أن حياتنا ستكون أكثر راحة من دون حب، إلا أنها ستكون في الآن نفسه أقل حياة. إن الحب أكبر من مجرد اعتراف متبادل، إنه ما يعطي حياتنا معنى، قد لا نجده في كل الفلسفات والأرصدة المصرفية أو العلاقات الجنسية العابرة. إن"الانسان لا يمكنه العيش بلا حب، يقول سبينوزا، فالحب ما يمنحه القدرة على الحياة"، وحتى الفيلسوف، لا شيء يعصف بكيانه مثل الحب، وبلغة أخرى، سرعان ما تنهار عقلانيته الباردة أمام الحب، أو أمام المرأة. هذا على الأقل ما يكتبه ألان باديو في"مديح الحب"، منطلقاً من مقولة أفلاطون:"من لا يبدأ من الحب، لن يفهم البتة معنى الفلسفة". إلا أن الحب عند أفلاطون ارتبط دائماً بالخير أو الحكمة، كما ارتبط عند كيركغارد بالرب، وليس بالآخر. إنه حب داخل مبدأ الواحد. وليكن، فلدى أفلاطون كما لدى كيركغارد مثل الحب مغامرة داخلية وحياتية عظيمة، نحن في أشد الحاجة إليها في زمن الوصلات الإشهارية المعاصرة التي تتحدث عن حب من دون ألم وتضحية، وبلا مغامرة، إنه حب سريع، يقبل البيع والشراء مثل أي بضاعة أخرى، أو هو"التصور الأمني عن الحب"كما كتب باديو، تصور كان فيلهلم رايش قد انتقده بشدة في خطابه إلى الرجل الصغير، تصور يقتل الحب ويجهز على شعريته الوجودية. محق باديو وهو يطالب، شأنه في ذلك شأن رامبو بإعادة خلق الحب، لكنه يتعجل في حكمه على ليفيناس، ونظرته إلى الحب، إلى حب الآخر، أو إلى هذا الحب المطلق للآخر، لأنه حب غير مشروط، حب هو خروج من الذات أو خروج عليها... الآخر المطلق لا يتحقق كإيمان وإنما كعلاقة بالآخر وفناء فيه. إنه حب خارج مبدأ الواحد، وخارج الأخلاق التي تأسست على ذاتوية حرة. إنني لا أحب لأنني حر، بل إن الحب تجاوز للحرية، ولأنه كذلك، فهو أكبر من الأخلاق. إنه تمرد على مبدأ الهوية كما كتب باديو في نهاية كتابه، في لغة سيوران:"مديح للبعاد".