في السينما التركية تتعايش الميلودراما الفجة مع الأفلام الطليعية، لكن هذه الحالة مختلفة تماماً عن حالة المسلسلات التركية الطويلة جداً. وإذا رغبت في معرفة كل التفاصيل في كل المسلسلات التركية المدبلجة التي تتواصل، وتعاد، عروضها في بعض القنوات العربية، فما عليك إلا أن تشاهد الحلقتين الأولى والأخيرة من كل مسلسل، ثم تحشو ما بينهما بمشاهد مكررة من البكاء والعنف والتعذيب والمطاردات والاغتصاب والخطف واستخدام المسدسات والخناجر بكثافة تنجم عنها كثافة في زيارة المشافي والسجون، مع أحداث مكررة من الطلاق والزواج والصراع على رعاية الأطفال. بين هذا وذاك مشاهد سياحية مقحمة على شواطئ البوسفور وجسر اسطنبول المعلق، والآثار التاريخية، والقلاع والمساجد العملاقة والزوارق السياحية، إضافة الى المطاعم والفنادق والسيارات الفخمة، والاستخدام المفرط لمكالمات الخليوي، وهي وجبة دسمة، تنحشر فيها عشرات من أنواع التوابل الهندية الحارقة، إلى جانب خليط من عصائر الثمار الفجة. إنها الميلودراما التي تسوقها المصادفات الحلوة والمرة معاً، ويتعايش فيها الجمال الطبيعي مع البشاعة، والترف في المظاهر، مع الفقر في الإبداع. وللحب الساذج نصيبه الوافر من الدموع والغيرة والشك والخيانة والفراق والألم، ثم التوبة أحياناً. ومن عصابة إلى عصابة مضادة، ينتصر البطل الفرد في صراعات مجانية، لا تجد مبرراً لها إلا في تمجيد البطولات الخارقة، في غياب القانون الذي لا يتدخل إلا نادراً، وبعد حسم الصراع بالقتل والقتل المضاد، في مشاهد دموية بشعة ومؤذية، ولا وظيفة لها سوى بث الرعب في قلوب المشاهدين وعيونهم، قبل محاولة إنعاشهم بمشاهد رومانسية مفتعلة. وإذا كانت الأفلام والمسلسلات الجيدة تعتمد على النصوص الجيدة فإن في تركيا كتاباً على مستوى عالمي، مثل يشار كمال وعزيز نيسين وأورهان كمال وأورهان باموق حامل جائزة نوبل، كما أن لها رصيداً جيداً من المخرجين البارزين مثل الراحل يلماز غوني ونوري جيلان، حاملي السعفة الذهبية في مهرجان كان، لكن منتجي ومخرجي المسلسلات الميلودرامية الفجة لا يعرفون، أو لا يريدون أن يتعلموا، كيف يصنعون فناً يحمل المتعة والجمال معاً. نشر في العدد: 16975 ت.م: 25-09-2009 ص: 26 ط: الرياض