تطوير قطاع النقل الخليجي يخفض انبعاثات الكربون حتى 40%    معرض سوق السفر السعودي 2025 الاثنين القادم    استخدام التقنيات الجيوفضائية لتحسين الزراعة    اللجنة المشتركة لتحديد الاحتياجات التنموية لليمن تعقد اجتماعها ال22    نخبة نجوم الجولف يفتتحون موسم دوري lIVGO    الاتفاق يتلقى خسارته الأولى أمام الرفاع البحريني في دوري أبطال الخليج للأندية    الأخضر "تحت 20 عاماً" يواجه إيران ودياً في معسكره الإعدادي في الصين    ريال مدريد يتأهل لنصف نهائي كأس ملك إسبانيا بفوز قاتل على ليغانيس    منصات التوصيل النسائية تنافس تطبيقات المشاوير    تكريم عراب التدوين القشعمي بملتقى قراءة النص    ألما يعرض 30 عملا للفنانة وفاء الشهراني    العلم.. أداة الفهم والتقدم الإنساني    اكتشف قدراتك الكامنة    اللُّؤْلُؤ الْمَكْنُون    مركز القرار.. السياسة الإنسانية الحصيفة تنشر السلام    فريق عمل مشروع توثيق البطولات: لم نعتمد أي إحصائيات أو أرقام    قليلاً من العقل يا فخامة الرئيس    بنوكنا: نعتذر عن تنفيذ الخدمة!    أمر ملكي يعزز النزاهة ويعيد المال العام    ثبات محمد بن سلمان    فلسطين.. من رسالة المؤسس إلى رسالة المجدد!    صفحة بيت    الهلال بلا إعلام !    الجابر يدافع عن البليهي ويستنكر ما حدث من جمهور الهلال    إقامة ورشة عمل حول " توسيع أفق بحوث العلاج في أمراض الروماتيزم " الملتقى العلمي الدولي ٢٠٢٥    اكتمال الخطة التنفيذية لبرنامج الاستدامة المالية    رويبو يوضح أن ترامب يريد خروج سكان غزة مؤقتا ريثما تجري إعادة إعمار القطاع    هاتفياً... ولي العهد يبحث تطورات الأوضاع الإقليمية مع ملك الأردن    السعودية: الدولة الفلسطينية ليست محل تفاوض ولا تنازلات    القبض على نيبالي في الشرقية لترويجه الحشيش    تحالف شركات مجرية يستعد للاستثمار بالتقنية والرقمنة في المملكة    رصد التربيع الأول لشهر شعبان في سماء المملكة    جازان تحصد الذهبي والفضي في جسور التواصل    جلطات الزنجبيل تستنفر الصحة وتحيل مدعي الطب البديل للجهات المختصة    واشنطن: العجز التجاري يرتفع.. والواردات لمستوى قياسي    سعود بن مشعل يدشّن 179 مشروعًا تعليميًا في جدة ومكة    موسم الرياض يرعى حفل الزواج الجماعي ل 300 عريس    أمانة الشرقية والسجل العقاري يقيمان ورشة رحلة التسجيل العيني للعقار    إنطلاق المؤتمر ال 32 لمستجدات الطب الباطني وأمراض الكلى بالخبر    هداية" تحتفي بإنجازاتها لعام 2024.. أكثر من 1500 مسلم جديد خلال العام    أمين القصيم يلتقي مستشار معالي رئيس الهيئة السعودية للمياه    وزير الحرس الوطني يستقبل سفير البوسنة والهرسك لدى المملكة    نائب أمير الشرقية يستقبل قائد القوة الخاصة للأمن البيئي بالمنطقة    محافظ الأحساء يشهد ملتقى "المدن المبدعة" في اليونسكو العالمية    القبض على مواطن لنقله 3 مخالفين لنظام أمن الحدود    «صحة جازان»: خطط لتطوير القطاع غير الربحي    طالبتان من الطائف يحصلن على المستوى الذهبي وطالبتان تفوزان في مسابقة تحدي الإلقاء للأطفال    مدفوعة برؤية 2030.. 7 مستشفيات سعودية ضمن أفضل 250 مستشفى عالمياً    محادثات بين الشرع وأردوغان لتعزيز العلاقات والتعاون الدفاعي    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية والرئيس الألماني    بيئة حيوية    تحديث بيانات مقدمي الإفطار الرمضاني بالمسجد النبوي    وزارة الصحة بالمدينة المنورة تنظم دورة تدريبية للمتطوعين الصحيين    شتان بين القناص ومن ترك (الفلوس)    بقعة زيت قلبت سيارتها 4 مرات.. نجاة ابنة المنتصر بالله من الموت    الرئيس السوري أحمد الشرع يغادر جدة    رئيس الوزراء الصومالي يصل إلى جدة    العلاقات بين الذل والكرامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بيروت وبغداد : متوازيات تاريخية
نشر في الحياة يوم 23 - 10 - 2010

كانت الصورة الشرق أوسطية في ربيع عام 1941 قاتمة أمام رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل، الذي بقي وحيداً في الصيف السابق أمام هتلر بالقارة الأوروبية بعد استسلام فرنسا ونشوء حكومة فيشي الموالية للألمان التي أدارت الجزء الجنوبي من فرنسا والمستعمرات الفرنسية، حيث وصل رومل إلى الحدود الليبية المصرية، وأصبحت الحكومة العراقية برئاسة رشيد عالي الكيلاني موالية للألمان، فيما لم يعد يخفي الملك المصري وشاه ايران نيتهما للتخلص من السيطرة الإنكليزية والاستعانة بالألمان، ويلوِّح عصمت إينونو في أنقرة بتكرار مافعله السلطان العثماني في الحرب العالمية الأولى مع الألمان ضد الإنكليز إن لم يقبض فواتير تدفعها لندن كما فعلت باريس قبيل قليل من نشوب الحرب العالمية الثانية في الأول من أيلول سبتمبر 1939عبر لواء الإسكندرونة: رأى تشرشل، في الأسبوع الأخير من نيسان ابريل الذي شهد وصول الألمان لساحل البحر المتوسط عبر احتلال اليونان، أن المفتاح أمام لندن من أجل قلب تلك اللوحة الشرق أوسطية هو في بغداد.
من هنا، بدأت في يوم 2 أيار مايو 1941 وحتى اليوم الأخير من الشهر حرب بريطانية ضد الحكومة العراقية، انطلاقاً من قوات أتت من الهند ونزلت في البصرة بالجنوب وأيضاً من قاعدة الحبانية البريطانية في وسط العراق. كان سقوط بغداد أمام الإنكليز مؤدياً عند تشرشل إلى خطوة ثانية هي في بيروت حيث مقر الجنرال دنتز، المفوض السامي الفرنسي في سوريا ولبنان ، والذي كان موالياً لحكومة فيشي والذي سمح للطائرات الألمانية باستخدام مطارات تدمر والنيرب حلب لنقل المساعدات لحكومة الكيلاني: حصلت هذه الخطوة البريطانية الثانية في يوم 8 حزيران يونيو، أي بعد ثمانية أيام من احتلال الإنكليز بغداد، عبر هجوم من فلسطين باتجاه لبنان وسوريا من خلال محاور ثلاثة الناقورة - مرجعيون - القنيطرة ومن محور شرقي عبر خط بغداد - تدمر- حمص. كان استسلام الجنرال دنتز في يوم 12 تموز يوليو، بعد أن وصلت القوات الأسترالية لقرب أميال ستة من مقر المفوضية الفرنسية ببيروت عبر خط الدامور، مؤدياً إلى مشهد شرق أوسطي جديد لمصلحة البريطانيين أمكنهم من عزل شاه ايران في يوم 26 أيلول وتنصيب ابنه وإجبار تركيا على الحياد في الحرب ثم من فرض حكومة النحاس باشا بالقاهرة على الملك فاروق إثر اقتحام الدبابات البريطانية قصر عابدين في يوم 4 شباط فبراير 1942، قبل أن يشرعوا لاحقاً في هزيمة رومل بالعلمين 23 تشرين الأول /أكتوبر/ 1942.
أيضاً، كانت المحاولة من أجل ترتيب شرق أوسط ما بعد الحرب العالمية الثانية منطلقة من بلاد الرافدين عبر انشاء حلف بغداد في يوم25 شباط 1955برعاية لندن المهجوسة بالحفاظ على نفوذها في المنطقة وبرضا واشنطن القلقة من السوفيات وامتدادهم للمنطقة. كانت بيروت من أكثر العواصم العربية اضطراباً بفعل ذلك الحدث الذي أدى إلى صراع مصري - عراقي، وأقل منها في ذلك كانت دمشق التي مالت موازينها الداخلية نحو مصر منذ صيف 1955. أتى هذا الاضطراب اللبناني بفعل عواطف وميول الرئيس كميل شمعون نحو الغرب، الذي اتجه بشقه الأوروبي وإلى حد أقل الأميركي نحو مجابهة الرئيس عبدالناصر في النصف الثاني من ذلك العام، فيما كان الشارع المسلم اللبناني بعواطفه مع القاهرة. لم يؤد قرار الرئيس شمعون بعدم الانضمام إلى حلف بغداد لتخفيف الاحتقان، وكان اختياره"الحياد"بين بغداد والقاهرة مؤدياً لجعله ناراً تحت الرماد. من هنا، كانت الموافقة اللبنانية على مشروع أيزنهاور- 5 كانون الثاني/ يناير 1957، عبر البيان اللبناني- الأميركي في 16آذار1957، مؤدية إلى انفجار لبناني أولي في حوادث مظاهرات30 أيار1957، بعد أن توضَح مشروع الرئيس الأميركي بوصفه محاولة لترميم وتعزيز حلف بغداد بعد الفشل البريطاني في حرب السويس وذلك من خلال انضمام واشنطن للجنة العسكرية لحلف بغداد في ذلك الشهر الذي صدر فيه ذلك البيان اللبناني- الأميركي.
كانت تلك التظاهرات نذيراً بقرب انفجار لبنان بين معسكرين محليين، على ضوء ذلك الصراع بين القاهرة وخصومها الدوليين والإقليميين، وهو ماحصل لأشهر عدة أعقبت يوم 8 أيار 1958. هذه المرة أيضاً، كانت بيروت ولمرة جديدة متأثرة فورياً بما جرى في بغداد يوم سقوط الحكم الملكي في 14 تموز 1958، والذي يروي رئيس الوزراء اللبناني سامي الصلح في مذكراته ص659 يومها سؤاله التالي لنفسه:"أراد الرئيس عبد الناصر أن يضرب لبنان فلم يصب الهدف، فضرب العراق ليستولي على ملايينه وبتروله؟!"، حيث تشارك الرئيس أيزنهاور والرئيس اللبناني في الخوف من أن تكون بيروت هي التالية بعد بغداد في"لعبة الدومينو"، وهو ما قاد في اليوم الثاني لذلك الحدث البغدادي إلى نزول القوات الأميركية عند الشاطىء اللبناني. هنا، قاد اكتشاف أيزنهاور وعبد الناصر السريع لقوة النفوذ الشيوعي في الحكم العراقي الجديد، والذي جمع بين الموالاة لموسكو والعداء للناصرية، إلى اجتماعهما على مرشح تسوية للرئاسة اللبنانية هو اللواء فؤاد شهاب الذي انتخبه البرلمان اللبناني في يوم 31 تموز 1958، ولتكون الشهابية عنواناً لاستقرار لبناني استمر حتى نيسان 1969، عندما بدأت نذر انفجار جديد في بلاد الأرز بفعل الانقسام المحلي حول الوجود الفلسطيني المسلح.
من جديد، حصل شيء قريب من تلك التأثيرات بين بيروت وبغداد عندما كانت العملية العسكرية السورية ضد الجنرال ميشال عون القابع في قصر بعبدا يوم13 تشرين أول1990على خلفية الأجواء الجديدة التي قادت إليها عملية غزو العراق للكويت في يوم 2 آب1990 الذي أدى وقوف دمشق ضد ذلك الغزو إلى تأمين مظلة دولية - اقليمية كبرى لعمليتها تلك في بيروت. ولكن، إذا أردنا الدقة، فإن ما جرى في يوم 2 أيلول 2004، أي يوم صدور القرار 1559، كان تكراراً كبيراً لوضعية تشرشل في عام1941، حيث كان صدور ذلك القرار الدولي عن مجلس الأمن بدفع أميركي ناتجاً من الخلاف السوري - الأميركي الكبير حول العراق المغزو والمحتل، ويبدو أن جورج بوش الإبن، الذي بدأ من بغداد"لإعادة صياغة المنطقة"، قد أراد التثنية من بيروت وعينه على دمشق المتصادمة والمختلفة معه وربما أيضاً طهران التي كانت مازالت على تحالف مع واشنطن في العملية العراقية قبل أن يؤدي استئنافها لبرنامج تخصيب اليورانيوم في 8 آب 2005 إلى صدام ايراني- أميركي ساهم بدوره في زيادة الحريق اللبناني اشتعالاً بعد أن بدأ اشتعاله على خلفية القرار 1559 ثم انقسام اللبنانيين بين معسكري 8 آذار2005 و14آذار2005، ليكون القرار 1559 بداية لمنعطف لبناني ونهاية مرحلة ما بعد 13 تشرين أول1990 وبداية لمرحلة جديدة مازالت بلاد الأرز تعيشها لست سنوات ونيِف من يوم صدور ذلك القرار في 2 أيلول 2004.
* كاتب سوري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.