يؤسفني عندما أرى طلبة الجامعات اليوم يتقدمون في مراحلهم الدراسية وهم لا يملكون خلفيات ثقافية سواء بتخصصاتهم أو بتخصصات اخرى وعندما تسألهم يقولون أو يتعللون بالجواب نفسه"لا وقت لدي"إذاً، متى يأتي هذا الوقت؟ أيأتي عند سن التقاعد مثلاً؟! مشكلة شبابنا اليوم انهم يرغبون في تحقيق اهداف شامخة، متناسين ان تحقيق الهدف لا يحتاج الى تحصيل دراسي مهما بلغت درجاته فقط، وإنما الى ثقافة عامة واطلاع واسع على امور الحياة وما يجري فيها، فالدراسة سواء الابتدائية أو الثانوية أو الجامعية منها لا تقدم لنا شيئاًً سوى المواضيع المقررة من الحكومة أو من قبل الجهات التعليمية المختصة ولو قدمت لنا الدراسة شيئاً من الثقافة لاعتزل الجميع الدنيا وبدأوا يدرسون في المدارس والجامعات طوال حياتهم كسباً للعلم والثقافة، أنا لا أنكر ان للدراسة دوراً مهماً في حياة البشر بل ان الله تعالى أوصى بطلب العلم ونبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أوصانا بطلبه حتى لو كان في الصين والسعي في العلم كالعبادة الصالحة لله تعالى ولكن العلم مهما بلغ، من أدنى الدرجات الى أقصاها، يفتقر الى الثقافة والاطلاع الواسع على كل الامور الدنيوية، العلم ربما يبحث في مجال لا أكثر، فطالب الطب يدرس الطب فقط ولا يدرس معه القانون والهندسة وعلم الاجتماع، وطالب القانون لا يدرس معه الطب أو الفلسفة أو الزراعة أو علوم الشريعة الاسلامية أو بقية العلوم الأخرى، والطالب خصوصاً الجامعي بحاجة ماسة الى معرفة عامة لكل شيء مهما كان صغيراً أو كبيراً وهذا لا يتحقق الا من طريق الاطلاع والبحث. لعل من الاسباب التي تحجب عقلية الطالب الجامعي عن تثقيف نفسه هو عدم تميزه لا بين المتعلم والمثقف فهو يظن من الوهلة الاولى ان المتعلم والمثقف سواء، وهذا غير صحيح، فالمتعلم شيء والمثقف شيء آخر، المتعلم هو من تعلم أموراً لم تخرج عن نطاق اطاره الفكري الذي اعتاد عليه منذ صغره، وهذه امور اعتاد عليها منذ المراحل التعليمية الاولى وحتى المراحل الجامعية وما بعد الجامعية ولم تفسح له المجال لاستقبال امور مختلفة عن التي اعتادها. يقول عالم الاجتماع العراقي الدكتور علي الوردي في بحثه"خوارق اللاشعور"ان"المتعلم لم يزد من العلم الا ما زاد في تعصبه وضيق مجال نظره لأنه آمن برأي من الآراء أو مذهب من المذاهب فأخذ يسعى وراء المعلومات التي تؤيده في رأيه"، وهذا صحيح لأن سعي المتعلم وراء مجال واحد أو تخصص واحد لا يترك له المجال للاطلاع على بقية الآراء والأخذ بها أو الاقتباس منها. اما المثقف فهو من يهتم بالمعلومات المتنوعة الى جانب اهتمامه بمجال تخصصه، فهو يقرأ ما تقع عليه عينه فيحصل عنده تراكم في الآراء والنظريات ما يعزز حصيلته الثقافية ويغنيها، لذلك من المهم ان يميز الطالب الجامعي أولاً بين المتعلم والمثقف وأن يدرك جيداً أن الثقافة الجامعية لا تنحصر داخل قاعات المحاضرات، فطالب القانون يجب ان يقرأ العلوم الانسانية والدينية وعلوم اللغة ولا يتعب نفسه وأفكاره في دراسة القانون فقط لأن مهنته كرجل قانون لا تنحصر في تطبيق القانون فحسب وإنما معرفة ما يترتب من ايجابيات وسلبيات في تطبيق أو عدم تطبيق الناس للقانون والوقوف على الأسباب، وطالب الطب كذلك يجب ان يقرأ كل شيء وفي اي شيء، وقد قيل ان الثقافة سلاح كل متعلم. عندما كنا طلاباً كان المعلم يوصينا ونحن في الفصل الأخير من السنة الدراسية بضرورة الانشغال بشيء مفيد لنا في العطلة الصيفية وكان يشدد على ذهابنا الى المكتبة لقراءة الكتب والاستزادة من علومها وتجاربها في الحياة، وأذكر أيضاً ان المعلم كان يأتي بنفسه احياناً الى المكتبة ويشرف علينا ويختار لنا الكتب التي تتناسب مع أفكارنا. وقتها لم تكن التكنولوجيا منتشرة كما هي اليوم، كنا نشغل معظم وقتنا في العطل الصيفية بالمطالعة، اما اليوم فالتكنولوجيا أصبحت هي التي تسير حياة الإنسان وقد أثرت سلباً في طلبتناً فبسببها تدنت ثقافة الطالب فبدلاً من قراءة كتاب أو متابعة بحث ما يجلس معظم الطلاب أمام الانترنت في اوقات الفراغ يتصفحون المواقع أو يتحادثون مع بعضهم وحتى ان كان الطالب يبحث عن معلومة قد تفيده في درس أو بحث ما لا يكلف نفسه عناء البحث بين امهات الكتب والمراجع العربية والعالمية بل لا يكلف نفسه عناء مناقشة المعلومة مع زملائه أو مع استاذه وكل ما في الأمر نقرة لموقع أو اثنين ويحصل عليها وهو لا يعلم ان كانت صحيحة أو لا. كيف ندفع طلبتنا الى تثقيف انفسهم والخروج من أطرهم الفكرية والتحرر منها؟ لماذا لا يتخذون من طلبة الدول المتقدمة مثلاً يحتذى به في ما يخص الثقافة فهم على الرغم من تقدم عجلتهم الحضارية ألا أنهم حريصون أشد الحرص على تثقيف أنفسهم قبل كل شيء ونحن أصحاب الحضارات والأمجاد العريقة نتراجع يوماً بعد يوم أمام كل تقدم تتقدم به دولهم. راميار فارس الهركي - العراق - بريد إلكتروني