لم يفعلها رؤساء أميركا من قبله، حتى الرئيس السابق جورج دبليو بوش، سلفه الأقرب، لم يستعمل موقع"يوتيوب"كمنصة للخُطَب الحساسة في السياسة، كما يفعل الرئيس باراك أوباما. المفارقة أن الشريط الأول، والذي لفت النظر بقوة الى العلاقة الخاصة بين أوباما وشبكة الإنترنت، كان ذاك الذي وجّهه الى إيران، عشية إنتخابات الرئاسة الأخيرة فيها. أي علاقة بين الأزمة الإيرانية المتطاولة وشريط أوباما على"يوتيوب"؟ يرى البعض أن الأمر يتعلق بعودة أوباما الى استخدام القوة الناعمة للدولة الكبرى، والتي يعتقد بعض المحللين الاستراتيجيين أنها تفوق القوة العسكرية بما لايقاس. والأرجح ان الأزمة الإيرانية، التي اندلعت بعد شريط"يوتيوب"واستخدمت فيها الانترنت بقوة، تؤيد الرأي القائل بأن الدول العظمى إنما تمارس هيبتها فعلياً عندما تستعمل القوة الناعمة، وليس المخالب العسكرية المكشوفة، وان الإنترنت وما تمثله من دلالات وأخيلة، تزيد في القوة الناعمة أضعافاً مضاعفة. ولا يتنبه كثيرون الى أن بعضاً من ميل أوباما الى تكرار وضع أشرطة على"يوتيوب"، وأخرها ذلك الذي بثه الموقع أثناء الاحتفال بعشرينية سقوط جدار برلين، يرجع الى تغيير أساسي في الفرجة المتلفزة المنزلية في الداخل الأميركي. فمن شبه المؤكد ان تمضي رئاسة أوباما في تاريخ الوسيط المرئي - المسموع باعتبارها زمن تحوّل منازل أميركا الى الفرجة المتلفزة الرقمية. وبعد مرحلة انتقالية امتدت قرابة عشر سنوات، أنهت الولاياتالمتحدة عصر البث التلفزيوني التقليدي، الذي يُسمى علمياً"أنالوغ"Analog، وكذلك أجهزة التلفزيون العادية التي تلقته، بداية الشتاء الفائت. وانتقلت للاعتماد حصرياً على البث التلفزيوني الرقمي وشاشاته الحديثة. وأوقفت البث المتلفز على نظام"أنالوغ"التقليدي. وبذا، صار البث التلفزيوني في الولاياتالمتحدة حكراً على الذين يمتلكون تلفزيونات رقمية مؤهلة بشكل أصيل بحيث تستطيع التقاط هذا النوع المتطور من البث المرئي - المسموع، وكذلك التلفزيونات التقليدية التي يُضاف إليها جهاز متخصص، يسمى"ديجيتال كونفرتر"Digital Converter، يستطيع توصيل البث الرقمي الى أجهزة ال"أنالوغ"التقليدية. ولا تتأثر بهذا الانتقال أيضاً الأجهزة التي تتلقى البث المتلفز عبر خطوط الكابل. وفي مطلع السنة الجارية، وبعد أيام قليلة من تسلّم الرئيس أوباما الرئاسة، أقر الكونغرس مشروعاً لتأخير الانتقال نهائياً الى البث الرقمي، بعد أن قضت الخطة الحكومية أن يحصل الانتقال في 17 شباط فبراير الفائت، ما منح الجمهور 4 أشهر إضافية لتدبّر الأمر. حينها، قدّرت لجنة متخصصة في الكونغرس أن قرابة 6.5 ملايين منزل لا تزال غير مؤهلة لالتقاط البث المتلفز الرقمي. وتأجّل الانتقال على رغم معارضة قوية من جانب ممثلي الحزب الجمهوري في الكونغرس، الذين رأوا أن عشر سنوات تعتبر مهلة كافية للجمهور لتغيير أجهزته التلفزيونية أو شراء جهاز"ديجيتال كونفرتر". وفي تعليقه على هذا الانتقال، قال مايكل كوبس، نائب رئيس لجنة الاتصالات في الكونغرس:"عند التغييرات الكبيرة، تحصل اضطرابات. ونحاول تسهيل عملية الانتقال". ويسمح الشكل الجديد في البث للحكومة ببيع كمية هائلة من موجات البث المتلفزة للشركات. فالمعلوم أن موجة البث التلفزيوني التقليدي تستطيع استيعاب العشرات من أقنية البث المرئي - المسموع الرقمي. ويقدر أن الحكومة تستطيع جني 20 بليون دولار من بيعها فائض الموجات لمحطات التلفزة المحلية التي تعمل في مجال التجارة. كما تعتزم تخصيص قسم من الترددات لاستخدامها في الاتصالات خلال حالات الطوارئ. نشر في العدد: 17038 ت.م: 27-11-2009 ص: 28 ط: الرياض