الهجوم الديبلوماسي الايراني على المنطقة العربية انتقل الى مرحلة جديدة منذ ان أحكم المحافظون المتشددون قبضتهم على كل مراكز القرار، وتولى رمزهم الرئيس محمود احمدي نجاد الرئاسة. وحقق هذا الهجوم اختراقات كبيرة وواسعة، تمثلت ب"حزب الله"في لبنان وحركة"حماس"في فلسطين وبالتحالف الاستراتيجي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا مع سورية. وكذلك باستتباع شرائح شعبية وهيئات وتنظيمات وشخصيات في بلدان عربية أخرى، بعضها بفعل الانتماء المذهبي. لكن بعضا آخر معارضاً لنظم محلية ويسعى الى قلبها تطابق مع الشعارات الايرانية، ليتحول جزءا من اختراقها الديبلوماسي. وفي مقدم هؤلاء جماعة"الاخوان المسلمين"واذرعها الاعلامية العالية الصوت. الجمهورية الاسلامية في ايران، عملت منذ ايامها الاولى على"تصدير الثورة"الى الجوار العربي الذي لم يكن معدا، بفعل تاريخه وثقافته، لقبول ولاية الفقيه. فكان لا بد، من اجل الدخول الى المنطقة، من تبني شعارات يرفعها ابناؤها، لتتحول آلية"تصدير الثورة"، تبنيا للقضية الفلسطينية على نحو يجتذب المتشددين والمتطرفين، وبما يؤهل طهران الى ان تتحول مرجعية سياسية، وينزع الشرعية عن اصحاب القضية... وعندما اطلق الخميني"يوم القدس"في العام 1979، برر دعوته بالقول:"يوم القدس يوم عالمي، ليس فقط يوما خاصا بالقدس، إنه يوم مواجهة المستضعفين مع المستكبرين. انه يوم مواجهة الشعوب التي عانت من ظلم أميركا وغيرها، للقوى الكبرى. وانه اليوم الذي سيكون مميزا بين المنافقين والملتزمين. فالملتزمون يعتبرون هذا اليوم يوما للقدس، ويعملون ما ينبغي عليهم. أما المنافقون فهؤلاء الذين يقيمون العلاقات مع القوى الكبرى خلف الكواليس، والذين هم أصدقاء لإسرائيل، فإنهم في هذا اليوم غير آبهين، أو أنهم يمنعون الشعوب من إقامة التظاهرات". هكذا اراد الخميني ان يكون آخر يوم جمعة من شهر رمضان يوما لتجديد الحملة ضد الولاياتالمتحدة وضد من تعتبره ايران حلفاء اميركا في المنطقة، اي البلدان العربية حيث ينبغي ان تقوم التظاهرات لتطيح النظم القائمة. واذ اهدى النظام الايراني الجديد المبنى الذي اتخذته اسرائيل مقرا لسفارتها في طهران، في ظل الشاه، الى منظمة التحرير ليكون مقرا لسفارتها، وخص الرئيس الراحل ياسر عرفات باستقبال الابطال، فإن العلاقة مع منظمة التحرير الفلسطينية تدهورت سريعا، وبسرعة افتراق الحسابات السياسية لكل من الطرفين: عرفات يريد وطنا للفلسطينيينوايران تريد فلسطين آلية في دعواها السياسية. وتحول عرفات الى موضع الهجوم السياسي لايران وحلفائها، بتهمة التفريط والتخاذل، قبيل الاجتياح الاسرائيلي للبنان العام 1982 وبعده وقبل اتفاقات اوسلو. ومن ثم بات في موقع الاعداء منذ ان عاد الى الاراضي الفلسطينية. وتوفي الزعيم التاريخي للفلسطينيين وهو على قناعة بأن ايران وراء تقويض كل جهوده من اجل اقامة دولة فلسطينية عبر حل سلمي متفاوض عليه. ولذلك تعطي الاستراتيجية الايرانية القضية الفلسطينية الاولوية، في دعايتها السياسية، ما دامت هذه القضية تثير الشعوب العربية وتؤلبها على حكامها، تماما كما حصل خلال العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة. لكن المؤتمنين على هذه القضية يتحولون فورا الى متخاذلين ومتواطئين وعملاء، وهم هنا البلدان العربية المجمعة على حل سلمي للنزاع وعلى مبادرة في هذا الشأن، عندما تلوح ظروف يمكن ان تساعد على الاقتراب من حل. وفي هذه الايام التي تشهد مناخا دوليا متصاعدا يشير الى ان الوقت حان لإيجاد هذا الحل، كما يسعى العرب الى استثمار هذا المناخ عبر الدفع بمبادرتهم وملاقاة الادارة الاميركية الجديدة المهتمة بهذا الحل، يحصل كل هذا التصعيد من حلفاء ايران، سواء ضد شرعية منظمة التحرير ومرجعيتها او ضد مساعي المصالحات العربية وتوحيد المواقف الذي يعطي دفعا اضافيا لعملية السلام، او بالتصعيد مع اسرائيل التي ترد بعدوانيتها وهمجيتها المعروفة ما دامت مصلحتها هي ايضا في منع الحل. وليُفتح بعدها بازار اعلامي يركز على الخيانة العربية والتواطؤ وبيع القضية والعمالة للعدو، وبما يجعل من ايران الحامية الوحيدة للقضية، وتاليا صاحبة القرار فيها وفي المنطقة. نشر في العدد: 16742 ت.م: 04-02-2009 ص: 17 ط: الرياض