بلغ جون ماكنرو نجم كرة المضرب الاميركي"الفذ والناري"الدائم الصخب والغضب سن ال50 قبل ايام، ولكن على رغم اعتزاله مطلع التسعينات، الا انه لم يغب عن ملاعب"الكرة الصفراء"، وكأنه يرفض الاعتزال، وهو القائل:"لن اعتزل ابداً ودائماً، سأقدم الافضل". يثابر ماكنرو على خوض المباريات الاستعراضية ودورات القدامى. وزاول مهنة التعليق على المباريات، والتقويم الفني للاعبين، طارحاً مقارنات قيمة وآراء فنية صائبة، فضلاً عن استثمار ثروته في اعمال خاصة، منها تملكه لغاليري فنية في مانهاتن. لكن ماكنرو الحاضر يختلف الى درجة كبيرة عن ماكنرو النجم المحترف، الذي اختلف في شأنه كثر، لكنهم اتفقوا على تميزه وموهبته. واستمتعوا بتلك المسيرة الناجحة وبردود الفعل المتفجرة الملتهبة والعاصفة، وأحصوا المضارب التي كسرها احتجاجاً مردداً في وجه الحكام عبارته الشهيرة"هل أنت جاد في ما تقول؟"، مهدداً بقلب الكرسي على رؤوسهم، ورمي كاميرات المصورين وتحطيمها. بعضهم كان يعتقد ان ماكنرو يبالغ في تصرفاته، خصوصاً عندما يقلد الاخرين، ويصدر اصواتاً مزعجة ومقززة، ويتصرف بطريقة تنم عن"قلة ادب وسوء سلوك"، حتى ان احد المعلقين وصفه ب"تناقض متجول"، و"رامي قنابل متفجرة"يميناً ويساراً. ومن يحلل شخصية ماكنرو، يفاجأ بان الفتى لم يولد متمرداً عصياً، بل تلقى تربية بورجوازية. انه"ماك السكين القاطع"، الذي يجادل الى ما لا نهاية، ولا يقبل انصاف حلول، لكنه في المقابل نسج ذاته في فنون ارسال الكرات وصدها، والتنقل لمعالجتها وبطرق يعجز عنها الآخرون. فيبدو كأنه يجري حسابات هندسية لمساحة الملعب ورقعة التحرك. وحين فاز مثلاً على مواطنه التشيكوسلوفاكي الاصل ايفان ليندل بثلاث مجموعات في نهائي فلاشينغ ميدو عام 1984، تقدم 106 مرات الى الشبكة. ولد ماكنرو"الاعسر"1.83 م في 16 شباط فبراير 1959 في مستشفى القاعدة الجوية الاميركية في فسيبادن المانيا، حيث كان يعمل والده"العصامي"ابن مهاجر ايرلندي، والتحق في شبابه بجامعة ستانفورد، لكنه لم ينه دراسته. احترف ماكنرو عام 1977 وارتقى سريعاً الى الموقع ال270 عالمياً، ودخل دورة ويمبلدون من الباب الواسع فبلغ نصف النهائي، وكان الاصغر سناً في تاريخ هذا الدور، مقدماً"طعماً مختلفاً"للمنافسات على حد تعبير احد معلقي شبكة"بي بي سي"، اذ سحر بخفة حركته واسلوبه الخصوم ولفت انظارهم، خصوصاً في طريقة الصد الجانبي و"التمركز المائل". ظهر ماكنرو في عصر مواطنه جيمي كونورز و"الاعصار الاشقر"السويدي بيورن بورغ، فقاسمهما التسيد والسمعة والانجازات، وبات شريكاً شرعياً لهما. نال من كونورز 20 مرة في 30 مواجهة، وتقاسم القاب النهائيات الكبرى مع بورغ بواقع 7 انتصارات لكل منهما، ولعل ابرزها واكثرها تاريخية موقعة ويمبلدون عام 1980. كان ماكنرو محارباً دائماً امام كونورز الانيق، الذي لا يذعن للخسارة، ولا يهادن البتة امام الاسطورة بورغ. وغالباً ما تطلب حسم مواجهاتهما مجموعة خامسة مضنية، وفي احداها فصل الموقف شوط كسر للتعادل"تاي بريك"قاطع للانفاس استغرق 22 دقيقة، وانهاه بورغ اخيراً لمصلحته 18-16، وتضمن 7 كرات"قاطعة". كان ماكنرو اعصاراً على طريقته، وحقق عام 1984 نسبة الفوز الاعلى للاعب في العصر الحديث، وبلغت 82 انتصاراً في 85 مباراة. تصدر ماكنرو التصنيف العالمي 170 اسبوعاً ما بين 1981 و1984، كما ارتقى لهذا الموقع للمرة الاولى في 3 آذار مارس 1980. ويتضمن سجله الغني 77 لقباً للفردي ومثلها لزوجي، منها 7 القاب في البطولات الاربع الكبرى"غراند سلام" 4 مرات في فلاشينغ ميدو: 1979،1980،1981 و1984، و3 مرات في ويمبلدون: 1981، 1983 و1984. واسهم في احراز منتخب الولاياتالمتحدة كأس ديفيس 6 مرات 1978، 1981،1987، 1989، 1991 و1992، فضلاً عن بلوغه النهائي عام 1984. وخاض أمام السويدي ماتس فيلاندر المباراة الأطول في المسابقة خلال اللقاء ربع النهائي عام ،1982 الذي انتهى سويدياً 3-2، وهو فاز على فيلاندر في سانت لويس بعد"سجال"دام 6 ساعات و32 دقيقة. ويبدي ماكنرو تفاؤلاً بمستقبل الكرة الصفراء في السنوات الخمس المقبلة، خصوصاً في فئة الرجال، نظراً"للاداء المؤثر والممتع الذي يقدمه الاسباني رافايل نادل والسويسري روجيه فيدرر والصربي نوفاك ديوكوفيتش والبريطاني اندي موراي والفرنسي جو ويلفريد تسونغا، اذ يتمتع كل منهم بشخصية فريدة". ويلفت الى ان الشقيقتين الاميركيتين سيرينا وفينوس وليامس تقدمان فواصل جميلة وشيقة مقارنة ببقية لاعبات المقدمة. تزوج ماكنرو من الممثلة تاتوم اونيل عام 1986، وانجب منها كيفن 1986 وشين 1987 واميلي 1991، ثم انفصلا عام 1992. وكانت مسيرته الاحترافية آخذة في الافول، علماً بانه اضحى عامذاك من اكبر المعمرين الفائزين بالالقاب في ويمبلدون، اذ أحرز وهو في سن ال33 كأس الزوجي للرجال بصحبة الالماني مايكل ستيخ. واقترن ماكنرو بالمغنية الموسيقية باتي سميث عام 1997، وانجب منها آنا 1997 وايفا 2000. وهذا"العاصف"الذي لم يمنح شرف عضوية نادي"عموم انكلترا"، نظراً لطباعه الفجة، ربما وجد في الموسيقى والسينما وحتى تأليف الأغاني والاعمال الخيرية والفنية ومنها الرسم، افقاً وطاقة مختلفة عن تلك التي كان يفجرها في الملاعب، وكأن كرة المضرب لم تكف لاظهارها واشباع نهمه منها. نشر في العدد: 16758 ت.م: 20-02-2009 ص: 21 ط: الرياض