ابتداء لا يمكن القول إن العالم العربي الشعبي والرسمي مجمع على قراءة واحدة للثورة الإسلامية في إيران، ويمكن أن نقسم القراءات العربية إلى ثلاث أساسية، تمثل صورة إيران في العالم العربي بعد مضي ثلاثين عاماً على ثورتها الإسلامية. القراءة الأولى تنظر إلى إيران نظرة تقليدية في سياق التوجه القومي القديم، فترى تطورها خطراً على العالم العربي تماماً مثلما كانت تنظر إلى تركيا في الماضي وإلى إسرائيل، ولم يجد هذا الفريق اختلافاً في إيران الملكية عن إيران الإسلامية، فكلتاهما دولة فارسية لها مشروع يتمدد بطبيعته على حساب العالم العربي على الأقل في منطقة الخليج، بل يعتبر جزء من هذا الفريق أن إيران أخطر على العالم العربي من إسرائيل، وأن التفاهم بينها وبين إسرائيل ممكن، لذلك يرى خطراً في التسلح النووي الإيراني. هذا الفريق تحركه دوافع قومية ودوافع علمانية، من حيث أن إيران دولة أيديولوجية ترفع شعار الإسلام المناهض للاتجاه العلماني، لذلك اعتبر هذا الفريق سقوط نظام صدام حسين كارثة وفرصة لإيران للتوسع. القراءة الثانية ترى أن إيران دولة إقليمية ثارت على الفساد والظلم لتصحيح أوضاع شعبها، وكان رد فعلها عنيفاً ومتطرفاً على حالة الانفلات الاجتماعي والديني، وطمس الهوية الإسلامية للشعب الإيراني في عهد الشاه، وأن إيران الإسلامية بسبب زوال الشاه الصديق للغرب، وبسبب طابعها الإسلامي، وبسبب الرغبة في التحرر من التبعية الغربية، تعرضت للحصار وتحريض العراق عليها لإضعافها وكسر شوكتها، لكن إيران صمدت، وقادت صراعاً سياسياً محموماً ضد الولاياتالمتحدة، وبذلك دخلت إلى دائرة الاحتكاك"بالنظم المعتدلة"، وأن الحكم الايراني تمكن خلال الثلاثين عاماً الماضية من الاستمرار، ومن توسيع رقعة نفوذه على حساب الانسحاب العربي السياسي من جميع القضايا العربية، بحيث أصبحت إيران الطرف الآخر مع الولاياتالمتحدة في الملفات العربية. أما الدول العربية الرئيسية فقد قنعت بمهاجمة إيران إعلامياً والتحريض عليها سياسياً، وكذلك فعلت مع معكسر المقاومة العربية الذي تسانده إيران، وأن نجاح طهران في تعظيم أوراقها جعلها نداً للولايات المتحدة التي قد تضطر في النهاية إلى الحوار معها وربما اقتسام النفوذ ، بعد أن تملكت إيران ورقة مهمة في أفغانستان، وورقة أهم في التصنيع العسكري، وثالثة في لبنان، ورابعة في سورية، وورقة خامسة في فلسطين، وورقة سادسة مع روسيا والصين، ووظفت قدرتها الاقتصادية لزعزعة التحالف الأوروبي - الأميركي ضدها. يرى هذا الفريق، الذي أنضم إليه، أن تخلي العالم العربي عن أوراق القوة العربية هو الذي شجع إيران على التقدم في العراق، لذلك من مصلحة العالم العربي أن يقيم حواراًَ بناء مع إيران، حتى لا يصحو يوماً وقد اقتسمت إيران المنطقة العربية مع واشنطن، وتوافقت مع إسرائيل على إحكام السيطرة على الجسد العربي الذي يكاد يفقد مراكز التأثير والتنفيذ والقرار. أما الفريق الثالث فهو الفريق الطائفي، الذي يرى أن الثورة الإسلامية في إيران محدودة الأثر في الخارج، لأنها ثورة شيعية وأن ظهورها قد أشاع عدم الاستقرار في المنطقة، وقوّى جانب الشيعة ضد السنة، وأشعل فتيل الأزمة بين المسلمين، كما أن مساندتها المقاومة العربية التي يراها هذا الفريق تطرفاً وعنفاً لا لزوم له، فقد فرق العالم العربي بين المقاومة والاعتدال، مثلما فرق بين النظم العربية داخل الأوطان العربية في لبنان وفي فلسطين وفي العراق. وقد تسببت هذه السياسة الإيرانية في توتر العلاقات بين مصر وحماس، وبين مصر وسورية، وبين السعودية وكل من حماس وسورية، وبين مصر والسعودية من ناحية وحزب الله من ناحية أخرى. وبذلك أسهمت القوة الإيرانية في تمزيق العالم العربي وتمزيق الصفوف العربية الداخلية خدمة للمشروع الإيراني، الذي تمسك بالجزر العربية الثلاث في الخليج، ولا يفترق عن إسرائيل في أطماعه تجاه المنطقة العربية.