بعد شهور من التوتر والقطيعة، استعاد البرلمان التركي هدوءه وعافيته، مع افتتاح دورته الجديدة أول من أمس، متجاوزاً تهديدات نواب المعارضة بالمقاطعة. وكرّس حضور قادة الجيش الكلمة الافتتاحية للرئيس عبدالله غل، بعد سنوات من القطيعة، التحول المهم الذي تشهده علاقة القيادة الجديدة للمؤسسة العسكرية بالقيادة السياسية. وعاد النواب الأكراد، ممثلين ب «حزب السلام والديموقراطية»، الى قاعة البرلمان وأدوا القسم الدستوري، بعد قطيعة بدأت منذ الانتخابات الاشتراعية في حزيران (يونيو) الماضي، بحجة حرمان خمسة من زملائهم من تسلّم مناصبهم، بذريعة سجنهم على ذمة قضايا لم تبتّ بها المحكمة حتى الآن. وقال رئيس الحزب صلاح الدين دميرطاش: «إننا ننضم الى البرلمان، لنعمل من أجل السلام والحقوق المتساوية لجميع المواطنين». وبلغ المشهد الدرامي ذروته، أثناء توجه النائب الكردية ليلى زانا الى المنصة، إذ استعاد الحضور مشهد أدائها القسم الدستوري باللغة الكردية عام 1991، ما سبّب أزمة سياسية وأدى الى حبسها عشر سنوات. لكن زانا قرأت القسم باللغة التركية، مكتفية هذه المرة بإبدال كلمة «الشعب التركي» ب «الدولة التركية»، انسجاماً مع مطالبتها بالاعتراف بوجود شعب كردي في تركيا. وفي إطار البحث عن تسوية للقضية الكردية، أشار غل خلال كلمته الافتتاحية، الى أن تركيا مستعدة لمناقشة كلّ شيء، باستثناء وحدة الدولة وأراضيها، تاركاً الباب مفتوحاً مستقبلاً على حلول فيديرالية أو حكم ذاتي. لكنه شدد على رفض أن يكون العنف أو الارهاب وسيلة للمطالبة بأي حقوق سياسية أو اقتصادية، وحضّ الأكراد على إعلان رفضهم هجمات «حزب العمال الكردستاني» ونشاطه المسلح. كما حرص غل على وضع معايير اعتبرها أساسية للدستور الجديد الذي سيعمل البرلمان على صوغه، مشدداً على ضرورة أن تغلب عليه «روح الحرية والمرونة»، وأن يكون مختصراً ويترك للبرلمان والحكومات سنّ القوانين المفسرة لمواده. لكن كلمة غل لم تنل مساندة نواب المعارضة أو تصفيقهم، إذ تجاهلت وضع النواب المسجونين على ذمة قضايا، والذين لم يتمكنوا من الحضور وممارسة حقهم النيابي. ويواجه البرلمان في دورته الجديدة، تحديات أبرزها صوغ دستور جديد تمنى رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان أن يكون جاهزاً قبل منتصف العام المقبل، إضافة الى تمديد الإذن سنة أخرى للحكومة بإرسال القوات البرية الى شمال العراق، لمواجهة «حزب العمال الكردستاني»، والبحث عن مخرج لمشكلة النواب المسجونين. لكن اللافت وسط هذه القضايا المهمة، أن يكون في مقدم جدول أعمال البرلمان، سنّ قانون داخلي يسمح للنساء بارتداء البنطلون داخل البرلمان وفي أروقته، بعدما اشتكت نواب من القانون الذي يفرض عليهنّ ارتداء التنورة فقط، ما أثار تعليقات رجّحت أن يبقى هذا البرلمان مشغولاً بقضايا لباس المرأة، من الحجاب الى البنطلون، على رغم مشاغله السياسية الضخمة.