سيكون الرئيس الأيراني محمود احمدي نجاد منافساً قوياً في الانتخابات الرئاسية المقبلة في ايران في الصيف المقبل، الا أن الرجل يواجه معارضة قوية، حتى داخل تياره المحافظ نفسه، وتعرض لنقد شديد من رموز محافظة تجاهر في عدائها له، بل وترى في أدائه السياسي خروجاً على الأطر المرجعية المحافظة وهو ما يعزز فرضية أن يعيد نجاد ترشيحه كمستقل في الانتخابات المقبلة. وتعكس المواجهة بين الحكومة ومجلس الشورى برئاسة علي لاريجاني بعداً آخر لعلاقة متوترة بين الرئيس الإيراني وأطياف عدة. وكان لاريجاني استقال، أو أقصي، من منصبة ككبير للمفاوضين في الملف النووي بعد خلافات جذرية مع نجاد في شأن طريقة إدارة هذه القضية على الصعيد الدولي. أما ملف الحريات فسيكون ملعب الإصلاحيين لمواجهته، بخاصة مع إغلاق العديد من الصحف والاعتقالات في صفوف الطلبة وتراجع حرية التعبير . ويتربص الملف الاقتصادي بنجاد بصورة خانقة، وتبدو خلافات المحافظين استحقاقاً حتمياً لإخفاق حكومتهم في هذا الملف . وتشير مجريات الاجتماعات الانتخابية للتيار المحافظ إلى وجود اختلاف بين أطيافه في ما يتعلق بترشيح الرئيس نجاد لدورة جديدة في انتخابات الرئاسة الإيرانية. وعبرت هذه الخلافات عن نفسها في جلسة أخيرة جمعت نجاد مع لجنة الشورى المركزية لجبهة"أتباع خط الإمام"، وشهدت الجلسة جدالاً حاداً بين الرئيس الإيراني والحاضرين انتهت بتركه الاجتماع غاضباً. ونقل غفوري فرد عضو اللجنة المركزية لجمعية المهندسين أن المحافظين الحاضرين للاجتماع اتهموا نجاد بعدم الثبات الإداري وحصر التعيينات الوزارية والوظائف العليا بأصدقائه القدامى ممن رافقوه عندما كان محافظاً لأردبيل أو عمدة لطهران واستاذاً في جامعة شريف الصناعية. وأضافوا أن ذلك شكل تجاهلاً للقانون وإضراراً بمكانة التيار المحافظ في مجلس الشورى وهو ما رفضه نجاد متهماً المجلس بأنه يعرقل عمل حكومته. پتجاوز نجاد وكان"تجاوز أحمدي نجاد" عنوان مشروع مقترح قدمته لجنة في ائتلاف"حزب الله"، وله أنصار ومدافعون، ومن أبرز الأسماء المشاركة في هذا المقترح آية الله محمد باقر خرازي وحسين مقدم وهادي غفاري الذين سبق لهم أن قدموا مقترحاً بتشكيل حكومة ائتلافية. ويرى أصحاب المقترح أن التيارين المحافظ والإصلاحي يجب أن ينظرا بواقعية ليتمكنا من حل مشاكل المجتمع الإيراني. دعت اللجنة شخصيات مثل محمد باقر قاليباف، محسن رضائي، حسن روحاني، عزت الله ضرغامي، مهد روبي، وعبدالله جاسبي لعرض برامجهم ورؤيتهم لكيفية أدارة الدولة. وأخذ نعاني مقدم، المدير السياسي للائتلاف على حكومة نجاد أنها"غير منتجة"وأضاف أن"الكثير من المحافظين وصلوا إلى نتيجة مفادها أن هذه الحكومة تدير إيران منفردة وأبعدت المراجع الدينية ولم تستفد من مكانتهم وخبراتهم". وأكد أمير محبيان في افتتاحية لجريدة"رسالت"أن انتقادات التيار المحافظ لإداء نجاد متعددة الجوانب، ولفت إلى أن من إبرز ما يؤخذ عليها التغيير المتكرر والسريع للوزراء وأفتقاد مشاريعها وتعليماتها الصادرة لوجهة النظر المتخصصة والتسرع وعدم الدقة في القرارات السياسية والاقتصادية والتخلي عن الكثير من القوى المحافظة الصادقة. نجاد ليس محافظاً ويرى مدير وكالة الأنباء الانتخابية مصطفى فقيهي أن نجاد أخل خلال دورته الرئاسية بالمعايير الأساسية للمحافظين، وأضاف أن"سلوكه السياسي لا يجعل منه محافظاً في حين أنه توجد شخصيات إصلاحية تلتزم بالفكر المحافظ في شكل لا يفعله الرئيس". ويتوقع فقيهي أن يكرر نجاد ترشيح نفسه بصورة مستقلة كما حدث في السابق لأن الأحزاب"لا تظهر ميلاً لدعمه". ويحصر الداعمين لنجاد في تيار افراطي داخل التيار المحافظ ممثلاً بجريدة"كيهان"وجماعة"رائحة الخدمة الطيبة"ويؤكد أن ترشيح رئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي سيكون من شأنه أن يسحب نحوه تأييد طيف واسع من المحافظين وكذلك الحال بالنسبة الى الإصلاحيين. ويصف فقيهي أداء نجاد على صعيد السياسة الخارجية بأنه" مفرط ولا ينسجم مع خط المحافظين"وأعتبر أن ذلك، مضافاً إليه سلوكه السياسي الداخلي، يشكك في كونه منتمياً الى التيار المحافظ". النساء غير راضيات ويبدو أن عدم الرضا من أداء نجاد وصل إلى القطاع النسائي، فقد أعلنت مريم بهروزي رئيسة"مجتمع زينب النسائي"أن الكثير من المحافظين سيدعمون ترشيح عمدة طهران محمد قاليباف، خصوصاً أن تقويم أدائه كان"إيجابياً للغاية". وأكدت بهروزي أن مجتمع زينب وهو تجمع نسائي محافظ"راض في شكل كبير عن أداء قاليباف وسيدعمه في الانتخابات". ولفتت بهروزي إلى أن التيار المحافظ يعكف حالياً على الاجتماع بالمرشحين ومناقشة توجهاتهم. وشددت على ضرورة حضور النساء في شكل مؤثر في البرامج الانتخابية للمرشحين. وانتقدت توجهات حكومة نجاد نحو المرأة وقالت أنها"لم تعطها المكانة التي تليق بها". وأرسلت نساء التيار المحافظ رسالة إلى نجاد طالبنه باجتماع يوضح فيه توجهاته نحو المرأة في برنامجه الانتخابي المقبل. دعم من خامنئي وقادة الجيش ويخطيء من يظن أن المواقف السابقة تلخص حقيقة الموقف تجاه نجاد من كل الأطياف، فالرجل لديه دعم قوي لايستهان به، وجاءت رسائل حماية نجاد من أعلى المستويات في إيران، إذ عبر المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي في أكثر من مناسبة عن دعمه لنجاد وحكومته، وهو ما فعله قادة في الجيش. ويرى المحلل عباس نيكخواه أن الرسائل التي حملها خامنئي في خطاباته الأخيرة تضمنت حماية غير مسبوقة لنجاد ووصفاً لمنتقديه بأنهم"غير منصفين"، وسيكون لذلك ثقله وتأثيره بالنسبة الى الانتخابات وخيارات التيار المحافظ بالنسبة الى تعيين مرشحيه، ويضيف نيكخواه أن أصواتاً أخرى ارتفعت أخيراً للدفاع عن الرئس الإيراني مع تعاظم الهجوم ضد سياساته واتهامه بالإخفاق جاء بعضها من مقامات عسكرية عليا. وكرر حسن فيروز آبادي القائد العام للجيش الإيراني دعمه لنجاد في أكثر من مناسبة غير عابئ بالانتقادات، وعبر عن قناعاته بصلاحية نجاد لتولي الرئاسة مجدداً. الظاهرة النجادية وكان فيروزآبادي وصف نجاد ب"الظاهرة"ونوه بحركية حكومته وقدرتها على العمل الذي"لا يمكن أن يقوم به شخص مسن". وأكد خلال لقاء لأنصار الثورة - أقيم لمناسبة الذكرى الثلاثين لانتصارها أن"سعي البعض لجعل التيار المحافظ يتخلى عن نجاد ويرشح غيره لن يفلح في إنهاء الظاهرة". ولفت إلى أن الناس هم من انتخبوا خاتمي وهم أيضاً من جاؤوا بنجاد وانتقد بشدة اقتراح حكومة الوحدة الوطنية. ويلاحظ المحلل علي أصغر أحمدي أن تصريحات الدعم لنجاد تتزايد كلما ارتفعت وتيرة الهجوم ضده وترى المقامات العسكرية والأمنية في إيران أن"نجاد نجح في تعزيز مكانة إيران وأنه الأقرب لخط الإمام". ويرى الأمين العام ل"جبهة تابعي خط الإمام ومرشد الثورة"حبيب الله عسكر أولادي أن دفاع خامنئي عن نجاد يأتي لكونه رئيساً منتخباً، مضيفاً أن"المرشد يدافع عن نجاد كما سبق ودافع عن السابقين". انتقادات لخاتمي وأكد عسكر اولادي خلال لقاء سابق مع شبان"حزب المؤتلفة"دعم نجاد وقال :" لقد دافع نجاد عن قيم الثورة أمام العالم من دون خوف أو خجل في وقت كان لدينا رئيس سابق كان يخجل من الدفاع عنها"، ووجه عسكر اولادي انتقاداً شديداً الى الرئيس السابق محمد خاتمي بسبب تصريحاته بضرورة إنقاذ إيران وشدد على أن مفردات خطابه تشبه التي يستخدمها المعارضون في الخارج، وتساءل : من أي شيء يريد خاتمي انقاذ إيران. وعلى رغم تأكيداته بأنه"لا يوجد ما يقلق المحافظين في الانتخابات"يرى عضو شورى"حزب المؤتلفة"ضرورة توحيد صفوف تياره وأن يكون محور تحركه برنامجاً وليس شخصاً. شيب في رأس نجاد "العاطفة هي التي ستحكم سلوك الناس عند التصويت ولا يجب الاستهانة بعواطف الناس تجاه نجاد"، رأي يدافع عنه المحلل علي رضا نوروزي، وكل ما يقال عن مشكلات الملف الاقتصادي وتعقيداته هي تحديات حقيقية تواجه نجاد والتيار المحافظ في شكل عام، لكنه يرى في الوقت ذاته أن نجاد لديه مكانة عاطفية لا يستهان بها لدى الناس بخاصة في المناطق المحرومة والمهمشة، إضافة إلى طيف واسع يعتبره الأوفى لقيم الثورة، ويشير إلى أن زيارات الرئيس الإيراني ووصوله إلى أماكن لم يصلها مسؤول من قبل عامل مؤثر في دعمه في الانتخابات. ويستشهد نوروزيان بصورة وزعت خلال احدى الزيارات الأخيرة وتم ترويجها في شكل كبير تصور الرئيس الإيراني وقد غزا الشيب رأسه مقارنة بصورة مغايرة له قبل سنة، ويصف ترويج الملصق بالدعاية الانتخابية لنجاد. وعلى رغم تداول الكثير من الأسماء كمرشحين محتملين للمحافظين إلا أن نجاد هو الإسم الذي تأكد ترشيحه في شكل قطعي، وهو ما يؤكده الناطق باسم"جمعية الوفاء للثورة"محمد عظيمي الذي يشير إلى أن طرح أسماء مثل بورمحمدي وقاليباف لم يخضع ترشيحها للبحث الجدي داخل جبهة المحافظين، وتقديمها لا يعدو أن يكون وجهات نظر شخصية من بعض الأحزاب المحافظة، ويقول عظيمي:"في النهاية سيجمع المحافظون على شخص واحد". ويبدو ترشيح نجاد بوصفه الرئيس الحالي هو الأكثر قطعية. نشر في العدد: 16774 ت.م: 08-03-2009 ص: 16 ط: الرياض