من يملك أرض فلسطين ؟ يملكها الفلسطينيون العرب من النهر الى البحر. حتماً لا يملكها اشكناز أوروبا، أو اليهود الخزر، أو 12 قبيلة أو القبيلة الثالثة عشرة. لا أصدق الرواية التوراتية عن دخول فلسطين، مع انها تعترف بأن اليهود دخلوا فلسطين من أريحا وهي ملأى بالفلسطينيين، يقودهم يشوع بن نون الذي خلف النبي موسى بعد ان مات هذا في سيناء. لا أصدق أن الرب شق نهر الأردن ليعبر اليهود أيام الفيضان، وأن الرب أمر بأن ينفخ سبعة كهنة في سبعة أبواق من قرون الكباش ويهتف كل الشعب هتافاً شديداً فتسقط أسوار أريحا. وقطعاً فأنا لا أصدق ان الرب أباح مدينة مسكونة وأهلها لليهود الذين"استولوا على المدينة وحرّموا كل ما في المدينة من الرجل وحتى المرأة، ومن الشاب وحتى الشيخ، حتى البقر والغنم والحمير قتلوهم بحد السيف". سفر يشوع الفصل السادس، الآية 21. كان يشوع أرسل جاسوسين ناما في بيت زانية اسمها راحاب، فلم ينجُ من اهل المدينة سوى الزانية وأهلها. واختصر ثلاثة آلاف سنة من تاريخ مزعوم لأصل الى ماتيلدا كْرِيم ودورها في تاريخ عاصرناه. أفضلُ مرجعٍ أعرفه عن الموضوع هو الكتاب"1967: البلاد غيّرت وجهها"من تأليف توم سيغيف، وهو بالعبرية، وقرأت نقداً وتلخيصاً له، مع تحقيقات أخرى ذات علاقة، أهمها مقال بعنوان"ليندون جونسون أول رئيس أميركي ربط السياسة الأميركية بالسياسة الإسرائيلية"وكتبه دونالد نِفْ. باختصار، ليندون جونسون هو الذي وثّق علاقات اميركا مع اسرائيل على حساب علاقات بلاده بالدول العربية، وكان محاطاً بمجموعة كبيرة من اليهود النافذين مثل آرثر غولدبرغ وجون روش ووالت ويوجين روستو وبن واتنبرغ وإيب فورتاس. غير ان الأقرب إليه والأكثر تأثيراً من خارج الإدارة كان المصرفي ابراهام فاينبرغ وآرثر كْرِيم من رجال السينما في هوليوود وزوجته ماتيلدا. مفكرة جونسون نفسها في البيت الأبيض تقول ان الزوجين هذين كانا موجودين على عشاء في 17/6/1967 مع آخرين، وقرأ جونسون خطاباً ألقاه بعد يومين وقبل زيادات وتصحيحات تفيد إسرائيل. سيغيف يقول ان ماتيلدا كريم كانت تزور جونسون في البيت الأبيض وحدها، دون زوجها وبمعرفته، وإن الرئيس دق باب الغرفة 303 صباح الخامس من حزيران يونيو 1967 ووجدها بثياب النوم وبلغها ان الحرب بدأت. كانت عشيقة جونسون مع انها أنكرت ذلك كما هو منتظر، ومع خلفيتها في عصابة ارغون، فقد عملت وزوجها ويهود الإدارة على ان يكون كل قرار أميركي في صالح إسرائيل وضد العرب حتى يومنا هذا. ومن راحاب الى ماتيلدا اجد ان الذين كذبوا على الله لن يترددوا في الكذب على عبيده، لذلك نسمع اليهودي البولندي أو الروسي أو المولدوفي أو الألماني يدّعي انتساباً الى فلسطين. أنا والقارئ نعرف انهم لصوص، وأكتفي بما سبق من خرافات دينية وتاريخ حديث، وأكمل بما هو ثابت أكيد فأختار للرد عليهم النابغة الذبياني، ففي شعره ما يطيب سماعه، وهو يدعم حجتي بأفضل مما يفعل أي مؤرخ أو تاريخ. كلنا يعرف ان النابغة الذبياني كان شاعر النعمان بن المنذر، ابي قابوس، وأن ملك الحيرة غضب عليه لوشاية من حاسديه، فلجأ النابغة الى ملوك الغساسنة في سورية القديمة التي كانت تضم أجزاء من لبنانوفلسطين، ونظم اعتذارياته المشهورة، حتى رضي عنه النعمان بن المنذر فعاد إليه في أواخر أيامهما. في بلاد الغساسنة مدح النابغة عمرو بن الحارث الأصغر بقصيدة رائعة حفظنا بعض أبياتها في المدرسة الثانوية، وهي تبدأ ببيتين مشهورين: كليني لهمٍّ يا أميمة ناصب/ وليل أقاسيه بطيء الكواكب تطاول حتى قلت ليس بمنقضٍ/ وليس الذي يرعى النجوم بآيب وأختار من الأبيات التأريخية: محلّتهم ذاتُ الإله ودينُهم/ قويمٌ فما يرجون غير العواقب رقاق النعال طيّب حجزاتهم/ يحيّون بالريحانِ يوم السَّباسِب تحيّيهم بيضُ الولائد بينهم/ وأكسية الاضريج فوق المشاجب يصونون أجساداً قديماً نعيمها/ بخالصةِ الأردان خضر المناكب وأختار آخر بيتين لجمالهما ومن دون ان يكون لهما علاقة بالموضوع التاريخي: ولا يحسبون الخير لا شرّ بعده/ ولا يحسبون الشر ضربة لازب حَبوْت بها غسّان إن كنت لاحقاً/ بقومي وإذ أعيت على مذاهبي يقول النابغة أن محلتهم ذات الإله، اي بيت المقدس حيث منازل الأنبياء، ودينهم قويم لأنهم نصارى، أما طيّب حجزاتهم فمعناها ان رائحة ثيابهم طيبة، ويوم السّباسب هو يوم الشعانين، أو الأحد الذي يسبق عيد الفصح عند النصارى، والنابغة يتحدث عن فتيات في ثياب بيضاء يخدمن ملوك الغساسنة. ثمة خلاف بين المؤرخين حول مولد النابغة ووفاته، وكلهم يرجح انه عاش الى ما بعد بدء القرن السابع بسنوات قليلة، إلا انه لم يشهد البعثة النبوية الشريفة سنة 610 ميلادية. وواضح من شعره ان العرب كانوا في القدس وسورية قبل الفتح، فهي بلادهم، كما كانوا في العراق. ووجدت للنابغة قصيدة في رثاء النعمان بن حارث الغساني مطلعها: دعاك الهوى واستجهلتك المنازل/ وكيف نصابي المرء والشيب شاغل وآخر بيتين فيها يقدمان دليلاً تاريخياً آخر: بكى حارث الجَوْلان من فقد ربه/ وحوْران منه موحش متضائل قعودا له غسان يرجون أوبه/ وترك ورهط الأعجمين وكابل النابغة يقول ان العرب والأتراك والعجم يرجون خيره، وهو لا يذكر اي يهود في بلاد الشام، وتحديداً في الجولان حيث كانت منازل ملوك الغساسنة، واليوم يأتي لص من خزر أوروبا ليقول ان فلسطين هي اسرائيل التي لم تقم يوماً، أو أنه لن يترك الجولان الذي لم يعرفه اليهود إلا في أيام المصيبة بهم، أي أيامنا هذه. نشر في العدد: 16772 ت.م: 06-03-2009 ص: الاخيرة ط: الرياض