في كل لحظة، كانت ترنو ببصرها نحو الباب، «فربما تأتي إحداهما». لكنها تستدرك «هما لا تأتيان إلا نادراً». لكن أحداً من أقارب زهور ذات السبعة عقود، لم يزرها في اليوم العالمي للمُسنين، الذي صادف يوم السبت الماضي، باستثناء مجموعة من الفنانين التشكيليين، الذين قرروا في هذه المناسبة، أن يقضوا يوماً مع القاطنين في المجمع الصحي، التابع لجمعية سيهات الخيرية للخدمات الاجتماعية، حيث أكملت زهور قبل أيام، 15 سنة منذ دخلت إلى هذا المجمع، الذي يضم 120 مُسناً ومُسنة (العدد مناصفة بين الجنسين). وتمضي زهور ما تبقى لها من أيام، وهي تتحسب على من حرمها من بناتها، وتنظم قصائد بلهجة شعبية، تفيض أسى وآهات، وإن أسعفتها ذاكرتها «الهشة»، تعيد شريط أيامها منذ أن وضعتها ابنتاها في دار المسنين، التابعة للمجمع الصحي. وتسرد زهور قصتها لزوار الدار، «لم أنجب سوى ابنتين، وقمت بتزويجهما، إلا أنه بعد زواجهما بفترة، ولكبر سني احتجت إلى تواجدهما الدائم معي، فما كان من أزواجهما، إلا أن وضعا أمامهما خيارين: إما أنا، أو البقاء في بيوتهما مع أزواجهما، فما كان منهما إلا إحضاري إلى هنا، ولا يقومان بزيارتي إلا قليلاً جداً». وتفر دمعة من عينيها، منسابة على تجاعيد حفرها تعاقب السنون، لتؤكد «كان خيارهما صحيحاً. ولن أكون سبباً في هدم بيتيهما. ولا أتمنى لهما سوى السعادة في حياتهما». بدوره، أكد الاختصاصي الاجتماعي مكي خليل، الذي يعمل متطوعاً في المجمع منذ 20 سنة، فيما عمله الأساسي «مرشد طلابي»، ومن خلال خبرته أن «التعامل مع فئة كبار السن بحاجة إلى فن، وحسن تعامل، ولقد أصبحنا قريبين جداً من بعضنا، وكأننا أسرة واحدة. حتى أنه في اليوم الذي لا أمر فيه عليهم، لأطمئن على أحوالهم، يواجهونني في اليوم التالي بعبارة تشعرني بمدى مكانتي لديهم، «يتمتنا بعدم مرورك علينا». ويتذكر مكي، سيدة مسنة كانت «ستدخل إلى المستشفى، لإجراء عملية جراحية، فرفضت الدخول إلا بعد حضوري. وهذا هو الحال ليس معي فقط، بل مع جميع العاملين في المجمع. فهي علاقة إنسانية ربطت العاملين في القسم مع المستفيدين والمرضى منهم»، مشيرا إلى أن المجمع الصحي، يستقبل حالات للمسنين «ليس على مستوى المنطقة الشرقية فقط، وإنما من جميع مناطق المملكة. وهناك حالات مضى على تواجدها هنا نحو 30 سنة. وتختلف حالة كل منهم عن الأخرى. إلا أن معظمهم يعانون من أمراض الشيخوخة، مثل الضغط، والسكري، إضافة إلى حالات البتر، بسبب «الغرغرينا». وينفي أن يكون تناصف عدد الحالات الموجودة في المجمع، بين الرجال والنساء، دليلاً على أن معدل عقوق الوالدين مرتفع، «بل لحاجتهم إلى رعاية صحية خاصة جداً، على يد مختصين، فالمستشفيات لا تسمح ببقاء المريض إلا لفترة معينة، وهي فترة العلاج التي يحددها الطبيب، ثم يعود إلى المنزل. فيما لا تتوفر في المنازل الإمكانات التي تتوفر في أماكن متخصصة، على غرار الموجودة في المجمع»، مبيناً أن الطاقة الاستيعابية للمجمع «150 سريراً، لم يشغل منها سوى 120»، متوقعاً أن «يرتفع هذا العدد بالاستناد إلى الأوضاع الاجتماعية». وأضاف مكي، «ليست العناية الخاصة فقط التي تكون عائقاً للأبناء، كي يبقوا أباءهم أو ذويهم معهم، فالسبب يعود إلى عدم مقدرتهم على نقلهم في حالات البتر، خصوصاً أن كبار السن تصبح أجسادهم ثقيلة جداً»، مردفاً أن «بعض الحالات يأتيها أجلها وهم معنا في المجمع، وهم الذين لم يتزوجوا، ولم ينجبوا أبناء. ونحاول جاهدين تعويضهم عما ينقصهم من التواصل الأسري المهم جداً لهذه الفئة في هذا السن». وقال: «صادف يوم السبت اليوم العالمي للمسنين، وفي هذا اليوم تكون هناك زيارات للمجمع من قبل جهات حكومية وأهلية عدة». إلى ذلك، نفذت جماعة «إبداع للفنون التشكيلية»، زيارة إلى المجمع. وقال الفنان عبد العظيم الضامن: «جئنا إلى هنا لأهمية هذه الفئة في المجتمع، ولحاجتها إلى التواصل، إذ رأى 20 رجلاً وسيدة القيام بزيارة إلى دار المجمع. وكان التواصل جميلاً جداً مع هذه الفئة. وأقمنا احتفالية لهم، بالتعاون مع إدارة المجمع، وقدمنا لهم الورود. كما شعرنا بمدى سعادتهم لتواجدنا معهم».