خلال حرب الخليج الأولى لاحظت أن الرئيس جورج بوش الأب والأمير خالد بن سلطان والجنرال نورمان شوارزكوف كلهم عسران، وكتبت عن الموضوع، واليوم هناك رئيس أميركي أعسر جداً هو باراك أوباما، ولعله ينجح في حل الأزمة المالية وقضية الشرق الأوسط والحرب في أفغانستان، كما نجح الفرسان الثلاثة سنة 1990-1991 في تحرير الكويت. كنت لاحظت أن أوباما أعسر، ويبدو ان"سي إن إن"لاحظت معي، فقد بثت عنه قبل يومين حلقة كاملة أعادت بثها، ودرست فيها عسران التاريخ، وقابلت بعض المعاصرين وسألتهم رأيهم في الرئيس الأعسر. هناك شيء لافت في الرؤساء الأميركيين فباستثناء جيمس غارفيلد من القرن التاسع عشر، كل العسران منهم كانوا في القرن العشرين وأولهم هربرت هوفر ثم هاري ترومان وجيرالد فورد ورونالد ريغان وجورج بوش الأب، وبيل كلينتون، والآن باراك أوباما. وهذا يعني أنه منذ الاستقلال الأميركي سنة 1776 كان الرؤساء أَيْمان حتى تحولوا الى غالبية من العسران في العقود التي عاصرناها. لا أعرف إذا كان هناك مغزى للتحول، ولكن أقرأ أن العسران موهوبون ويحلون المشاكل بطريقة مبتكرة، فلعل أوباما يطلع بشيء لحل المشاكل المتراكمة فاتنا جميعاً. نعرف ان رسول الله كان يحب التيمّن في جميع أمره، أي البدء باليد اليمنى والرجل اليمنى والجانب الأيمن. والعرب يستعملون اليد اليسرى في التنظيف والأمور غير المستحبة، إلا أنهم ليسوا وحدهم فعندما بدأت أقرأ عن الموضوع لاحظت أن اليد اليمنى مفضلة في الشرق الأوسط قبل الإسلام وبعده، وفي أوروبا وغيرها حتى هذا العصر، والى درجة أن العسران في أوروبا كانوا يواجهون ما يعادل التمييز العنصري في القرون الماضية. بل ربما كانوا يزايدون علينا"يمينياً"في الغرب، فكلمة"يمين"في اللغات الأوروبية تعني أيضاً"الحق"، أو"الصحيح". وكنت قرأت في قاموس اكسفورد الكامل ان كلمة بالانكليزية، بمعنى شر أو شرير، أصلها لاتيني بمعنى اليسار. وهم يقولون عن شيء أو موضوع انه"صنع باليد اليسرى"والمقصود انه غير مصنوع جيداً. إذا تركنا العنصرية ضد العسران جانباً، فهناك دراسات وأبحاث تثبت أن العسران أنجح من الأَيْمان، فهذا رأي كريس ماكمانوس من جامعة لندن الجامعية في كتاب بعنوان"اليد اليمنى، اليد اليسرى"، وأيضاً كلية لافاييت وجامعة جونز هوبكنز في استطلاع نشر سنة 2006، وأظهر أن العسران أنجح 15 في المئة من الأيْمان إذا ذهبوا الى الجامعة، وأنجح 26 في المئة إذا تخرجوا. يقال إن جان دارك ورعمسيس ويوليوس قيصر ونابوليون والملكة فيكتوريا وكثيرين من ملوك بريطانيا كانوا من العسران، وأيضاً ألبرت اينشتاين. وأقول إن هذا ربما كان صحيحاً، وأزيد ان الصحيح بالتأكيد والذي عاصرناه هو أن بين العسران المتفوقين بيليه، أعظم لاعب كرة قدم، ورود لامز رود الصاروخ في كرة المضرب، وبعده جون ماكنرو، ومارتينا نافراتيلوفا ومونيكا سيليش بين النساء، وايرتون سينا في سباق السيارات. العسران في العالم أقل من عشرة في المئة، ومع ذلك نرى من الأسماء السابقة كيف كانوا أبطال لعبتهم المختارة. لا أعرف إذا كان هناك عسران بين القادة العرب الحاليين، ولكن أعرف أن كلاً من بنيامين نتانياهو وإيهود أولمرت أعسر ويتقن قتل النساء والأطفال، مع بطولة في الدجل والتدليس. وأكمل ببعض اللغة، فنحن نقول رجل أعسر وامرأة عسراء، والجمع عسران وعسراوات. ونقول رجل أعْسَر يَسَر، أي يستعمل يديه الاثنتين، وكان الخليفة عمر بن الخطاب من هؤلاء، وفي مثله قالت العُرب: ليس شيئاً أشد رمياً من الأعسر. والعُسْر ضد اليُسْر، وفي القرآن الكريم: ان مع العسر يسراً. في المقابل اليمن تعني البركة، واليمن خلاف الشؤم، ونقول رجل ميمون، أي حسن الطالع. وأنتظر أن يثبت باراك أوباما شطارته كأعسر، فحتى اليوم نعرف انه كان لاعب كرة سلة، ومركزه في الدفاع، ما يربك اللاعبين في مواجهته لأن أكثر لاعبي الدفاع يستعملون اليمين، وبقي أن نرى مهارته في اللعبة السياسية. نشر في العدد: 16760 ت.م: 22-02-2009 ص: الأخيرة ط: الرياض