لا شك في أن وراء قرار الإدارة الأميركية إرجاء نشر عناصر الدرع الصاروخية الأميركية في تشيخيا وبولونيا يندرج في سياق السعي في التوصل الى نظام جديد للدفاع الصاروخي أقل كلفة، وأكثر فاعلية وسرعة. وإيران لن تمتلك، قريباً، صواريخ باليستية بعيدة المدى. وفي السابق، رفضت روسيا رفضاً قاطعاً مشروع نشر الدرع الصاروخية الأميركية بأوروبا الشرقية. ورهنت موسكو توقيعها على معاهدة تقليص الأسلحة النووية الهجومية"ستارت 2"بالأسلحة الدفاعية، ومنها الدرع الصاروخية الأميركية بأوروبا الشرقية. ورحبت أوروبا الغربية بالقرار الأميركي. فهي تسعى في تبديد التوتر مع روسيا. وانقسمت مواقف القوى السياسية في تشيخيا بين مؤيد ومعارض للقرار الأميركي. ووحدها بولندا عارضت القرار، ورأت أنها فقدت حليفاً استراتيجياً في مواجهة الخطر الروسي، هو الولاياتالمتحدة. واستقبلت روسيا قرار الإدارة الأميركية بموقف حذر ومتحفظ. فمشروع نشر عناصر الدرع الصاروخية لم يطو نهائياً، بل أرجئ. وتبحث واشنطن عن بدائل له. ولا يمكن الكلام عن نجاح ديبلوماسي روسي، إلا بعد التأكد من أن البدائل هذه لا تقوض المصالح الروسية من وجه آخر. وتستسيغ موسكو تنسيق الولاياتالمتحدة الخطوات معها للتوصل الى نظام يحافظ على أمنها، وأمن أوروبا وأوراسيا معاً. وأغلب الظن ألا تمتلك إيران صواريخ بعيدة المدى قبل نحو 5 أعوام. وهذا الوقت يكفي للتعاون بين واشنطنوموسكو لمواجهة الصواريخ الإيرانية العابرة للقارات، وإنشاء مركز مشترك لتبادل المعلومات. وأظهر أوباما انه لا يملك أفكاراً جديدة فحسب، بل يملك الشجاعة الكافية لتنفيذها. وقراره الأخير قد يعبد الطريق أمام حوار جدي بين واشنطنوموسكو لحل مشكلات تؤثر سلباً في العلاقات الأميركية ? الروسية، ومنها برنامج التسلح النووي الإيراني، ومعاهدة"ستارت 2". وموسكو مدعوة الى التجاوب مع المبادرة الأميركية، والامتناع من بيع إيران صواريخ س-300 الدفاعية، والموافقة على قرار الأممالمتحدة تشديد العقوبات ضد إيران عند صدروه. ولا شك في أن القرار الأميركي يسهم في إبرام الاتفاق النهائي على معاهدة"ستارت ?2 سريعاً"، على رغم أن روسيا سبق لها أن قدمت خدمة كبيرة للولايات المتحدة يوم أجازت انتقال قواتها الى أفغانستان عبر أراضيها ومجالها الجوي. ويبدو أن واشنطن لن تتخلى عن دول أوروبا الشرقية. وأوباما، بعد أن أعاد الدفء الى العلاقات مع فرنسا وألمانيا اللتين رفضتا الحرب الأميركية على العراق، قد ينهي انقسام أوروبا اثنتين: واحدة قديمة وأخرى جديدة. فهو اقترح إنشاء تكتل يجمع الشركاء الأوروبيين في إطار الاتحاد الأوروبي و"الناتو". وقد يفضي التضامن بين الأوروبيين الى بروز تعقيدات جدية في الحوار بين روسيا والاتحاد الأوروبي. * صحافي، عن"نيزفيسيميا"الروسية 18 /9/ 2009، إعداد علي ماجد نشر في العدد: 16973 ت.م: 23-09-2009 ص: 22 ط: الرياض