بين يديّ خبر مثير، ويحمل في طياته كل جوانب"الجاذبية السلبية"، التي تبحث عنها وسائل إعلامنا العربية، التي تزج بنفسها في ما يعنيها وما لا يعنيها! ومع هذا فالخبر مرَّ مرور الكرام من دون كثير اعتناء من وسائل الإعلام العربي المقروء أو المرئي! الخبر الذي تقشعر له الأبدان، يشير إلى جريمة حدثت داخل محكمة في ألمانيا، حيث قام شاب ألماني"متطرف"بطعن سيدة مصرية حتى الموت في حادثة أخرى من حوادث جرائم الكراهية ضد المسلمين، التي ازدادت وتيرتها أخيراً في أوروبا بشكل ملموس. ولعل جوانب الإثارة التي تغري وسائل الإعلام بالتسابق لنقل هذا الخبر، وإفراد البرامج المخصصة له لا تحتاج إلى مزيد إيضاح. فهذه جريمة من"جرائم الكراهية"، التي تحرّمها القوانين الدولية والداخلية في كل بلد، والقاتل رجل والمقتولة امرأة، والجريمة تمت في ساحة المحكمة، وليس في ساحة المعركة، والسبب هو ارتداء المرأة الحجاب! جالت في ذهني أسئلة شتى لم أستطع الإجابة عليها: كيف يستطيع شخص أن يقتل آخر في وسط قاعة المحكمة، وتحت نظر وسمع القاضي، وبوجود شرطة المحكمة، وباستخدام سكين وليس مسدساً، الأمر الذي يستغرق وقتاً ليس بالقصير لإتمام الجريمة، ثم بعد ذلك يتحول الجاني إلى زوج المرأة، الذي هبَّ للدفاع عن زوجته، فيطعنه طعنات عدة كذلك؟ أليس من الغريب أن تتحول المحكمة إلى"حمام دم"من رجل سبق أن هدد المرأة المقتولة مرات - وليس مرة واحدة - وبعلم المحكمة، وهو ما يسمى في القانون الجنائي"سبق الإصرار"ومن يدري فربما كان هناك"سبق ترصد"أيضاً؟ فالمرأة التي كانت حاملاً في شهرها الثالث، كانت تعرضت لمضايقات من الرجل ذاته مرات عدة، الأمر الذي دعاها إلى تقديم شكوى ضده في المحكمة، والتي حكمت على الرجل بغرامة مالية، بسبب ملاحقته لها وإيذائها ووسمها ب"الإرهابية". ثم كيف يمكن قبول خطأ شرطي مدرب أفضل تدريب، حين قام بإطلاق النار على زوج المرأة بدلاً من الجاني؟ هذه الأسئلة لا تشير بأي شكل إلى تهمة تواطؤ من المحكمة في هذه القضية، ولكنها أسئلة من حقها أن تطرح حين تغافلت عنها وسائل الإعلام الغربية، التي أعطت تغطية متواضعة لهذا الحدث، على رغم خطورته وغرابته! إضافةً إلى ذلك، فإن تجنب وسائل الإعلام الغربية إطلاق لفظ"إرهابي"على القاتل، والاكتفاء بالإشارة إليه بلفظ"القاتل"أو"الفاعل"أو"الجاني"، أمر لا يقلل من تهمة انحياز الإعلام الغربي ضد المسلمين! وبغض النظر عن تجاهل وسائل الإعلام الغربية للكثير من جرائم الكراهية ضد المسلمين في أوروبا عموماً ومنها هذه الحادثة، فإن تغافل الإعلام العربي عن هذه المأساة، والذي تعامل مع هذا الخبر وكأنه لا يعنيه، أمر لا يمكن تبريره! ترى لو كان العكس هو الحال، بمعنى لو كان القاتل مسلماً والمقتولة امرأة ألمانية حاملاً في شهرها الثالث، ووقعت جريمة كتلك في بلد مسلم يطبق الشريعة الإسلامية، كيف كانت ستكون التغطية الإعلامية الغربية والعربية لمثل هذا الخبر الشنيع؟ هل ستكتفي وسائل الإعلام الغربية المتبوعة، ووسائل الإعلام العربية التابعة بنقل الخبر بشكل مجرد؟ أم أن الخبر الذي كان سيحمل عنوان"إرهابي مسلم يقتل ألمانية في ساحة المحكمة"سيحظى ب"تغطية خاصة"في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، ويتم استطلاع رأي الشارع الغربي والعربي حول جرائم"الإرهاب الإسلامي"، وظاهرة"الفاشية الإسلامية"، بحيث يتم إلصاق عبارات الوحشية والهمجية والبربرية والإرهاب ليس فقط بالفاعل، وإنما بالنظام القضائي الشرعي الذي سيتهم بأنه يشجع على وقوع مثل هذه الجرائم؟ الحقيقة المرة هي أن وسائل الإعلام الغربية في غالبها تتعامل مع حوادث"الإرهاب"بصفته"ماركة مسجلة"للمسلمين فقط. ومن هذا الباب يتم تجاهل مثل هذه الحوادث الإرهابية، وإن عظمت خطورتها، ولعل هذا يشرح أسباب إعراض إعلامنا العربي عن تغطية هذه الحادثة الإرهابية، إذ لا تزال غالب وسائل إعلامنا العربية تردد ما يقال في وسائل الإعلام الغربية بطريق أو بآخر! وواقع الأمر أن جرائم الكراهية ضد المسلمين في أوروبا تزداد يوماً بعد يوم، وهناك اليوم حملة علنية شنيعة ضد هجرة مواطنين من بلاد مسلمة إلى أوروبا بسبب انتمائهم الديني! فقبل فترة وصلني بالبريد الإلكتروني شريط مصور تم إعداده وإذاعته في كندا التي أصبحت زيادة أعداد المهاجرين المسلمين إليها ظاهرة ملحوظة. الشريط التحريضي - الذي أعد من جمعية للإنجيليين المسيحيين - يحمل في طياته دعوة مباشرة لوقف هجرة المسلمين إلى الدول الغربية عموماً، مقدماً دراسات بالأرقام عن"الزيادة الخطرة"لأعداد المسلمين في عدد من الدول الغربية التي ستتحول - بحسب البرنامج المذاع - إلى"جمهوريات إسلامية"خلال النصف الأول من هذا القرن إن لم يتم وقف الهجرة الإسلامية إليها! كنت أظن أن إذاعة برنامج مثل هذا وبشكل تحريضي قد تكون لها عواقب وخيمة، خصوصاً أن مثل هذا الأمر يأتي مخالفاً للقوانين الدولية التي أشرت في مقال الأسبوع الماضي إلى بعضها، إذ يعد ذلك الأمر"تمييزاً دينياً"من الدرجة الأولى. لست أدري ما إذا كانت جرائم الكراهية المتزايدة، ومنها هذه الجريمة الشنيعة من أسباب الحملة على هجرة أبناء الدول الإسلامية في أوروبا، أم أنها نتيجة لتصريحات بعض السياسيين المحرضة ضد الحجاب؟ ولكن لا بد من القول إنها"جريمة إرهابية"بامتياز، وإن حدثت في عالم الغرب! * حقوقي دولي نشر في العدد: 16894 ت.م: 06-07-2009 ص: 13 ط: الرياض