لا يسع المراقب إلا التخمين في نوايا أو مقاصد نظام كوريا الشمالية حين يعمد الى افتعال أزمة جديدة. فثمة ثلاثة عوامل في الأزمة الجارية: الأول هو الوضع الداخلي، أي مرض كيم إيل - جونغ وتنظيم عملية وراثة على وجه السرعة. والعامل الثاني هو إراحة النظام في كوريا الشمالية وتطوير طاقاته النووية ومخزونه من الصواريخ. فجمهورية كوريا الشعبية الديموقراطية تعرف أنها هشة، وسلاحها التقليدي قديم وبائت، وهي تدرك عزلتها وضعفها. ولا سبيل الى موازنة التهديد والضعف إلا من طريق السلاح النووي. وإلى هذا، يحسب النظام ان قوته في الخارج تعود عليه بتقوية موقعه الداخلي. وأما ترجيح عامل آخر، فما لا يسعني تأكيده. وطوال سنوات، حاولنا تدارك شعور الجمهورية الديموقراطية الشعبية، فانتهجنا سياسة"اليد الممدودة"، وأعطيناها ضمانات أمنية، وابتدأنا خطوات على طريق التعاون الاقتصادي. ولم يؤد هذا إلا الى تفاقم الاستفزازات. وأنا لا أظن أن سياسة اليد الممدودة وحدها قمينة بمعالجة المشكلة. ولا كان في مقدور سياسة ادارة بوش المتشددة معالجتها. ولذا قد يكون مجدياً الجمع بين النهجين، وبحسب الأحوال. وعلينا، اليوم، الرد بحزم على الاستفزازات من غير غلق باب الحوار. وإذا حصل استفزاز ينبغي أن يكون الرد عقوبة. وفي وقت ثانٍ، علينا الانتقال الى الحوار. وحين يصبح الحوار ممكناً، ننوي اقتراح اتفاق شامل، وإذا لم يكن ردنا حازماً أولاً، فلن يستمع النظام الشيوعي الينا، ويستمر على تظاهره بالصمم. وهذه مفارقة الحوار مع النظام، والتجربة برهنت على أن الحوار وحده لا جدوى منه. والحق أنني لا أدري في أي طور من أطوار ليّ الذراع الخطير هذا قد يصبح في امكاننا الجلوس الى طاولة الحوار. ولسنا في وضع المتحدي. فنحن موقفنا يقتصر على جواب الاستفزاز، ولا يتخطى الجواب هذا، والخطوة التالية تترتب على ارادة الأطراف الآخرين السياسية. وكان الإجماع على انتهاج سياسة مشتركة بإزاء جمهورية كوريا الديموقراطية والشعبية، في أوقات سابقة، مستعصياً. وأرى ان الصين تتنازعها سياستان، تميل الأولى الى مساندة نظام الشمال والثانية الا الاضطلاع بمسؤوليتها دولة كبرى. وهي تمسك العصا من الوسط. ولكن عليها تقويم أولوياتها، وتقديم مسؤوليتها على مساندتها النظام. وإعلان الشمال أنه لن يشترك في المفاوضات السداسية لا يدعو الى صوغ إطار آخر للعلاقات، فالمفاوضات أدت الى بلورة شعور بمهمة مشتركة على الدول الست الاضطلاع بها، والحفاظ على اطارها. * ممثل كوريا الجنوبية في المفاوضات السداسية الصين والولايات المتحدة واليابان وروسيا الى الكوريتين، عن"لوموند"الفرنسية، 3/6/2009، إعداد و. ش نشر في العدد: 16868 ت.م: 10-06-2009 ص: 28 ط: الرياض