يميل كثيرون من متابعي التطوّر المعلوماتي إلى القول بأن المدرسة في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، ستضحي مغايرة لحالها راهناً، بأنظمتها وبرامجها واساليبها وتلامذتها وهيئاتها التعليمية. وتبعاً لذلك، يحدّد كثير من الخبراء التربويين في الولاياتالمتحدة وفرنسا بعض الملامح الرئيسة لما يسمونه"مدرسة المستقبل" School of the Future أو"المدرسة الرقمية"Digital School، انطلاقاً من القول بأنها ستحدث ثورة تقلب المفاهيم والنظريات التربوية وفلسفتها في شكل جذري. وفقاً لهذه الرؤية الجديدة، تنتقل المؤسسة التعليمية بكل أجهزتها وعناصرها ومناهجها إلى الفضاء الالكتروني. ويدرس الطلاب برنامجاً عالمياً موحّداً، من خلال تواصلهم على الشبكة العنكبوتية ويتجاوزن فواصل الزمان والمكان، من دون قيود تحدّ من حرياتهم ولا رقابة على ما تصرفاتهم. ويحوّلون مواضيع الدراسة الى مسائل يستكشفونها عبر تقنيات رقمية تنمي فيهم روح المغامرة والابداع والحشرية علمياً. ويعملون بأدوات من نتاج الثورة التكنولوجية المعاصرة كالكومبيوتر والانترنت والشاشة التي تعمل باللمس والفأرة السحرية والكاميرا الرقمية ومشغل الموسيقى وغيرها من الأدوات التي تُضحي بديلاً من الكتب والاوراق والاقلام والالواح وغيرها. وفي المدرسة الرقمية، يتعلم الطالب ويقرأ ويكتب ويشاهد ويسمع ويتحاور ويرسم ويصور ويؤلف، من خلال الوسيط الرقمي بصورة كليّة. هكذا يغدو الطلاب أسياد انفسهم، بل يُضحون أساتذة وخبراء، في حين يقتصر دور المعلم على مواكبتهم والتدخل بناء على طلبهم. و ينتقل الطالب من متلق للعلم إلى صانع له، ويتحوّل المعلم من مُلقّن إلى موجّه. المدرسة والاعتراف ب"جيل الديجيتال" في هذا السياق، عبّر الأميركي مارك برينسكي، وهو أستاذ جامعي يعمل في تصميم ألعاب الفيديو عن رأيه في مسألة المدرسة الرقمية من خلال مقال نشره على مُدوّنته الإلكترونية. وفي ذلك المقال، يرى برينسكي، المشهور بتبنيه فكرة"المواطن الأصلي الرقمي" Digital Natives، أن التكنولوجيا المعاصرة تداخلت مع المعارف المعاصرة إلى حدّ أنها تفرض تغييراً جذرياً في التربية والتعليم. ويشير إلى أن"جيل الديجيتال"يقدر على صناعة العلم والمعرفة بنفسه، من دون حاجة إلى أستاذ قد يكلمه أحياناً بلغة تقادم عليها الزمن. ويُنبّه إلى أن هذا الجيل ترعرع في ظل ثورة الكومبيوتر والمعلوماتية والانترنت وتملّك مفاتيحها واستوعب تقنياتها وفك رموزها. ويستخدمها يومياً بحيث أنها أصبحت جزءاً من حياته الشخصية. ويطرح برينسكي سؤالاً عن مسار المدرسة راهناً، لأنها باتت تواجه جيلاً يخصّص جانباً كبيراً من يومه لألعاب الفيديو والتحدث بالخليوي وكتابة الرسائل الالكترونية وتلقيها والتعامل مع الاعلانات والصور وغيرها. ويرى أيضاً أن الاصلاح التربوي مسألة خلافية بطبيعتها. إذ كيف يمكن اقناع الاساتذة بأن العلم والمعرفة ليسا حكراً عليهم؟ ولماذا ينكرون على الطلاب مساهمتهم بهما، مع العلم أن الذين يقررون أي الأساتذة لا يستطيعون معرفة ما يجهلونه، على حد قوله. ويطالب برينسكي المعلمين بقليل من التواضع والاعتراف بمقدرات أجيال العصر الرقمي. في السياق عينه، يكشف خبير تكنولوجيا المعلومات الفرنسي بيار الكسندر كزافييه أن مجموعة من الطلاب الاوروبيين شرعت في إنشاء موسوعة الكترونية عالمية على غرار"ويكيبيديا". ويتقاسمون الادوار والمهمات بينهم. وينصرف بعضهم للكتابة وينكب البعض على الابحاث العلمية والادبية والفنية ويعمل البعض الآخر في تنظيم ارشيف يضم الوثائق وصور المشاهير ويؤرخ لأهم الاحداث العالمية وغيرها. من الطبيعي ان يثير الحديث عن المدرسة الرقمية ردود فعل متباينة. فهنالك من يشدّد على أن هدف التربية هو التفاعل مع العالم عبر وسائل غير الهاتف النقال او الانترنت او الكومبيوتر التي تستبد بالطالب وتستعبده وتصيّره آلة مثلها. وثمة من يلاحظ استحالة استبدال التلميذ بالمعلم في اية مؤسسة تعليمية تقليدية أو رقمية، لأنه أمر يفقدها أهم ركائزها في العملية التربوية. ويشير آخرون إلى ان المدرسة الرقمية الموعودة تنتهك مبدأ ديموقراطية التعليم لأنها تزيد الهوة بين"من يعلمون"و"من لا يعلمون"، وكذلك بين ابناء الشمال المتقدم والجنوب المتخلف.