أوضح تصريح وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، في 23 شباط (فبراير) 2010 نظرة الولاياتالمتحدة و «الناتو» الى التعاون الاستراتيجي مع روسيا، والمشكلات التي تعترضه، والخلافات بين الجهتين. وذهبت وزيرة الخارجية الى أن جسر التعاون هو مجلس روسيا - الناتو ومنظمة الأمن والتعاون في اوروبا. ورفضت مشروع ميدفيديف ودعوته الى إعادة النظر في نظام الأمن الأوروبي المشترك. وترى الولاياتالمتحدة ان مجلس روسيا - «الناتو» يدحض العقيدة العسكرية الروسية، وهي تحمل توسيع «الناتو»، ونشاطاته الشاملة، على خطر عسكري يتهدد روسيا. وانتقدت كلينتون تلكؤ روسيا عن سحب قواتها من جورجيا، وانتهاكها حقوق الإنسان. وكررت احترام الولاياتالمتحدة مبدأ وحدة أراضي وسيادة جميع البلدان. فجاء الرد الروسي حذراً ومشككاً، ومطالباً واشنطن و «الناتو» بمعالجة أكثر صراحة لمسائل تراها روسيا أساسية. فواشنطن لم تتخل عن التوسع شرقاً صوب الحدود الروسية، ولا عن سعيها في ضم جورجيا وأوكرانيا الى «الناتو». وهي ترفض، مع حلفائها، عقد معاهدة جديدة للأمن الأوروبي الشامل، على رغم إقرارها بأن المشروع الروسي لهندسة الأمن الأوروبي يتضمن «نواة غنية جداً». وهي قررت نشر صواريخ باتريوت - 3، الدفاعية التكتيكة، ببولونيا، وتحاول، من وراء ظهر روسيا، الاتفاق مع رومانيا وبلغاريا على نشر عناصر درعها الصاروخية الدفاعية الجديدة. وتشم روسيا من هذه السياسات رائحة «الحرب الباردة». ولا ترى تجميل دور مجلس روسيا - «الناتو»، وهو من مؤسسات الشراكة الأطلسية ووظائف منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. فما ترغب موسكو فيه هو «السلام المتكافئ، الثابت والأبدي في أوروبا». وهي لم تلمس رغبة أميركية حقيقية في إشراك أحد في التحكم بالدرع الصاروخية. وترفض موسكو المشاركة في بناء نظام الدرع الصاروخية الشامل الجديد من غير تقديم واشنطن تصوراً واضحاً، مفصلاً ودقيقاً، عنها. وتعتقد روسيا أن التعاون على إنشاء الدرع الصاروخية يجب أن يتضمن، أولاً، التوجه الى المعتدي المحتمل، إيران وكوريا الشمالية. ولا يبعث على التفاؤل حصر إسهام شركاء أميركا في الدرع الصاروخية في تقديم أراضيهم لنشر الدرع عليها وحسب. وليس ثمة مبرر لذعر روسيا من الدرع الصاروخية الأميركية غير الاستراتيجية، المنوي نشرها في جنوب شرقي أوروبا، وعلى السفن الحربية الأميركية المرابطة في البحر المتوسط والخليج الفارسي. فهي لا تستطيع صدر الصواريخ الباليستية الروسية، وتقتصر على اعتراض الصواريخ الإيرانية والكورية الشمالية، المتوسطة المدى. ولكن روسيا تتوجس من إعلان خطة البنتاغون إجراء تعديل جديد على نظام صاروخ «إيجيس»، وتطويره الى مستوى صد الصواريخ البالستية. ويؤدي هذا الى إخلال في توازن الردع النووي المتبادل. والمؤسف هو أن الصواريخ المتوسطة المدى التي تملكها البلدان الآسيوية في مقدورها إصابة أهداف على الأراضي الروسية، وليس الأميركية. ولعل الأمر يستحق تعاوناً روسياً - أميركياً. وتصر موسكو، في المفاوضة على ستارت - 2 لتقليص الأسلحة الهجومية الاستراتيجية النووية، على ربط تقليص الأسلحة الهجومية بتقليص الأسلحة الدفاعية. وعلى رغم إقرار الولاياتالمتحدة بتحقيقه علاقة بين النوعين من الأسلحة، لا تزال تحاول التملص من الربط بينهما خشية رفض الكونغرس المصادقة على المعاهدة. والقرار الروسي بنشر صواريخ «اسكندر» المتطورة في منطقة كالينينغراد يندرج في إطار خطة الإصلاح العسكري الجديدة، فوق ما هو رد على الدرع الصاروخية الأميركية المزمعة. * أكاديمي، ومدير معهد الولاياتالمتحدة وكندا بأكاديمية العلوم الروسية، عن «نيزفيسيميا» الروسية، 25/2/2010، إعداد علي ماجد