استيقظ امجد من نومه مذعوراً على"هدير"جهاز الستريو المنبعث من بيت الجيران. ألقى نظرة خاطفة على ساعة الحائط فأشارت إلى التاسعة صباحاً. وهذا يعني انه لم ينم أكثر من ساعتين، بعد أن عاد من عمله الليلي في السابعة صباحاً. هب من فراشه شاتماً لاعناً، وتوجه نحو الشباك المطل على بيت الجيران وصاح بأعلى صوته أن يخفضوا الصوت. مشكلته مع الضجيج المنبعث من بيت الجيران بدأت قبل عامين، حين قرر صاحب العمارة تأجير الطابق السفلي لمؤسسة ترعى الشبان الجانحين. وعلى رغم انه اشتكى مراراً للمسؤولين عن هذه المؤسسة ظل الأمر يتكرر. تحدث مع صاحب العمارة، لكن شيئاً لم يتغيّر، حتى عندما انتقل صاحب العمارة مع أسرته للعيش في الطابق العلوي. هذه المرة، لم يسمع صاحب الستريو المزعج صرخة جاره، وبلا شك ما كان سيسمعها لو لم يقرر امجد وضع حد بنفسه لهذا الإزعاج. تناول حجراً ورشق به جهاز الستيريو الموضوع على حافة الشباك المواجه لبيته. تحطم الجهاز وخمد صوته. أطل الشاب من الشباك فانهال عليه امجد صارخاً شاتماً، وخرج مدير المؤسسة وكل من فيها لاستطلاع الأمر وألفوا أمجد مزمجراً"يتطاير الشرر من عينيه". تفهّم مدير المؤسسة فعلة أمجد ونادى على الشاب كي يعتذر لجاره. لكن امجد أشاح بوجهه وصرخ:"هذه المرة سأسعى إلى مغادرتكم". لم يكن امجد على هذه الطباع في السابق. كثيراً ما أزعجته الموسيقى المنبعثة من شبابيك المؤسسة أو من السيارات التي تقطع الشارع الداخلي المجاور بسرعة كما لو أن السائق يسافر على طريق سريع. وأمجد ألف أيضاً هدير الغسالة في بيت شقيقه. صاحب العمارة وعده بإخلاء المؤسسة مع انتهاء عقد الإيجار، لكن ذلك يعني أن عليه الانتظار أشهراً، فسلّم أمره لله وقرر الانتظار. إلاّ أن حياته لم تعد إلى طبيعتها، فمقابل بيته أنشأ جاره ورشة ميكانيك سيارات وحدادة و"بويا". وبما أن هذا الجار يعمل أجيراً في ساعات النهار، لا يأتي إلى ورشته الخاصة إلا في ساعات بعد الظهر والمساء. ولما كانت المسافة الفاصلة بين غرفة نوم أمجد وورشة جاره لا تزيد على أربعة أمتار، هي عرض الشارع الفاصل بينهما، يُضطر امجد وأسرته إلى تحمل معاناة مضاعفة: الإزعاج من جهة، والمخاطر الصحية التي يسببها انتشار رائحة الدهان في بيتهم، من جهة أخرى. توجه أمجد إلى جاره مرات، لكن هذا الجار لم يسمع، واحتار امجد، هل يتوجه بشكوى إلى السلطة المحلية أم يشكو جاره للشرطة أو لمؤسسة الضرائب، فيخرب بيته؟ أسئلة كثيرة اجتاحت رأس أمجد الذي كاد ينفجر ألماً أكثر من مرة. لكن والدته، وعلى رغم مرضها وخطورة استنشاق رائحة الدهان على حياتها، منعته من الإقدام على أي عمل ضد جاره. قالت له إن الجيرة تحتم عليه الصبر وتحمل أذى جاره! وان لم يفعل امجد شيئاً ضد جاره فهو بالتأكيد لا يستطيع عمل أي شيء ضد شقيقه الذي وضعت زوجته الغسالة خارج منزلها، تماماً تحت شباك غرفة امجد. ولا يحلو لها هي الأخرى تشغيلها إلا في الليل، لتهدر كدوي المدافع فتزعج الحي كله. "الحياة أصبحت جحيماً لا يطاق"، قال لزوجته، لكنه يعرف تماماً ان لا مفر أمامه، فمن يضمن له الراحة حتى لو انتقل للعيش في مكان آخر؟ نشر في العدد: 16743 ت.م: 05-02-2009 ص: 22 ط: الرياض