تشهد مدينة لندن الكثير من الاعتصامات والتظاهرات تنديداً بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. وعلى رغم أن التحركات هذه لا تلقى تغطيات اعلامية كثيرة، فإن تأثيرها في الساحة السياسة بات ملموساً بعض الشيء. وفي عطل نهاية الأسبوع تمتد الاعتصامات الى مدن بريطانية أخرى حيث تنشط منظمات انسانية وجمعيات اسلامية وحتى يهودية ترفض المجازر المتواصلة التي تشنها القوات الإسرائيلية على المدنيين الفلسطينيين. في الأسبوع الأول للعدوان انطلقت في الوقت نفسه تظاهرات من اكثر من عشر مدن بريطانية كبرى، وامتلأت الشوارع والأحياء بشباب يرتدون الكوفية الفلسطينية متوجهين الى التظاهرة الأقرب إلى مكان سكنهم. "بريك لاين"أو"خط القرميد"حي لندني تاريخي عاشت فيه افواج مختلفة من المهاجرين سكنوه للتجارة ونزحوا عنه حين اغتنوا، اليوم هو ملتقى الشباب من الفنانين والموسيقين يجدون فيه مسكناً ويؤمّون مقاهيه ليلاً، اذ تؤمن المنطقة ساحة بديلة من الجو البريطاني التقليدي. أما الجالية التي تسكنه حالياً فهي مؤلفة في شكل أساسي من العائلات البنغالية المسلمة التي تمتلك مطاعم كاري شهيرة وغالبية أبنائها ولدت في هذه المنطقة وتعيش فيها من دون اختلاط يذكر بالجو الليلي الصاخب الذي يشتهر به الشارع. وعزز هذا الانغلاق على النفس وهجمات 11 أيلول سبتمبر الخوف الدائم من الاضطهاد العنصري. أما الآن ومنذ بداية العدوان على غزة فيعيش الحي نمطاً جديداً من التعبير عن الرأي في السياسة والدين والاختلاف عن الآخر. وبالتزامن مع تظاهرات شعبية كثيرة شهدتها عواصم العالم عرفت لندن أكبر تظاهرات بريطانية مؤيدة للشعب الفلسطيني. وعلى مدى الأسبوعين الماضيين وتحديداً يومي السبت نظمت تظاهرتان ضخمتان ضمت كل منهما حوالى مئة الف نزلوا إلى الشوارع مع نواب وسياسيين وفنانيين احتلوا وسط لندن ثم اعتصموا أمام السفارتين الإسرائيلية والمصرية. وسعت الشرطة إلى أن تبقي الاحتجاج منظماً وسلمياً فيما المتظاهرون خالجهم الكثير من الغضب الذي لم تعتده شوارع لندن. فصور العدوان على غزة الذي جاء بعد أشهر من وضع انساني رديء فرضته اسرائيل على الفلسطينيين في عملية عقاب جماعي غير اخلاقي، حركت الرأي العام فحصل رد فعل مفاجئ في الشارع البريطاني متوقع إلى حد ما من الجاليات العربية والإسلامية والأحزاب اليسارية. وما زاد من غضب الشارع اللندني والأقليات العرقية والدينية أن عدوان غزة جاء بعد حرب العراق التي عارضوها، ووقوف بلير مع الغزو الأميركي ثم مع اسرائيل في الحرب على لبنان في 2006 واستعمال اسرائيل أسلحة بريطانية الصنع. وحدثت ردود فعل انفعالية عديدة كاحتلال بعض الناشطين محال اسرائيلية لأدوات التجميل مصنعة في مستوطنات غير شرعية وكسر لمقاهي ستاربكس ورسومات على الجدران معادية لإسرائيل ومؤيدة لغزة مثل"الشهادة طريقنا"و"نحن بن لادن"و"هنا غزة". وشوهدت سيارات في وسط الشارع مغطاة بأعلام فلسطينية يندد سائقوها عبر مكبرات الصوت بالعدوان. لم يمض وقت طويل على الرسومات حتى قام عمال البلدية بوضع طلاء فوقها فيما كثفت الشرطة دورياتها في حي"بريك لاين"واستفاق السكان في اليوم التالي على رسائل مضحكة وجدوها في صناديق البريد تذكرهم بمنع التجمعات السياسية التلقائية والتعبير عن أراء سياسية بطريقة صاخبة في الشارع. وفي تلك الرسائل نصحت الشرطة سكان الحي بأنهم إن أرادوا التعبير عن تضامنهم مع غزة يجب أن ينضموا الى المسيرة الشعبية السلمية يوم السبت في هايد بارك عند الساعة الواحدة بالضبط! نشر في العدد: 16726 ت.م: 19-01-2009 ص: 25 ط: الرياض