أسفرت المعركة الانتخابية في إسرائيل ليس فقط عن توزيع جديد للقوى السياسية سواء في الحكم أو الكنيست البرلمان يتلخص في الانزلاق نحو اليمين، وإنما كشفت الأقنعة الأربعة التي تعبر عن طبيعة الدولة التي تشعل الحروب ثماني حروب منذ إنشائها وتشيع الخراب والدمار في المنطقة العربية ومن حولها والتي تزعم الديموقراطية وهي في الأصل دولة القلعة العسكرية. لن نذهب بعيداً في هذا التحليل وإنما نلتقط لمحات من شعارات الحملة الانتخابية، سواء الصادرة من حزب العمل بزعامة ايهود باراك والذي يمثل يسار الوسط، أو من حزب كاديما بزعامة تسيبي ليفني ويمثل الوسط نسبياً أو من حزب الليكود اليميني بزعامة بنيامين نتانياهو، أو حتى حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المتطرف بزعامة افيغدور ليبرمان. وإذا أضفنا القوى والتيارات السياسية الأخرى، يمكن أن نتبين أربعة أقنعة تلبسها إسرائيل كمهرج لهذا السيرك الدامي والحروب العبثية في الشرق الأوسط. وكشفت تصريحات قادة إسرائيل أنفسهم تلك الوجوه تعبيراًً عن طبيعتها، فهي دولة صهيونية ودولة يهودية وكذلك دولة عبرية وأيضاً هي دولة إسرائيلية. حين نتحدث عن إسرائيل"دولة صهيونية"تقفز إلى الذهن أطماع المخطط الصهيوني في اغتصاب أراضي العرب واقتلاعهم منها، وإقامة المستوطنات والسيطرة على موارد المنطقة وتوسيع دولة إسرائيل الكبرى، وهذه أقرب ما تكون إلى حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المتطرف ذي الميول الفاشية والذي هدد بضرب السد العالي ويطالب بطرد الفلسطينيين من بلادهم. و"الدولة اليهودية"هي الوجه الذي تروج له إسرائيل لدى الرأي العام العالمي، الأمر الذي يعني التمسك بالهوية اليهودية العنصرية والتمهيد للتخلص من السكان العرب داخل إسرائيل، وربما يعد حزب الليكود معبراً عن هذه الهوية القومية الدينية التي تصوغ خطابها السياسي في تشجيع جمع يهود الشتات والاحتفاظ بالأراضي وتوسيع المستوطنات وابتلاع القدس العربية والمراوغة في مسألة الحدود والتمسك بسلام اقتصادي وإنكار وجود شريك فلسطيني، وهذا يظهر تقارباً مع توجهات حزبي كاديما والعمل. وحين نتناول إسرائيل ك"دولة عبرية"نعتبر وجودها الحالي تجسيداً للثقافة العبرية تاريخياً وإحياء لقومية قبلية متحجرة تحاول كسب شرعيتها بغطرسة القوة في منطقة لا تقبلها، وفي هذا الصدد نجد إسرائيل العبرية تحاول التطبيع والتسلل الثقافي إلى الوجدان الإسلامي والعالمي علاقاتها مع تركيا وإيران في ما سبق واندونيسيا في الطريق، وحول هذا المحور تدور أدبيات حزب الليكود بزعامة نتانياهو وآخرين . وأخيراً نتأمل القناع الرابع الزائف عبر المشروع الاستيطاني الاستعماري ? وهو"دولة إسرائيلية"نسبة إلى من يعتبرونه جدهم الأكبر، يعقوب أو إسرائيل، الذي تبرأ منهم مسبقاً. ومن خلال هذه القراءة نفهم الممارسات التي جمعت سمات الأقنعة الثلاثة السابقة وصهرتها مع القناع الرابع، أي دولة إسرائيلية تعتمد الاستيطان في العالم العربي، ومنها خرجت السياسات العنصرية التي تنكر على الفلسطينيين حقوقهم. هذه الوجوه الأربعة، تجعل إسرائيل دولة"صهيونية"و"يهودية"و"عبرية"و"إسرائيلية"في آن واحد، ومن هذا المزيج تنطلق السياسات في الداخل والخارج وتدور حول محور رئيسي هو استراتيجية إدارة الصراع وليس حله. معنى هذا أن الشعارات التي كانت تموج بها الحملة الانتخابية تبرهن على أن الطبيعة الرباعية المكونة لإسرائيل هي الواقع العنصري الذي يمثل تهديداً للأمن القومي العربي. * كاتب مصري