تخرّج مدارس الضفة والقطاع كل عام حوالى 90 ألف طالب، يواجهون صعوبة الالتحاق بسوق العمل بسبب ارتفاع نسبة البطالة التي تصل في غزة وفق تقديرات جهاز الإحصاء المركزي الفلسطينية الى 35 في المئة، وفي الضفة 28 في المئة، وكذلك صعوبة الالتحاق بالجامعات في الخارج، سواء في العالم العربي أو غيره بسبب صعوبة الظروف المادية. هذا الواقع مقروناً بالرغبة المعروفة لدى الفلسطينيين في الإقبال على التعليم، الذي كان في ضوء معاناتهم التاريخية أهم سند لهم في محن التشرد واللجوء. بدأ إنشاء جامعات فلسطينية في اوائل السبعينات من القرن الماضي من طريق تحويل معاهد متوسطة الى جامعات، بدأ ذلك في جامعة بيرزيت بمنطقة رام الله ثم في جامعة النجاح في نابلس، وتتابع إنشاء جامعات جديدة في القدس والخليل وغزة وجنين الى أن وصلت الى 13 جامعة. في البداية اقتصرت التخصصات على المجالات النظرية كالآداب والعلوم والاقتصاد وما شابه، اما اليوم فقد توسع التعليم العالي في فلسطين ليضم تخصصات عملية وحيوية كالهندسة وتكنولوجيا الاتصال والمعلومات وكذلك الطلب. وبسبب خصوصية الواقع الذي تعيشه الأراضي المحتلة، فقد لعبت الجامعات، وخاصة الحركات الطلابية فيها دوراً استثنائياً في الحياة العامة، وخاصة السياسية. ذلك ان غياب حكومة وطنية ونزاعات مقاومة الاحتلال والتصدي له في مرحلة ما قبل قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، جعل من هذه الجامعات، خصوصاً في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، قلاعاً وقواعد لتنظيم الجهد الجماهيري والتحريضي ضد الاحتلال، وأصبح طلبة الجامعات رأس الحربة بالنسبة للحركة الوطنية في الأراضي المحتلة، الأمر الذي ادى الى إجراءات قمعية شملت إغلاقات متكررة، واعتقالات كثيرة وحتى استشهاد طلبة في المواجهات مع قوات الاحتلال. في مرحلة نشوء السلطة، لعبت الجامعات دوراً هاماً في عملية البناء، سواء على مستوى رفد المؤسسات العامة الناشئة بالكوادر الخبيرة والمتعلمة، أو بتوفير الخبرات والخدمات والاستشارات بكل الأشكال المتاحة، وأصبح أساتذة الجامعات المحلية، وكذلك خريجوها، أحد مكونات اجهزة السلطة، بعد الكوادر التي عادت مع منظمة التحرير من الخارج. لكن الانقسام السياسي والجغرافي الذي ساد الوطن الفلسطيني المحتل في السنتين الأخيرتين، عكس نفسه سلباً على دور الحركة الطالبية التي شلها الانقسام الى حد بعيد وتراجع دورها في الحياة العامة نسبياً. اما المشكلة المزمنة التي يعانيها التعليم العالي فهي الناحية المالية. ذلك ان أكثرية هذه الجامعات هي جامعات عامة، أي غير حكومية بل يملكها ويتولى مسؤوليتها اكثرية مجالس امناء مسجلة بحسب قانون الجمعيات الخيرية غير الربحية، وإن كانت كلها تخضع لقانون التعليم العالي الذي تشرف على تنفيذه وزارة التعليم والتعليم العالي. باستثناء جامعة واحدة خاصة وجامعتين حكوميتين واحدة في غزة وأخرى في الضفة. وتشكل أقساط الطلبة وهي محددة بالمعايير العالمية وحتى العربية حيث لا يتجاوز قسط الطالب في المعدل ألف دولار في العام النسبة الأكبر من موازنات الجامعات، وتساهم الحكومة الفلسطينية بقدر محدود، الأمر الذي يجعل العامل المادي العقبة الأساسية امام التوسع والتطور النوعي، ويضعف قدرة الجامعات على استقطاب الكفاءات الأكاديمية، ويصعب المحافظة على الموجود منها، وشهدت السنوات الأخيرة، في ظل الأزمة المالية العالمية، ظاهرة هجرة الأدمغة الأكاديمية الى الخارج خاصة الى الخليج العربي. ولعب رجال الأعمال الفلسطينيون الناجحون في الخارج دوراً هاماً في تمويل إنشاء أكثرية الكليات والمباني في معظم الجامعات الفلسطينية. * رئيس المكتب الصحافي الحكومي في رام الله. النائب السابق لرئيس جامعة بيرزيت.