على رغم مرور 32 سنة على رحيل العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ في لندن في 30 آذار مارس 1977 بعد عناء طويل مع مرض تليّف الكبد، إلا أن عذوبة صوته وصدق أدائه وتنوع أغانيه ما زالت في أذهان محبي فنه. قَدّم حليم أكثر من 230 أغنية اتسمت بالتنوع والتجدد ليصبح مطرب العامة والمثقفين والحكومة والشباب والعجائز. فبصمته لا تزال جلية في تأريخ الأحداث الكبرى في مصر في فترة ما بعد ثورة تموز يوليو 1952، وحتى انتصار تشرين الأول أكتوبر 1973 من خلال أغانيه الوطنية، إذ لم يضاهيه خلال تلك الحقبة في هذا اللون الغنائي أحد، حتى أم كلثوم أو عبدالوهاب، حتى لقب ب"مطرب الثورة". ومن أشهر أغانيه الوطنية:"إحنا الشعب"و"يا أهلا بالمعارك"و"فدائي"و"حكاية شعب"... وغيرها. كما تميز حليم في غناء القصائد والأغنيات العاطفية، فغنى مثلاً قصيدة"لست أدري"للشاعر إيليا أبو ماضي و"رسالة من تحت الماء"و"قارئة الفنجان"لنزار قباني... وغيرها. ومن أشهر أغنياته العاطفية"يا واحشني"و"صافيني مرة"و"حلو وكداب"و"توبة"و"زي الهوى". وصاغ كلمات أغنياته المميزة شعراء كثر، أبرزهم محمد حمزة وصلاح جاهين وعبدالرحمن الأبنودي وأحمد شفيق كامل، وتعاون مع ملحنين مخضرمين وشباب، منهم محمد عبدالوهاب وكمال الطويل ومحمد الموجي وبليغ حمدي وحلمي بكر. ومنذ عام 1955 الذي شهد عرض أربعة أفلام سينمائية له، وحتى عام 1969 الذي عرض فيه آخر أفلامه"أبي فوق الشجرة"، شارك حليم في بطولة 16 فيلماً لعل أهمها:"الوسادة الخالية"و"لحن الوفاء"و"دليلة"و"الخطايا"و"شارع الحب"، فيما شارك في المسلسل الإذاعي"أرجوك لا تفهمني بسرعة"عام 1973، وهو المسلسل الوحيد الذي شارك فيه عبدالحليم وشاركه البطولة نجلاء فتحي وعادل إمام. وتجسيداً لحياته الشخصية والفنية الزاخرة، تناولت الدراما المصرية مسيرته من خلال فيلم سينمائي هو"حليم"جسّده الممثل المصري الراحل أحمد زكي، فضلاً عن مسلسل"العندليب حكاية شعب"على شاشة MBC. كلا العملين ارتكز على حياته الفنية والشخصية وعلاقاته بالصحافة، مروراً بعلاقاته العاطفية وزواجه السري بالفنانة الراحلة سعاد حسني الذي تنفيه عائلته بينما يؤكده بعض المقربين منهما، فضلاً عن علاقاته بالسياسة والسياسيين داخل مصر وخارجها. ولد عبدالحليم شبانة في 21 حزيران يونيو 1929، في محافظة الشرقية حيث توفيت والدته بعد ولادته في اليوم ذاته. وقبل أن يتم عامه الأول توفي والده، ليعيش بعدها في بيت خاله، ولكن بعد موت خاله أودع في ملجأ للأيتام. وفي عام 1943 التحق بمعهد الموسيقى العربية قسم التأليف، وتخرج في عام 1947، ليعمل بعدها مدرساً للموسيقى لأربع سنوات. لكنه استقال والتحق بفرقة الإذاعة الموسيقية عازفاً لآلة الأوبوا عام 1950. اكتشفه الإذاعي حافظ عبدالوهاب الذي سمح له باستخدام اسمه"حافظ"بدلاً من شبانة، ليبدأ مسيرته الفنية. فهل ستكرمه الدولة بتحويل منزله إلى متحف يضم كل تاريخه الفني وذكرياته الشخصية أم أن الاكتفاء بإحياء ذكراه على موجات الأثير وشاشات التلفزيون هو سيد الموقف؟