احتفل المدونون التونسيون الشهر الجاري ب"يومهم الوطنيّ من أجل التدوين"الذي يوافق الخامس من تشرين الثانينوفمبر من كل سنة. إلا أن احتفال هذه المرة جاء كئيباً إذ ألقى اعتقال المدوّنة فاطمة الرياحي المعروفة بالاسم التدوينيّ"فاطمة أرابيكا"بظلاله على يوم حريّة التدوين، بل إدخل اعتقال المدونة فاطمة الهلع في صفوف عدد منهم ممن تخوّفوا من إمكان تعرّضهم للاستنطاق من قبل الأمن وربما المحاكمة على غرار ما حصل مع زميلتهم. في تونس كما في عدد من الدول العربية، مازالت تجربة التدوين الإلكترونيّ تخطو خطواتها الأولى، وتتعثّر لأسباب عدة لعل أبرزها الرقابة الصارمة وعدم توافر الربط بالشبكة في كل المنازل. وعلى رغم التخفيضات التي شهدتها أسعار خدمة الربط بالشبكة، لا تزال هذه الخدمة غير معممة وشائعة بعدُ كما هي حال الهاتف الجوال مثلاً. ويقبل عدد كبير من الشباب التونسيّ على اقتحام هذا العالم وخوض تجربته والكتابة في شتّى المواضيع، وارتفع عدد المدونات ليبلغ الآلاف مع غياب إحصائية موثوق بها عن أعدادها الحقيقيّة، إلا أن متابعين يتوسّمون خيراً في الجيل الجديد من شباب المدوّنات القادرين على"توسيع هامش حرية التعبير، وصناعة رأي عام ينتقد القرار السياسي". وربما تعكس بعض الإحصاءات التي يطلقها مدوّنون بين الفينة والأخرى وتشير إلى تجاوز عدد متصفحي مواقعهم الخاصة على الشبكة آلاف الزوّار يومياً، حقيقة أنّ المدونات في تونس أضحت في نظر الكثيرين وعلى رأسهم الشباب، مكاناً جيداًَ لمادة إعلامية قيمة تُبرز رؤية جديدة غير تلك التي تعودوا عليها في وسائل الإعلام التقليدية التي يتهمها كثيرون بأنها ذات خطاب"رسمي خشبيّ أحاديّ التوجه". ولم يترك مدوّنو تونس موضوعاً إلا وطرقوا بابه، حتى لو بدا محرّماً. ويستفيد عدد من الشباب من إمكان التخفيّ الذي تتيحه شبكة الإنترنت، للتدوين بأسماء مستعارة والكتابة في الجنس والعاطفة والرياضة والسياسة والحياة الطالبيّة وغيرها من المواضيع التي تعنيهم. أشرف طالب لغة انكليزية، خاض تجربة التدوين حديثاً عندما انشأ مدونة تحمل الاسم الذي اشتهر به بين أصدقائه http://metallistic.blogspot.com/ . ويقول أشرف ل"الحياة":"حركة التدوين في تونس تشهد تطوراً على مستوى عدد المدونات و نوعية مواضيعها و كذلك عدد المتابعة ، لكن التدوين له عقبات عدة كسياسة الحجب وضعف تدفّق الإنترنت من جهة، والصراعات الأيديولوجية بين المدونين، لكن الأهم من كلّ ذلك هو أنّ فئة كبيرة من مستعملي الإنترنت في تونس لا تبالي بهذه الحركة وتهتم فقط بالتعارف والدردشة أو الدراسة". لا يهتمّ أشرف كثيراً بالسياسة، ويحرص على تحديث مدونته بما يسمح به وقته، ويدرج بين الفينة والأخرى مقاطع فيديو وملفات صوتية ويتعمّد الكتابة بلهجة محلية تونسية دارجة ليقرّب أفكاره لزوّار موقعه بشكل أفضل. صاحبة مدوّنة"بنت عائلة"http://bent-3ayla.blogspot.com/ ترى أنّ" التدوين يختلف عن الصحافة" وتقول ل"الحياة:" التدوين هو ما ينتجه صاحب المدونة بنفسه، هنالك حرية مطلقة في اختيار المواضيع، لكنّي لاحظت أنّ المدونات الساخرة تحظى بانتشار خاص، لا يمكن إنكار التكامل بين المدونات في استقطاب القراء لمجمع المدونات التونسية. فالقارئ، وإن كان لديه تفضيل لمدوّن دون أخر، يجد مادة ثرية ومتنوعة وأحياناً إعلامية جديّة. ولكن الشيء الأكيد كون هذه المدونات أصبحت الى جانب المنتديات وشبكة الفايسبوك، من أهمّ الفضاءات التي تحظى بالمتابعة، اذ وجد فيها القارئ نفساً جديداً ولغة قريبة منه، أكثر من لغة الإعلام الكلاسيكي" ظلّ حجب المدوّنات الجريئة العقبة الأولى أمام المدونين في تونس إلى وقت قريب، لكنّ استنطاق المدونة"فاطمة أرابيكا"أخيراً واعتقالها مدة 3 أيام بسبب شبهة"القذف عبر الشبكة"جعل الشباب يخشى من مصير مُماثل. المدوّن أشرف يرى أنّ اعتقال فاطمة كان له تأثير كبير في مواضيع المدونين، لكن التأثير الحقيقي للحادثة كان على مستوى المواقع الاجتماعية، حيث سارع المدونون الى إنشاء مجموعة لمساندتها واستدعوا جميع أصدقائهم"الفايسبوكيين"حتى من لم تكن له علاقة بالعالم التدويني ما ساهم في الدعاية للنشاط التدويني في تونس والتعريف به أكثر أمام مستعملي الشبكة"، على حدّ تعبيره. ولا ترى المدونة"بنت عائلة"أنّ الحادثة أثرت بشكل كبير في المدونين وتقول :" اعتقال فاطمة كان فرصة لنفس جديد في الفضاء التدويني، إذ سقطت الكثير من الخلافات وتم تقريب وجهات النظر، لقد كانت - على حد علمي- المرة الأولى التي يكون فيها الفضاء التدويني في مواجهة حقيقيّة مع الواقع". مشاكل المدوّنين كثيرة جدّاً ، ومن بين تلك المشاكل تحضر القرصنة الإلكترونيّة والهجمات التي يشنّها مدونون ضد زملائهم وتتجاوز"النقد البناء"وتجبر كثيرين على مغادرة التجربة باكراً بعد أن يتلقوا نصيباً من الشتائم في فضاء غير مراقب ولا تنظمه قوانين يمكن أن تعيد"الحقّ"لأصحابه. وقبل سنتين، أنطلق جدل في صفوف المدونين التونسيين حول تأسيس هيكل يجمعهم أسوة بتجارب في دول عربية أخرى ك"اتحاد المدونين الليبيين"و"اتحاد المدونين الجزائريين"وآخر للمصريين لا يزال تحت التأسيس. يقول الصّحافي والمدوّن سفيان الشورابي ل"الحياة":"مشروع تكوين هيكل يوحّد المدونين التونسيين ويمثلهم يبقى فكرة قائمة انطلق التفكير فيها منذ مدة طويلة. والكل ينتظر انفراج الأوضاع حتى يتعمق النقاش فيها أكثر. فمن المؤكد أن تأسيس هيكل يقتصر دوره على إصدار البيانات عبر الإنترنت لن يقدم إضافة كبيرة للحركة التدوينية في بلادنا. عموماً هناك تجاوب مع الفكرة وننتظر تحسن أوضاع الحريات في البلاد". لكنّ فكرة"اتحاد للمدونين"ينطق باسم مدوني تونس لا تحظى بموافقة عدد كبير منهم، فكثيرون كتبوا تدوينات في الموضوع ودعوا إلى"الحفاظ على تلقائية الحركة التدوينية حتى لا يتحوّل الهيكل الذي سيمثلهم إلى حلبة صراع للتيارات السياسية كما يحصل عادة مع كل هيكل غير حكوميّ". نشر في العدد: 17034 ت.م: 23-11-2009 ص: 25 ط: الرياض