بالامس لعب تشلسي وايفرتون في نهائي كأس الاتحاد الانكليزي، التي تعد البطولة الاقدم في العالم 1871، ولكون النتيجة لا تعني شيئاً بالنسبة لمشجع ليفربولي مثلي على صعيد انكلترا فقط، يكره ان يفوز جاره ويغمه انتصار من أقصاه من دوري الابطال هذا الموسم، فإن تلك المناسبة لم تكن الا استعراضاً لشريط من الذكريات، ادهشني انها لا تزال طازجة وكأنها وقعت بالامس القريب. كأس الاتحاد اختصاراً، هي البطولة التي ارتبط بها جمهور الكرة في منطقة الخليج على وجه الخصوص، لأنها ولسنوات طويلة في سبعينات وثمانينات القرن الماضي كانت النافذة الوحيدة التي يطل من خلالها المشاهد العربي على لاعبين مختلفين عن لاعبينا، يركضون بسرعة، يمررون دونما حاجة للنظر الى جهة التمرير، يقفزون في الهواء كما لو انهم يسبحون... وفوق كل ذلك"عُيونهم خُضر وشُعورهم شُقر"! في تلك الايام الخوالي كان اسطورة التعليق العربي الراحل اكرم صالح، صاحب الحنجرة الذهبية، يمثل بالنسبة لنا"الترجمان"المثالي، والذي كان بحق افضل معلق سمعته في حياتي. وكان رحمه الله، كنز من المعلومات، في زمن لم يعرف فيه الانترنت بعد، واتذكر كيف كان يتحدث عن"الكوبري"تمرير الكرة بين القدمين، واللحظة التي يرفع فيها نبرة صوته عندما تنجلي فيها الغيوم لتكشف عن قرص الشمس لتضيء نصف ارضية ستاد ويمبلي العريق وسط تصفيق جماهيري حار وكأنهم يحيون الشمس، اذكر كيف كان ينطق الاسماء الانكليزية كما يجب، على العكس من بعض المعلقين هذه الايام. في تلك الايام، ارتبط الجمهور ايضاً بشكل مباشر ببرنامج بريان مور الشهير الذي كان يبث في الكويت في الساعة الثامنة والنصف مساء كل يوم جمعة على القناة الثانية. ومور بالمناسبة واحد من اشهر المعلقين في العالم، اسهمت محطة BBC في تصدير شهرته الى ما وراء البحار. في ذلك اليوم نهائي كأس الاتحاد، يتفرغ الانكليز للمناسبة ليحولوها الى تظاهرة كبرى يذكرون الشعوب بأنهم أصحاب قصب السبق في اللعبة الأكثر شعبية في العالم، وببطولتهم الاكثر عراقة كأس الاتحاد، وهو ما اجبر مدرب ارسنال ارسين فينغر قبل فترة بعد مواجهته الصعبة مع كارديف، على القول:"رأينا اليوم تقاليد انكلترا"! من فاته نهائي كأس انكلترا بنكهة السبعينات والثمانينات، فاته جزء مهم من سحر كرة القدم.... ومن فاته اكرم ومور فاته الكثير. مشكلتنا في العالم العربي، اننا نخلط بين الغث والسمين، فهاهو اكرم صالح طواه النسيان وفي المقابل لا يزال بريان مور جزءاً من تراث كرة القدم في بريطانيا! وفي هذه المناسبة، اتمنى على أي مؤسسة اعلامية، رياضية كانت او غير رياضية، تبني فكرة تكريم لائق لاكرم صالح في اقرب مناسبة رياضية، واتمنى ان يكون التكريم للرجل وحده، والا ننهج الطريقة التقليدية عندما تفكر مؤسساتنا في تكريم المميزين. فقد جرت العادة على سبيل المثال، ان يكرم المميز مع"غير المميز"، ما يصيب المكرّم بالاحباط ويجعله"يكره"الساعة التي قبل فيها التكريم. شعور مؤلم لازمني في الايام القليلة الماضية، عندما وجهت لي الدعوة من احدى الجهات لحضور حفلة تكريم بمناسبة فوزي بجائزة الصحافة العربية، ولولا احترامي لزملائي الذين حضروا من أجلي لتركت المكان! كلمة اخيرة لا تنسوا"اكرم صالح"! [email protected] نشر في العدد: 16858 ت.م: 31-05-2009 ص: 30 ط: الرياض