تنطلق اليوم في لاينشدام، إحدى ضواحي لاهاي، عملية قضائية ذات اهمية استثنائية باحتفال رسمي يؤشر الى انطلاق"المحكمة الخاصة بلبنان"لمحاكمة المتهمين باغتيال الرئيس رفيق الحريري والنائب باسل فليحان ورفاقهما وسائر الجرائم المرتبطة بها، وسط دهشة الكثيرين من أن ما كان مطلباً محفوفاً بالمخاطر والشكوك، وعرضة للمساومات، سيصبح بعد ساعات قليلة حقيقة واقعة يستحيل على المجتمع الدولي العودة عنها، ويصعب على الساعين الى عرقلتها النجاح في إخضاعها للاعتبارات السياسية، على رغم التأثير السياسي الكبير الذي سينتجه العمل الجنائي الدؤوب لمعرفة حقيقة من خطط وشارك ونفذ عملية الاغتيال التي ساهمت الى حد كبير في إحداث تغييرات في الشرق الأوسط بفعل تقاطعها مع أحداث وتطورات كبرى. بعض الصحافيين اللبنانيين الموجودين هنا، وبعض الموظفين الدوليين، يسأل كل على طريقته: هل كان الناس يصدقون أن يوماً سيأتي تصبح المحكمة فيه أمراً واقعاً، على رغم أن مؤيديها كادوا يصدقون ما دأب معارضوها على قوله منذ 3 سنوات بأن"لا محكمة"؟ مقر المحكمة الذي قدمته الحكومة الهولندية للأمم المتحدة كي يصبح لمدة 6 سنوات على الأقل مقر المحكمة الخاصة بلبنان، سيشهد احتفالاً رمزياً يؤذن بانتقال صلاحيات العملية القضائية التي أطلقها القرار الدولي الرقم 1595 في ربيع العام 2005 إنشاء لجنة التحقيق الدولية ثم القرار 1757 إنشاء المحكمة المختلطة الدولية ? اللبنانية، الى هذه المحكمة الخاصة بالكامل، والهدف ضمان تحقيق مبدأ"عدم الإفلات من العقاب"في جرائم الاغتيال السياسي التي اعتاد لبنان والشرق الأوسط تجاوزها مع مآسيها، من دون محاسبة. فالقضاء اللبناني الذي نشأ التحقيق الدولي لمساعدته ووضع ما لديه من معطيات في تصرفه بحسب الحاجة ومصلحة التحقيق كان توصل الى ملف لا تخلو عناصره من الوقائع الواضحة، لكن هشاشة الوضع السياسي اللبناني جعلت ذهاب هذا القضاء اللبناني الى النهاية في العملية شبه مستحيل، بفعل الضغوط، ما استوجب شراكة القضاء الدولي له، لحماية الآلية الواجب اتباعها لضمان حد أدنى من العدالة. وتفتتح المرحلة الجديدة من متابعة جريمة اغتيال الحريري، التي ستأخذ وقتاً وتتطلب المزيد من الصبر، باحتفال خطابي يتحدث فيه رئيس قلم المحكمة روبن فنسنت ثم مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة باتريسيا أوبراين، والسفير اللبناني في هولندا زيدان الصغير، ليتبعه روب زاغمان سفير المنظمات الدولية لدى هولندا على أن ينهي الحفل القاضي الكندي دانيال بلمار الذي بات بدءاً من اليوم المدعي العام للمحكمة، في كلمة يليها مؤتمر صحافي يجيب خلاله عن كل الأسئلة التي طرحت في الأيام الماضية والتي ما زالت تتردد، في شأن قدرة المحكمة ودور مجلس الأمن على احضار المشتبه بهم من دول أخرى، وأوضاع الضباط اللبنانيين الأربعة الذين رد القضاء اللبناني طلب إخلائهم قبل يومين، ودور مكتب التحقيق التابع للمحكمة الذي سيبقى في لبنان، ومذكرة التفاهم بين المحكمة ووزارة العدل اللبنانية في شأن التعاون مع هذا المكتب... الخ. وكان بلمار وصل الى لاهاي ليل أول من أمس، وزار صباح أمس مقر المحكمة في لايشندام حيث تعج المكاتب بالحركة تحضيراً لليوم الأحد الذي سيشهد حشداً صحافياً وديبلوماسياً ودولياً كبيراً. وبدءاً من غد الاثنين، سيبقى الاهتمام مركزاً على مقر المحكمة لأنه سيشهد خلال الأسابيع الأربعة المقبلة مجموعة من الاجراءات الداخلية الاساسية لتكريس قيام المحكمة عملياً، منها انتقال القضاة الأحد عشر اليها لانتخاب رئيس المحكمة ونائبه، وتعيين نائب المدعي العام، وكذلك تعيين قاضي الاجراءات الداخلية، وتحديد توقيت نقل الملف كاملاً من القضاء اللبناني الى المحكمة ومعه الموقوفون. السنيورة وعشية انطلاق أعمال المحكمة، وجه رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة شكره الى الأسرة الدولية ولجنة التحقيق والقوى الأمنية اللبنانية على الجهود التي بذلوها للوصول الى هذه المرحلة. وأكد في تصريح ان قيام المحكمة بعد أربع سنوات من اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه،"يُشكِّلُ بدايةً جديةً للعمل على وضع حد لمسلسل القتل المتمادي في لبنان والذي كان يتم من دون عقاب أو حساب". راجع ص 6 و7 وشدد السنيورة على ان"سعي اللبنانيين إلى الحقيقة ما كان يوماً من اجل الثأر أو الانتقام، إنما كان ولا يزال من اجل حماية لبنان واللبنانيين من خلال ردع الإرهابيين ومنعهم من التمادي في إجرامهم". وفي موقف روسي لافت عشية انطلاق عمل المحكمة، أكدت موسكو أنها ستؤيد أي نتائج تصدر عنها، وأنه"ليس لدينا شكوك بموضوعية المحكمة وارتكازها إلى القانون الدولي"، وشدد مسؤول رفيع في الخارجية الروسية على أهمية أن"يتم كشف الحقيقة كاملة ومعاقبة مرتكبي جرائم الاغتيال السياسي"، مؤكداً ان موسكو"تنطلق في موقفها من أنه"لا يمكن القبول تحت أي مسميات بالاغتيال السياسي، ولا بقانون الغاب، ولا بد من معرفة الحقيقة كاملة". وعن مدى قناعة موسكو بموضوعية عمل المحكمة وابتعادها عن التسييس، أوضح المسؤول الروسي"اننا ندرك جيداً من اختيار مكان وهيكلية المحكمة وأيضاً من الخبرة الكبيرة للقضاة الذين عملوا على تأسيسها، أننا يمكن أن نطمئن إلى الموضوعية الكاملة لعمل المحكمة، ولا أحد يريد أن يرى سيركاً سياسياً، والأكيد أنه يجب معاقبة القتلة". لكنه شدد في الوقت نفسه على أهمية أن تكون نتائج عمل المحكمة"قائمة على دراسة جيدة للوقائع وأن تأتي بعد تمحيص واسع". في غضون ذلك، تابع رئيس الجمهورية ميشال سليمان زيارة رسمية لسلطنة عمان استهلها امس، بجولة محادثات مع السلطان قابوس بن سعيد، تركزت على التطورات الاقليمية والدولية، وعلى"أهمية استكمال المصالحات العربية وتعزيز أسس التضامن العربي لمواجهة الاستحقاقات والتحديات الداهمة". وتخلل المحادثات الموسعة خلوة بين الرئيس سليمان والسلطان قابوس، استمرت قرابة النصف ساعة ولم يكشف عن مضمون ما دار فيها. نشر في العدد: 16767 ت.م: 01-03-2009 ص: الأولى ط: الرياض