في 29 أيلول سبتمبر الماضي، أقر مجلس الشيوخ الأميركي قانوناً يعاقب الصين على احجامها عن تخفيض سعر عملتها، وذلك برفع الضرائب الجمركية الأميركية على السلع الصينية. والقانون هذا هو في احسن الأحوال شكلي، وفي أسوئها ديماغوجي وخطير. وهو لن يذلل مشكلة خلل الميزان التجاري بين الولاياتالمتحدةوالصين. وهو مرآة مشاعر معادية للصين في أميركا تغفل تحديات دخول امبراطورية الوسط في طور جديد من مسار نموها. ولا شك في ان الصين تُحدد سعر صرف اليوان بأدنى من قيمته الفعلية ليتسنى لمصانعها بيع السلع الإلكترونية بأسعار بخسة، في الأسواق الخارجية. ولكن تخفيض سعر اليوان هو عامل واحد فحسب من سلسلة عوامل - منها الأجور المنخفضة القيمة، وبنية تحتية عظيمة، والانفتاح على قطاع الأعمال، ونقابات مدجنة، وقوة عاملة نشيطة - أسهمت في تكريس مكانة الصين ورشة العالم. ورفع سعر اليوان ليس عصا سحرية تقلب الأوضاع. فالشركات الصينية تُصنع السلع بكلفة تقل ب 25 في المئة عن نظيرها في المصانع الأميركية. وارتفاع اسعار السلع الصينية 20 في المئة إذا امتنعت بكين عن دعم سعر عملتها وتركت قيمتها ترتفع ازاء الدولار نحو 20 في المئة، لن يقوي قدرة السلع الأميركية التنافسية. وأغلب الظن أن تقطف دولٌُ الأجور فيها منخفضة، مثل فيتنام والهند وبنغلادش، ثمار ارتفاع سعر اليوان. فهي تصنع سلعاً شبيهة بالسلع الصينية. والحق أن التاريخ يعيد نفسه. فبين تموز يوليو 2005 وتموز 2008، استجابت بكين دعوات واشنطن الملحة، وسمحت بارتفاع سعر اليوان 21 في المئة ازاء الدولار. وعلى رغم رفع قيمة اليوان، لم تتراجع حجم الصادارات الصينية الى اميركا. وفي 1985، حمل اتفاق لقاءات بلازا اليابان على رفع سعر الين، نزولاً على إلحاح الولاياتالمتحدة. ولكن ارتفاع سعر الين 50 في المئة لم يرفع قدرة السلع الأميركية التنافسية. ولاحظ الباحث في جامعة يال، ستيفين روش، أن سعر الدولار انخفض 23 في المئة ازاء عملات شركائنا التجاريين، منذ 2002 الى اليوم. ولم يؤد ذلك الى طفرة في الصادرات الأميركية. ويفوق معدل السلع التي تستوردها الولاياتالمتحدة من 90 بلداً معدل الصادرات. ولكن هل مرد ذلك الى تلاعب تلك الدول بأسعار عملاتها أم الى اختيار الأميركيين ترجيح كفة الاستهلاك على الاستثمار والتصنيع؟ وليس اغراق السلع الصينية الرخيصة أسواقنا هو التحدي الفعلي الذي يواجهنا. فالصين ترتقي في سلم التصنيع. وهذا الارتقاء قد يكون اكبر تحدٍ جدي للاقتصاد الأميركي. وطوال العقود الثلاثة الماضية، انصرفت الصين الى بناء بنية تحتية متطورة. ولم تستثمر في شعبها، وترفع كفاءاته المهنية والعملية. فهي رمت الى تصنيع سلع رخيصة ثانوية. وترتب على ذلك بناء مصانع ضخمة، وشق طرق دولية المواصفات، وتشييد مطارات وموانئ واسعة. وأنجزت الصين بناء هذه المرافق بسرعة كبيرة لم تعرفها البشرية من قبل. واليوم، تسعى الصين في تصنيع سلع عالية الجودة وتقديم خدمات متطورة. وتفترض الأهداف هذه الاستثمار في الرأسمال البشري استثماراً كبيراً. ومنذ 1998 الى اليوم، زادت بكين استثمارها في توسيع القطاع التعليمي، وارتفعت حصة القطاع هذا من الناتج المحلي 3 أضعاف ما كانت عليه في السابق. وفي عقد واحد، تضاعف عدد الجامعات في الصين، وازداد عدد الطلاب 5 اضعاف. فارتفع من مليون طالب، في 1997، الى 5،5 مليون طالب، في 2007. وفي وقت تهتز اسس الجامعات بأميركا وأوروبا جراء تقليص موازناتها، تزدهر الجامعات الصينية، وترفع موازناتها المالية. ويبدو أن الصين بدأت ترتقي على سلم الصناعات والأعمال التي كانت، الى وقت قريب، حكراً على العالم الغربي. وليس رفع الضرائب الجمركية على السلع الصينية هو الرد على التحدي الفعلي. والرد قد يكون المبادرة الى اصلاحات بنيوية والاستثمار على نحوٍ يبعث دينامية اقتصادية، وتزيد تنافسية العمال. وحريّ بالجمهوريين والديموقراطيين الإجماع على مثل هذا الرد. * مُعلق، عن "تايم" البريطانية 18 \ 10 \ 2010، اعداد م.ن.