آذنت حوادث غزة بانعطاف في موازين القوى بالشرق الاوسط. وليست المسألة ما حصل بدافوس بين رجب طيب اردوغان، رئيس الوزراء التركي، وشمعون بيريز، الرئيس الاسرائيلي، بل ما حصل قبل مؤتمر دافوس وسوّغ ما اقدم عليه اردوغان. فإيهود اولمرت، رئيس الوزراء الاسرائيلي، أمر بشن هجوم دموي على غزة راح ضحيته مئات المدنيين الابرياء، إثر زيارته أنقرة. فهل تتوقع اسرائيل من حليفتها تركيا أن"تتفهم"ما فعلته في غزة، لتفادي تهديد اللوبي اليهودي بطرح مسألة مذابح الارمن في الكونغرس الاميركي، وابتزاز الاتراك من طريق تبيان أوجه الشبه بين القضية الفلسطينية وقضية"حزب العمال الكردستاني"وقصف تركيا شمال العراق؟ والحق أن موقف اردوغان من غزة رفعه الى مرتبة بطل في عيون الشارعين العربي والتركي، وعزز مكانة تركيا بالمنطقة. والاراضي التي تحتلها اسرائيل، وأراضي دولة اسرائيل، كانت تابعة للإمبراطورية العثمانية، وحكمتها تركيا قبل ولادة اسرائيل. وتتحمل تركيا مسؤولية تاريخية وجغرافية تجاه تلك الاراضي وسكانها، ومسؤولية أمنية. وليس في وسع تركيا أن تغض النظر عن وقوع اضطرابات امنية في حديقتها الخلفية، وتهدد، الى حد ما، أمنها واستقرارها. وجليّ أن كفة وزن تركيا في المنطقة غلبت تلقائياً. فهي تملأ فراغاً في القوة خلفته حرب العراق وانقسام الدول العربية وضعفها. وخلّف هذا الفراغ آثاراً سلبية في القضية الفلسطينية. واليوم، تعيد تركيا الامور الى نصابها. وليست اسرائيل الدولة القوية في المنطقة، على ما يحسب كثر، المخولة قطف ثمار الانقسام العربي وضعفه. فهي تسند ظهرها الى اميركا، وهذا هو سر قوتها. ويبدو ان اميركا لم تعد، اخيراً، قادرة على بسط نفوذها في المنطقة من دون دعم حلفائها. وأماط ما حصل في دافوس اللثام عن وضع كان قائماً، ولكنه لم يكن واضحاً. وهو بروز تركيا قوة مهمة في الشرق الاوسط. ولا شك في أن الرئيس الاميركي الجديد، باراك اوباما، يحتاج الى تركيا لمساندة مشروع السلام، وحل الدولتين الفلسطينية والاسرائيلية. ولن يطول الامر قبل أن يدرك مبعوثه الى الشرق الاوسط أن ثمة عقبتين تعوقان المشروع الاميركي، الاولى انقسام الفلسطينيين بين سلطة في الضفة و"حماس"في غزة، والثانية سعي اسرائيل الى اجهاض حل الدولتين، واطاحته. ولا يسع اسرائيل قبول حل الدولة الواحدة الذي يهدد بنيتها السكانية، وارتفاع وتيرة الولادات العربية. لذا، يدور الكلام باسرائيل على مشروع الحاق الضفة بالاردن وغزة بمصر. وفي مثل هذه الظروف، لا يستطيع أوباما ان يتجاهل تركيا ووزنها السياسي. وليس في مقدور تركيا ان تنساق وراء مغامرات اسرائيل التي قد تتفاقم عزلتها جراء سياساتها الحالية. عن جنكيز شاندار"راديكال"التركية، 7/2/2009 نشر في العدد: 16749 ت.م: 11-02-2009 ص: 24 ط: الرياض