لا شك في أن بعث عملية السلام هو شر لا غنى عنه. فالنزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين يؤجج الاضطراب في منطقة استراتيجية حيوية. وأمن إسرائيل هو من أولويات اهتمامات الأميركيين الخارجية، والطريق الى عملية السلام طويلة ووعرة. وأفضى إهمال إدارة بوش هذا الملف الى تفاقم المشكلة. وفي الماضي، أخفق كثر في حل النزاع الفلسطيني ? الإسرائيلي. وقد يكون من العسير على الاجنبي فهم توق الفلسطينيين الى العودة الى قرى اضطروا الى مغادرتها في 1948. فالهوية القومية الفلسطينية تبلورت في أثناء النزاع مع الحركة الصهيونية، وعلى وقع ترحيلهم الجماعي في النكبة، على ما يقول الفلسطينيون، او في حرب الاستقلال، على حد قول الاسرائيليين. فالهوية الفلسطينية المعاصرة ولدت من رحم النكبة. والحق أن التاريخ والثقافة يلقيان بثقلهما على خيارات الفلسطينيين والاسرائيليين. فعلى رغم اختلاف تجاربهما، يعاني كلا الشعبين انقسام الوعي القومي وانفصامه، وعجز المؤسسات عن اتخاذ القرارات السياسية وعن تنفيذها. وانقسام الفلسطينيين وتوزعهم بين"حماستان"في غزة، و"فتحستان"في الضفة الغربية هو مرآة هشاشة المؤسسات الفلسطينية وتذرر السياسة الفلسطينية. ولا يملك فلسطينيو الشتات في لبنان والاردن وسورية انتخاب من يمثلهم في مفاوضات السلام. ومصالح هؤلاء تختلف عن مصالح أبناء جلدتهم و"إخوتهم"في غزةوالضفة الغربية. واستخلص اليهود والفلسطينيون خلاصة واحدة من القرن العشرين مفادها أن أخلاق المجتمع الدولي هي شعارات خاوية، وأن القوى العظمى عنيفة وكلبية، وأن التعويل عليها غير مجد. ولا ريب في أن مهمات صعبة تنتظر ادارة باراك أوباما بالشرق الاوسط. فهذه الادارة تحتاج حاجة ماسة الى انتهاج استراتيجية سلام غير النهج الماضي، وتوفر أملاً في حل نهائي يحقق مصالح الشعبين. لا جدال في أن خطوط تسوية السلام العريضة واضحة، وأن الاطراف كلها تدرك أنه ليس في مستطاع أوباما توسيع رقعة الاراضي المقدسة، واعادة تقسيمها على الطرفين قسمة عادلة، ويعجز عن انشاء جبل هيكل بديل وعن نقل حائط المبكى بعيداً من جامع الاقصى. ولكن في وسع واشنطن تغيير تناول عملية السلام. ففي الماضي، انحاز الاميركيون الى مصالح الاسرائيليين في مفاوضات السلام. وحريّ بإدارة أوباما أن تدرج مصالح الفلسطينيين في سلم أولويات جهود السلام. من غير أن تفتر علاقة الولاياتالمتحدة باسرائيل جراء تغيير نهج المفاوضات. فالفلسطينيون يمسكون بمفاتيح السلام بالشرق الاوسط. وإذا ارادت واشنطن ضمان أمن اسرائيل، حريّ بها أن تحمل أعداء اسرائيل على قبول السلام. ولطالما أساءت واشنطن تقدير رواج حل الدولتين في أوساط الفلسطينيين في القدسوالضفة الغربية، وفي العالم العربي. ولا ينظر الشتات الفلسطيني وأهالي غزة خصوصاً، وهم لاجئون اضطروا الى مغادرة أراضيهم ويعيشون في قطاع لا يتمتع بموارد اقتصادية، بعين الرضا الى حل الدولتين. وشأن هذا الحل ضمان أمن اسرائيل، وتعزيز نفوذ النخبة الفلسطينية. ولكنه يترك فلسطينيي الشتات في عراء المخيمات القديمة حيث قد يرفع علم الدولة الفلسطينية. ومصالح الاسرائيليين والفلسطينيين مترابطة. واسرائيل لن تضمن أمنها، ما لم يبرم اتفاق سلام عادل يرضي الفلسطينيين، وخصوصاً اللاجئين الفلسطينيين. وهؤلاء هم مرآة القومية الفلسطينية، ومصدر شرعية السياسة الفلسطينية. وعلى أوباما ألا يكتفي بتأييد الولاياتالمتحدة قيام دولة فلسطينية مستقلة، بل أن تقر ادارته بالاخطاء المرتكبة في حق الفلسطينيين، وبالغبن اللاحق بهم، وبمعاناتهم، وأن يعلن ارادته التعويض عن خسارتهم، وتأمين فرص حياة كريمة للعائلات الفلسطينية. وأبرز ما يرمي اليه الفلسطينيون من السلام هو الإقرار بمعاناتهم وبالظلم اللاحق بهم. وعلى الولاياتالمتحدة تأييد حق الفلسطينيين في العودة، على ما فعلت في البوسنة. ويجب الا تلقى مسؤولية مشكلة اللاجئين الفلسطينيين على إسرائيل وحدها. فهي، على زعمها، شنت حرب الاستقلال دفاعاً عن وجودها، ولصد الفلسطينيين وجيوش دول عربية. وأخفقت الاممالمتحدة في ضمان أمن العرب واليهود في فلسطين، اثر انسحاب القوات البريطانية. وعلى عاتق الدولة المنتدبة يومها قسط من المسؤولية، وعلى الولاياتالمتحدة الاسهام اسهاماً كبيراً في التعويض على اللاجئين الفلسطينيين مالياً. وتقدر منظمة"ايكس غروب"قيمة هذه التعويضات ب55 بليون دولار الى 85 بليون دولار. عن والتر راسل ميد باحث في"كاونسيل أون فورين ريلايشنز"، "فورين افيرز"الاميركية، 1 -2 / 2009 نشر في العدد: 16735 ت.م: 2009-01-28 ص: 25 ط: الرياض